الأفلام التي تفوز بالأوسكار، أما أمريكية أو بريطانية باستثناء فيلم وحيد غير ناطق بالإنجليزية، وفي غالب الآحيان يكون أوروبيًا أيضًا. أما آسيا أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا فنصيبهم فقير جدًا من هذا العالم المبهر.
هل تعلم كم مرة حصلت آسيا كقارة بالكامل على أوسكار؟ أو أمريكا اللاتينية؟ أو أفريقيا؟
في آسيا الأرقام قليلة من حيث عدد الفائزين بالأوسكار، حتى لو كان أصغر فرهادي هو أحدث الفائزين بالجائزة، عن فيلمه The Salesman بحفل اﻷوسكار اﻷخير، فهذا يعد استثنائيًا في تاريخ الأوسكار عمومًا.
جائزة أكاديمية العلوم والفنون التي أُنشئت عام 1929 لم يكن بها فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية عند ميلادها. فقد كانت الفئات الفائزة بالأوسكار حينها سبع فئات فقط هي (أفضل فيلم، أفضل ممثل، أفضل ممثلة، أفضل نص، أفضل تصوير، أفضل تصميم فني "ديكورات"، أفضل مخرج) ثم في عام 1930 أُضيفت فئة أفضل صوت للقائمة. ثم بعدها أُضيف فئة جديدة في الكتابة هي النص المقتبس، فأصبح هناك فئتان هما النص الأصلي والنص المقتبس. ولأن الأكاديمية تجمع بين العلوم والفنون فقد أضافت فئة تكريمية مثل Scientific and Engineering Award وTechnical Achievement Award في عام 1931.
ومع كل عام كانت الأكاديمية تضيف فئة جديدة يتم من خلالها تكريم فنانين جدد، في محاولة لإضافة كل ما يتصل بصناعة الفيلم، إلى فئات الجائزة.
فمثلًا فئة الأفلام المتحركة أو الكرتون المعروفة حاليًا بأفلام الـAnimation ظهرت عام 1932 تحت عنوان: Best Short Subject, Cartoons. كما أنه من الأشياء الطريفة أن فئة مساعد المخرج كان لها نصيب مع الأوسكار بدايةً من عام 1934، إلا أنها لم تستمر طويلًا. وفي العام التالي 1935 أُضيفت فئة الموسيقى التصويرية والمونتاج. كذلك فئة الرقص ظهرت عام 1936 أما فئة الممثل والممثلة دور ثان فقد ظهرت عام 1937.
ولأن السينما كانت تتطور كل عام، فقد كانت الفئات أيضًا تتفاعل مع هذا التطور، فمثلًا كان هناك فئتين للتصوير السينمائي، أحدهما للفيلم الأبيض والأسود والأخرى للفيلم الملون، وظهر ذلك مع الفيلم الكلاسيكي الشهير Gone With the Wind، الذي أُنتج عام 1939 وحصل على جوائز أوسكار عدة في حفل عام 1940، وبالتبعية ظهرت جائزة المؤثرات البصرية Special Effects خلال هذا العقد الجديد. أما فئة الفيلم الوثائقي أو التسجيلي فقد ظهرت عام 1942.
في عام 1949 بدأت الأكاديمية بمنح جوائز تكريمية للأفلام غير الناطقة بالإنجليزية المعروضة في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان أول هذه الأفلام هو الفيلم الفرنسي Monsieur Vincent ثم في عام 1950 كان الفيلم الإيطالي الكلاسيكي الشهير Bicycle Thieves ثم في عام 1951 الفيلم الإيطالي الفرنسي The Walls of Malapaga ثم الفيلم الياباني Rashomon للمخرج الشهير أكيرا كوروساوا.
وظلت الأفلام الأجنبية غير الناطقة بالإنجليزية ضمن فئة جوائز الأوسكار التكريمية أو الشرفية حتى عام 1957، الذي أصبح فيه الفيلم غير الناطق بالإنجليزية فئة رسمية لدى الأكاديمية.
وفي هذا العام افتتح العملاق الإيطالي فيدريكو فيليني سلسلة إبداعاته السينمائية في هوليوود بفيلمه La Strada بطولة أنتوني كوين وزوجة فيليني جولييتا ماسينا. وكان الفيلم حينها يتنافس مع أربعة أعمال أخرى من الدنمارك وألمانيا (من غير واضح ألمانيا الشرقية أو الغربية من المصادر) وفرنسا واليابان.
بعد ذلك صارت المنافسة تقريبًا أوروبية بين الأفلام، يتخللها بعض الوجود الأسيوي مثل الفيلم الهندي Mother India الذي خسر المنافسة في عام 1958 لصالح فيلم فيليني The Nights of Cabiria.
ظهر التنافس من جانب أمريكا اللاتينية إن جاز التعبير من خلال المكسيك لأول مرة عام 1961، لكن الفيلم المكسيكي خسر أمام السينما السويدية من خلال فيلم إنجمار برجمان فيلم The Virgin Spring. وظل برجمان محافظًا على الأوسكار في عام 1962 عن فيلمه Through a Glass Darkly وفي هذا العام كانت أول مرة تفوز ممثلة بفيلم غير ناطق بالإنجليزية بجائزة أفضل ممثلة، حيث فازت صوفيا لورين بالأوسكار عن دورها في الفيلم الإيطالي الشهير Two Women إخراج فوتوريو دي سيكا، وكانت صوفيا في منافسة مع فاتنة السينما الأمريكية حينها أودري هيبورن عن فيلمها Breakfast at Tiffany's.
خلال فترة الأربعينات والخمسينات كانت الأفلام الإيطالية ومن بعدها السويدية هي المنافس الأبرز من القارة الأوروبية على جائزة الفيلم الأجنبي. أما آسيا فقد كانت اليابان هي الممثل شبه الدائم لها في الأوسكار.
في عام 1970، ظهر العرب في الأوسكار من خلال المشاركة في إنتاج فيلم Z للمخرج اليوناني الكبير كوستا جارفاس، ورغم أن الفيلم لم يكن بطولة عربية أو إخراج عربي أو إنتاج عربي خالص، إلا أنه صُنف ممثلًا للجزائر وحصل على جائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية. وفاز الفيلم أمام منافسة سوفيتية يوجوسلافية سويدية فرنسية. من الملاحظ أن إسرائيل شاركت خلال نهاية عقد الستينات وأول السبعينات من القرن العشرين أكثر من مرة في منافسات الفيلم الأجنبي لكنها لم تفز. في هذا العقد ظهرت الأرجنتين بمشاركة أولى من خلال فيلم La Tregua.
الحضور الأفريقي الأول - إذا ماتعاملنا مع فيلم Z أنه حضور غير حقيقي للعرب وأفريقيا- جاء مع الفيلم الإيفواري La victoire en chantant عام 1977، إلا أن هذا التمثيل أيضًا إذا ما نظرنا له سنجده أوروبيًا أكثر من كونه أفريقيًا، فالمخرج فرنسي والممثلين فرنسيين ذوي بشرة بيضاء والمنتجين ليسوا إيفواريين. أعلم أن هذا تصنيف يبدو عنصريًا إلى قدر كبير لكن هذا هو الأوسكار الذي تعامل مع الفن بشكل قاري يضع الألوان والأعراق في الحسبان في آحيان عدة. ويرى البعض أن الفيلم فقط أصبح إيفوايًا لأنه صُور في كوت ديفوار، كما أنه كان ينتقد فرنسا وسياساتها العسكرية بشكل كبير، فتم تسجيله من قبل كوت ديفوار لدى الأكاديمية مما منحها الأوسكار.
خلال السبعينات والثمانينات سطع نجم السينما الفرنسية بشكل كبير في المنافسة، فأن لم تفز فهي حاضرة في المنافسة على جائزة الفيلم الأجنبي مع إيطاليا بالطبع أو السويد أو إسبانيا التي تظهر أحيانًا كذلك بولندا عن طريق أعمال المخرج الشهير أندريه فايدا، أو أعمال تاركوفسكي في روسيا السوفيتية.
الجزائر تظهر للمرة الثانية في الترشيح عام 1984 لكن هذه المرة مع المخرج الإيطالي إيتوري سكولا الذي قدم فيلم Le bal وهنا أيضًا لا أعلم تحديدًا لماذا رُشح الفيلم باسم الجزائر وليس إيطاليا أو فرنسا رغم أن الأحداث تدور في فرنسا والممثلين فرنسيون والمخرج إيطالي والإنتاج مشترك بين الجزائر وإيطاليا وفرنسا، فالمخرج والمنتج الجزائري محمد الأخضر حامينة كان أحد المشاركين في إنتاج الفيلم.
أول فوز تحققه أمريكا اللاتينية كان عام 1986، وجاء الفوز بالأوسكار عن طريق الأرجنتين وفيلم La historia oficial الذي يحكي عن مرحلة الحرب القذرة في الأرجنتين والحكم العسكري تحت قيادة خورخي فيديلا. وفي مرحلة التسعينات، ظلت المنافسة أوروبية مع وجود بعض الظهور اللاتيني المتراوح بين البرازيل وكوبا والأرجنتين والظهور الحيي لآسيا من خلال روسيا حينًا والصين حينًا آخر، حتى بدأ الظهور الإيراني بقوة في المنافسة من خلال فيلم Children of Heaven للمخرج مجيد مجيدي عام 1999 إلا أن الفيلم خسر المنافسة أمام الفيلم الإيطالي La vita è bella للمخرج والممثل الكوميدي الشهير روبرتو بينيني، والذي فاز بجائزة أحسن ممثل عن دوره في الفيلم، الذي يحكي قصة أحد اليهود الطليان أثناء الاجتياح النازي لأوروبا.
في الألفية الثالثة، تفوز تايوان بأوسكار الفيلم الأجنبي مع فيلم Crouching Tiger, Hidden Dragon في منافسات عام 2001. وفي عام 2006 يفوز فيلم من جنوب أفريقيا بعنوان Tsotsi ويشاركه في المنافسة الفيلم الفلسطيني الجنة الآن أو Paradise Now إخراج هاني أبو أسعد، مسجلًا أول مشاركة عربية حقيقية في الأوسكار.
في العام التالي مباشرةً يستمر العرب في المنافسة عن طريق الفيلم الجزائري المغربي الفرنسي Indigènes أو بلديون أو Days of Glory إخراج رشيد بوشارب إلا أن الفيلم خسر في منافسة قوية مع أفلام أخرى مثل The Lives of Others من ألمانيا، وPan's Labyrinth من المكسيك وWater من الهند وكندا.
عام 2009 يسجل واقعة مهمة في تاريخ الأوسكار حيث فوز الفيلم الهندي A slumdog Millionaire بـ8 جوائز أوسكار، ورغم أن غالبية طاقم الفيلم هندي ولغته هندية، وأحداثه تدور في الهند، إلا أن مخرج الفيلم ومنتجه بريطانيان، فأصبح الفيلم ناطقًا باللغة الإنجليزية في هذه الحالة. وذهب أوسكار الفيلم الأجنبي لليابان مع فيلم Departures الذي يروي حكاية موسيقي يعمل في مجال دفن الموتى. في العام التالي تفوز الأرجنتين بالأوسكار عن طريق فيلم مميز للغاية وهو The Secret in Their Eyes، والذي كان في منافسة مع فيلم المخرج الفلسطيني إسكندر قبطي والمعروف باسم عجمي، وقد أثار هذا الفيلم جدلًا واسعًا لأن الفيلم كان إخراج وكتابة مشتركة بين قبطي والمخرج الإسرائيلي يارون شاني، كما أنه تم تسجيله في منافسات الأوسكار على أنه فيلم إسرائيلي.
في عام 2011 يعود رشيد بوشارب للمنافسة مرة أخرى بفيلمه Hors la loi إلا أنه يخسر مرة أخرى أمام الفيلم الدنماركي In a Better Worl. وفي عام 2012 يكتب أصغر فرهادي التاريخ لنفسه وللسينما الإيرانية عندما يفوز يجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه A separation.
في 2014 تعود إيطاليا من بعيد وتفوز بالأوسكار عن فيلم The Great Beauty في منافسة مع الفيلم الفلسطيني المميز عمر من إخراج هاني أبو أسعد مرة أخرى، مع منافسة أسيوية من كمبوديا هذه المرة من خلال فيلم The Missing Pictur ولا أعلم لماذا وُضع هذا الفيلم في قائمة أفضل فيلم أجنبي رغم أنه ينتمي لفئة الفيلم الوثائقي. وفي هذا العام تنافس في فئة الفيلم الوثائقي القصير الفيلم اليمني "ليس للكرامة جدران" إخراج سارة إسحق، كذلك الفيلم الوثائقي المصري الطويل المعروف باسم "الميدان" إخراج جيهان نجيم.
في عام 2015 تنافس الفيلم الموريتاني تمبكتو إخراج عبدالرحمن سيساكو على جائزة أفضل فيلم أجنبي لكنه يخسر أمام الفيلم البولندي Ida. كذلك كان ضمن المنافسة الفيلم الأرجنتيني المميز Wild Tales. وفي 2016 تشارك الأردن في المنافسة عن طريق فيلم ذيب إلا أنه لم يفز، إذ اقتنص التمثال الذهبي الفيلم المجري Son of Saul في إطار منافسة مع دول أخرى مثل كولومبيا والدنمارك وفرنسا. وهذا العام نجح فرهادي في كتابة التاريخ مرة ثانية خلال خمس سنوات عندما فاز فيلمه بالجائزة بعد منافسة سويدية ألمانية دنماركية أسترالية مرسلًا خطابًا واضحًا يعبر عن رؤيته للولايات المتحدة الأمريكية تحت الإدارة الجديدة التي يقودها دونالد ترامب.
المصادر:
IMDB
https://www.britannica.com/topic/Black-and-White-in-Color