مع بداية الموسم السابع من مسلسل Game Of Thrones في حلقته الأولى التي حملت عنوان Dragonstone، قد تبدو "لعبة العروش" أكثر خطورة من ذي قبل ظاهريًا: الشتاء المنتظر حل أخيرًا، بات هناك أطراف محددة في هذا الصراع بعد طول فوضي سادت ويستروس وهم سيرسي لانيستر وجون سنو ودينيريس تاريجريان، عمليات بحث جارية عن حلفاء وجند وعتاد ﻷجل التحرك في إتجاه الحسم، لكن هل يعي المسلسل في هذا الموسم لما هو مقبل عليه بالفعل؟
بدت الحلقة اﻷولى في مجملها وكأنها مجرد "فرش" بالمعنى الفج للكلمة للأوضاع التي باتت عليها اﻷمور في ويستروس اﻵن، لا توجد في هذه الحلقة أحداث بالمعنى المفهوم للكلمة بقدر ما هو رسم لخارطة الصراعات والتحالفات حتى يصير العالم منبسطًا أمامنا بالفعل مع التأكيد على هذا الانبساط لفظيًا وبصريًا بدون ترجمته لأحداث جارية على الشاشة.
لا يقدم تنكر آريا ستارك وراء هيئة والدر فراي في مطلع الحلقة في مشاهد ما قبل التترات Avant-Titre أي جديد لمُشاهد المسلسل، فالمشهد كان بالغ الوضوح أنه حيلة من آريا للانتقام من قتلة عائلتها، ولا يعدو مجرد جسر درامي واصل بين الموسم الفائت والموسم الحالي، كما أنه جاء وكأنه "تحصيل حاصل" أكثر منه حدث درامي منتظر، أو مجرد تتمة لمشهد ذبح فراي في الحلقة اﻷخيرة من الموسم السابق، لماذا لم يتم تقديم هذا المشهد في نفس الحلقة المشار إليها، وبدء الحلقة مباشرة بمشهد السائرون البيض مباشرة بدلًا من وضعه بعد التترات؟
كما أن مشهد مقابلة آريا للجنود داخل أحداث الحلقة ليس له ثمة وظيفة سوى أن يكون مجرد "فرشة" لتقديم مفاجأة للجمهور تتمثل في ظهور شرفي للمطرب البريطاني إد شيران حتى مع اعترافي الشخصي بجمال الأغنية التي يؤديها لرفاقه في السلاح، لكن ما الذي يقدمه هذا المشهد أبعد من هذا؟
عودة لفكرة انبساط العالم، لا يعدو هذا المشهد المطول لاجتماع ملك الشمال جون سنو مع حلفائه سوى سرد ملفوظ لخارطة التحالفات والخصومات التي تواجه الشمال وممالكه، باسطًا إياها أمامنا لتبدو على نحو "قوائمي" متتالي بدون وجود حدث يكسر حدة هذه "القوائمية" أو سرد الخلفية التي يتحركون فيها، بل حتى الاختلاف في وجهات النظر بين سانسا ستارك وجون سنو لا يمكن اعتباره حدثًا بالمعنى المفهوم.
تأكيدًا على نفس فكرة "البسط" التي تمارسها هذه الحلقة، لا يأتي انبساط العالم هنا ملفوظًا فقط، بل وبصريًا كذلك حين نرى رسامًا يقوم برسم خارطة ضخمة لويستروس على أرضية القصر في حضور سيرسي وجايمي، وبعيدًا عن هذا التوكيد البصري، يبدو المشهد عبارة عن "تلقين" لخارطة الحلفاء المتعاونين مع آل لانيستر، لكن المشهد لا يكتفي بذلك، وإنما يقوم بتذكير المشاهد دون ضرورة ومن جديد بما حدث لسلالة آل لانيستر.
وحتى في مشهد لقاء سيرسي مع إيرون جريجوي بغرض قرار التحالف معه، فلا يبدو أن هناك شيء استثنائي يقع في هذا المشهد اللهم فيماعدا اﻹشارة الساخرة التي يقوم بها إيرون من جايمي حينما يقول لها أنه يملك يدين سليمتين في إشارة إلى يد جايمي المبتورة، ولا يوجد إحساس بأن أمر هذا التحالف مصيري لهذا الحد، فهو يُقدم وكأنه مفروغ منه مما يصيبه بالسكون.
يقدم هذا الجزء تتابعًا هو اﻷكثر طرافة واﻷكثر إثارة للاشمئزاز في نفس الوقت، مدخلًا صامويل تارلي في دوامة زمنية يتم التعبير عنها بالقطع المونتاجي المتسارع تدريجيًا مع تكرار نفس دورة اﻷفعال: تنظيف الحاويات المليئة بالبراز السائل للمسنين الراكدين، عمليات التنظيف، تقديم الطعام، ممارسة مهام امين المكتبة. بل ويتعمد المخرج تقديم مشاهد تقديم الطعام بالتوالي مع مشاهد تنظيف البراز إمعانًا في وحشية وقسوة الدائرة بالنسبة له وبالنسبة لأولك المسنين.
ومن تتابع مقزز إلى تتابع مقزز آخر حيث يقف صامويل أمام جثة جاري تشريحها مساعدًا للمعلم إيبروز، مع وزن كل عضو في الجسد على حدة، لكن مع كل هذه الجرعة المعوية التي يحويها الجزء الخاص بأولدتاون، إلا أنه يكسر حدة التلقين والمعلوماتية الزائدة التي تسود الحلقة، خاصة مع وجود أحداث تقع بالفعل هنا: تسلل صامويل إلى القسم المحرم من المكتبة، اكتشافه لمكان وجود زجاج التنين القاتل للسائرون البيض، وحتى إثارة الانتباه حول السجين الغامض المتسائل عن وصول ملكة التنانين من عدمه.
تتابع صامت طويل، تستعيد من خلاله دينيريس تارجيريان ذكرياتها مع موطنها اﻷصلي، وتتشرب تفاصيله بدون كلمة تبدر منها أو من معاونيها إلا من كلمة أخيرة تنتهي بها الحلقة "هلم بنا نبدأ؟" والتي تؤكد على نفس الانطباع لدى المشاهد بأن الحلقة بأكملها لم تكن سوى مجرد تقديم آخر لا داعي له لما هو آت.