تنويه هام: يوجد حرق لأحداث الفيلم في المقال
لماذا نشاهد الأفلام؟
لا يوجد سبب واحد محدد لهذا الأمر، بل هناك أسباب عديدة وتختلف من شخص لآخر. لكن يمكننا الاتفاق على أن الأفلام تمثل أرض الأحلام والهروب من الحياة الواقعية بالنسبة لمعظم المشاهدين الشغوفين بالسينما. وضع تحت الأحلام والهروب كافة التفاصيل الممكنة سواء في نطاق وعيك أو وعي الآخرين من حولك. وأيضًا ليس معنى أنها أرض الأحلام أنها أحلام سعيدة بالضرورة! فنحن نرى أبشع الكوابيس وأشر الخلق في أحلامنا على السواء، ونصحوا من النوم ونحن على شفير الموت.
يتصادف أن عنوان فيلمنا هو "أرض اﻷحلام"، ولقد عشنا في أرض الأحلام بالفعل لما يقرب من الساعتين، عشنا في السينما التي نحبها ونهرع إليها ونشاهدها بشغف كي نرى شيئًا مختلفًا عما حولنا. لكن يأبى مخرج الفيلم وكاتبه داميان تشازيل إلا أن يعيدنا بعنف وغلظة إلى واقعنا الأليم ودنيانا المتخبطة، وذلك في آخر عشر دقائق في الفيلم فحسب، ولسان حاله "Life sucks!" كما يقول الأمريكيون. لم أتصور أبدًا أن أشاهد في يوم من الأيام فيلمًا يخبرني ما أعيش فيه كل يوم، يخبرني أن الحياة محبطة ويهديني حكمة اليوم العظيمة: "لا أحد يحصل على كل شيء". لو كنا نشاهد الأفلام لأجل ذلك، ما نجت السينما لأكثر من عشرة أعوام!
حتى لا يفهم القارئ منطقي بشكل مغاير، لست معترضًا على تصوير حيواتنا البائسة وواقعنا المرير على شاشة السينما، فلقد شاهدنا آلاف الأفلام التي تجسد ذلك بتفاوت، ومنها أفلام عظيمة وتحف فنية بالطبع. ولست معترضًا على النهاية الحزينة وفراق الحبيبين، لا مشكلة لدي مع النهايات الحزينة على الإطلاق، وأيضًا لها نصيب عندي من الأفلام العظيمة والتحف الفنية. ما أعترض عليه في هذا الفيلم العجيب هو منطق "جعلوه فانجعل" الذي تم إقحامه علينا في نهايته، فالبناء الدرامي الذي ظل ينمو ويكتمل في أناقة شديدة طيلة ساعتين لا علاقة له بما حدث في تلك الدقائق العشر.. اللهم إلا جملة كتبها على الشاشة تقول: "بعد خمس سنوات"!
لا أحد يعلم ماذا حدث في تلك السنوات الخمس، ربما الكاتب نفسه لا يعرف أيضًا. لكنه جرؤ على استخدام تلك الحيلة الدرامية لتبرير ما سيريك إياه لاحقًا بناءً على أي شيء يمكنك استنتاجه أو إقناع نفسك به وبسرعة لأنه ليس هناك وقت لأي ترف، فالحياة سيئة كما تعلمون. رجاء أيها المشاهد أن تجلب أي سبب مناسب من عقلك الواعي أو الباطن أو من حياتك أو من تجارب أي شخص تعرفه قد يفسر لك أننا خرجنا من أرض الأحلام بلا رجعة. عفوًا يا سيدي... لن أفعل ذلك، إنها ليست مهمتي، ولم أذهب إلى السينما لأجل ذلك! لقد خدعتني يا صاح، ولن أصنع لك معروفًا.
في الحقيقة، هناك احتمال 50:50 خلال تلك السنوات الخمس أن تكون "ميا" مع "سيباستيان" أو لا في النهاية، لكن ما أثار حفيظتي تحديدًا هو أنني وجدت نفسي مرغمًا ودون أي مقدمات أن أبرر لأحد الاحتمالين، وهو الاحتمال المعاكس للساعتين السابقتين؛ أي أن المبرر غير موجود في الفيلم من الأساس، بل موجود في الحياة الواقعية المريرة حولنا. لذا عليك أن تفيق وتذهب لإحضاره من خارج أرض الأحلام كي تصفق للفيلم! المثير للحنق أن العكس هو الصحيح... كانت هناك مبررات كثيرة وقوية في علاقتهما تعزز أن يقاتل كلاهما كي يظل مع الآخر بجانب حلمه، خاصة وأنه لم يكن هناك مانع جوهري لذلك في القصة المطروحة علينا على الإطلاق.
وليس هذا فحسب، لقد تجرأ مرة أخرى واستخدم حيلة سينمائية أكثر رخصًا وهي "ماذا لو". حسنًا، قد لا تكون الحيلة بهذا الرخص، لكن استخدامها في مكانه كان بخسًا وغير منطقي بالمرة. لقد عاد بنا داميان إلى لحظة اللقاء الحقيقي الأول بين "ميا" و"سيباستيان"، ثم أخذ يغير في الأحداث الرئيسة إلى النقيض، مفترضًا أنهما إن وقعا في غرام بعضهما من البداية لانتهى بهما الأمر معًا كما يقتضي الأمر في أي أرض أحلام تحترم نفسها. لكن مهلًا! ألم يعشقا بعضهما حتى النخاع في الخط الزمني الأصلي للفيلم؟ إذن ما فائدة "ماذا لو" في المعادلة؟ ماذا غيرت؟ يبدو أن لا أحد يعلم أيضًا. خاصة أن ما فعله "سيباستيان" مع "ميا" قبل أن يفترقا كان أجمل ما يمكن أن يفعله شخص لمن يحبه، وما قالته "ميا" له كان أروع ما يمكن أن يُقال بين عاشقين.
داميان كان يقصد كل ما فعله وما وصل إليه بالحذافير، كان يقصد أن يجعلنا نعيش لحظات لطيفة في أرض الأحلام، ثم يقذف بنا إلى الحياة والواقع على حين غرة. خطط للأمر وللتجربة ونفذها، لكني لا أشهد له بالإجادة وأعترض على مقصده من الجذور. ولو كانت النهاية مقدر لها أن تكون سعيدة كما عرضها في تتابع "ماذا لو"، أشك أن الفيلم كان سيحصل على نفس التقدير الذي حاز عليه في وضعه الحالي. أعتقد أنه كان سيجب عليه حينها أن يعزز السيناريو أكثر لكي يصل إلى قمة أرض الأحلام في نفس أناقة بنائه.
أفضل ما في الفيلم من وجهة نظري هو التصوير والموسيقى والأغاني والاستعراضات رغم قلتها، لكن تنفيذها كلقطة واحدة هو ما منحها ذلك التميز. أفضل الاستعراضات كان مشهد الافتتاحية، واستخدم فيه حيل فيلم Birdman في القطع دون أن نشعر؛ على سماء صافية أو الاقتراب من ظهر أحدهم أو الحركة السريعة للكاميرا. المشهد كان مبهجًا بحق، وأدخلنا في جو الفيلم الموسيقي الحالم بشكل موفق.
أداء ريان جوسلينج وإيما ستون يُعد من الأفضل في السنة بلا شك، والكاريزما بينهما ساعدت كثيرًا في دعم قصتهما على الشاشة وتعاطفنا معهما كمشاهدين، كما ساهمت في خلق روح دعابة عفوية أعطت رونقًا خاصًا لجو الفيلم. هناك مشكلة وحيدة لدى إيما في آخر مشهد غنائي لها، وهو نطق حرف S، حيث ظهرت جلية بسبب التصوير القريب من وجهها والضغط الشديد على الكلمات. ليست مأساة، وإنما مقبولة إلى حد كبير من إيما، لكنها قد ترفع أسهم ريان عليها قليلًا.
أخيرًا أريد أن أقول إن La La Land لم يأت بأي شيء استثنائي وجديد على أي مستوى بخلاف الموسيقى والأغاني. لكن أي إنجاز آخر في السيناريو أو الإخراج أو التصوير أو الاستعراضات أو الصورة بكافة عناصرها؛ فهو ينهل من سابقيه بطريقته الخاصة دون أي تفرد يُذكر. لذا ليس لأن إنتاج السينما صار ضعيفًا والأفلام العظيمة أصبحت نادرة، لا ينبغي أن نبالغ باحتفائنا بفيلم جيد الصنع ومساواته بأفلام أخرى وضعت أحجارًا راسخة في سينما الأفلام الموسيقية والاستعراضية والرومانسية الكوميدية. قد يحصل الفيلم على أفضل فيلم في العام في جوائز كثيرة.. أستطيع التعايش مع ذلك. لكن أن يتم التعامل مع الفيلم على أنه أحد التحف السينمائية في عصرنا الحديث، فهذه مبالغة غير مقبولة وصارت تتكرر كثيرًا في السنوات الأخيرة، رغم أن تلك الأفلام تذهب ولا يتذكرها أحد بعد عام واحد.
التقييم
6/10