مع تتالي حلقات مسلسل Game Of Thrones، لم تعد تخلو أية حلقة من المشاكل والثغرات التي باتت مؤثرة على مستوى المسلسل وجودته ككل، لكن دعونا نقول أن الحلقة الثالثة التي حملت عنوان The Queen's Justice أفضل حالًا بكثير من الحلقتين السابقتين، خاصة مع احتوائها على لحظات درامية فائقة القوة، وبخاصة خاتمتها العاصفة التي حملت للمشاهدين مذاق المواسم اﻷولى من المسلسل.
على قدر أهمية حدث لقاء جون سنو ودينيريس تارجيريان، يأتي اﻹعداد البصري والدرامي له موفقًا ومتماشيًا مع أهميته: إطالة المشهد الافتتاحي ﻷطول وقت على شريط الصورة، السير في ممر بالغ الطول كدلالة على المسار الطويل الذي أخذته هذه الخطوة لكي تحدث مع متابعته بلقطة تتبع متصلة بالكاميرا وبصحبة تعليقات تيريون لانيستر الساخرة، وصولًا إلى تقديم دينيريس المهيب بكافة الألقاب التي حملتها منذ سعيها نحو السلطة.
يتحول الحوار الدائر بينهما ذات نفسه إلى مباراة حوارية قوية ومطولة تؤكد أكثر على جلال هذا اللقاء، واﻷهم من كل هذا إن دينيريس تذكرنا من جديد بما صارت عليه في اﻵونة اﻷخيرة من حزم وقوة بعد حضور ضعيف شاب الحلقات السابقة، وهذه الحلقة تمنحها الساحة بأكملها لتعيد إلى اﻷذهان من تكون الكاليسي.
وفي المقابل من هذا التمهيد والتقديم المتمهل للقاء سنو وتاريجريان، جاءت معركة الاستيلاء على كاستالي روك على نحو بالغ السرعة جدًا لدرجة أنها حسمت وانتهت في بضع دقائق تعد على أصابع اليد، لاحظ أننا نتحدث عن قلعة حصينة بها عدد معتبر من الجنود وليس على بيت عائلة، ولم يدفعنا مخرج الحلقة حتى للشعور بأن اﻷمر على هذا القدر من اﻷهمية كما كان يتحدث تيريون عنه في خطته.
أخيرًا يأتي الخط الخاص بدورن إلى خواتيمه بعد أن شكل ﻷكثر من موسم عبء درامي ثقيل على المسلسل مع وقوع إلاريا في قبضة سيرسي لانيستر، محققة انتقامها المنتظر منذ موت ابنتها على يد إلاريا في مشهد لا يقل سادية عما هو منتظر من شخص بشر سيرسي بالرغم من كونه مشهد غير عنيف وغير دموي بالمرة، بل إنه حتى ينتهى بقبلة على الفم، لكنها قبلة مميتة كمثل القبلة التي قتلت بها إلاريا ابنة سيرسي من قبل.
مشهد آخر لا يحمل حدثًا هامًا لكنه يعطينا إشارة إلى مدى تطور نفسية سيرسي، وذلك بعد ممارستها الجنس مع شقيقها جايمي وبقائهما معًا على نفس الفراش، لتقرر سيرسي هذه المرة على غير العادة أن تفتح الباب للخادمة في وجود جايمي دون خشية منها، إنها تريد أن تؤكد لنفسها أنه باتت لديها السلطة اللازمة لتفعل ما تريده كملكة، كما أن الجميع يعلم بالفعل أمر العلاقة التي تجمع كليهما.
فيما عدا عودة بران إلى وينترفيل، لا يوجد ما يستحق الذكر كثيرًا بخصوص هذا الخط، بل حتى بات ما يقوم به ليتل فينجز من بث للأفكار في آذان سانسا لا يقدم أي إضافة تستحق الذكر، ولم يعد رد فعلنا نحوه بنفس التأهب في المواسم السابقة.
حسنًا، دعونا نركز على هذا اﻷمر قليلًا، كان لدى جوراه مورمونت مهلة ليوم واحد فقط ليقرر مصيره، وجاء صامويل تارلي لكي يشيفيه من مرضه العضال من خلال عملية جراحية لم تجرى سوى مرتان بنجاح، وفشل فيها أمهر اﻷطباء، بينما نجح تارلي فيها دون أية خبرة تذكر في الجراحة بمنتهى المهارة، والتئمت كل جروح جوراه بين يوم وليلة بفعل المراهم، ولاحظ أننا نتحدث عن إزالة طبقات هائلة من الجلد وليس عن عملية لاستئصال اللوزتين، هل سافر المنطق الدرامي في عطلة طويلة عن أولدتاون ولا ينوي الرجوع أبدًا؟
ينفرد هذا الخط وهذه الحلقة بأسرها بالمشهد اﻷكثر قوة واﻷهم تكشفيًا منذ زمن طويل في المسلسل وواحدة من أكثر خواتيمها قوة على كافة اﻷصعدة: دراميًا وحواريًا وتنفيذًا، كانت أولينا تاريل على مدار المسلسل سيدة قوية وصلبة لا يهتز لها جفن حتى مع تقدمها في العمر وحلول المصائب عليها خاصة بعد وفاة أبنائها في خاتمة الموسم السادس، وحتى مع هزيمة قواتها وقدوم جايمي لانيستر حتى باب غرفتها للخلاص الوشيك منها، تظل على نفس القوة والثبات الانفعالي المعهود، هى تعلم أن رحيلها هو أمر محسوم ومفروغ منه أصلًا.
يتراوح الحوار الطويل بينهما بين أكثر من شأن: طريقة تعامله مع كاستالي روك، سلوك شقيقته سيرسي لانسيتر، وصولًا إلى سؤالها إياه عن طريقة قتله إياها، والتي ستكون بالسم في النبيذ، لتشرب نخبها اﻷخير دون ذرة تردد وعلى مرة واحدة، ليكون حديثها اﻷخير عما يحدثه السم من أعراض، مشيرة في حديثها لمشهد وفاة الملك جوفري بالسم هو اﻵخر، ليكتشف جايمي للمرة اﻷولى ونحن معه هوية المتسبب في مقتل الملك جوفري، وهو السؤال العالق بلا إجابة منذ بداية الموسم الرابع، نعم لقد انتصر آل لانيستر على آل تاريل فيزيقيًا، لكنها انتصرت عليهم في لحظاتها اﻷخيرة في الحياة معنويًا مع انكشاف السر.