من وجهة نظر شخصية بحتة، لا أعد نفسي من محبي فن الفيديو/الفيديو-آرت Video-Art بأي حال من اﻷحوال، ولا اعتبره في اﻷساس أنه قد يشكل في وقت من اﻷوقات ضمانة قوية لمن يعمل به أن يصير بالضرورة صانع أفلام أو أنه مجرد تسخين قبل النزول إلى ملعب صناعة الأفلام، خاصة حينما يقرر فنان الفيديو أن يخطو إلى صناعة السينما بنفس الذهنية التي يمارسها دون تغيير يذكر في فن الفيديو الذي آتى منه في المقام اﻷول، خاصة حين لا يملك رؤية مفهومة في اﻷصل لما يريد أن يقدمه، ويتحول اﻷمر إلى محض إدعاء فني كالذي شاب الكثير من منتجات تيارات الفن المعاصر في القرن العشرين.
اﻷمر لا يحتاج لذكاء خارق لكي يدرك المشاهد أن المخرج جوليان روزفيلدت لا يعرف هو نفسه ما الذي يريد تقديمه على وجه التحديد في فيلمه التجريبي Manifesto الذي يتخاصم فيه شريطي الصوت والصورة خصامًا يأبى المصالحة والتدخل بينهما لرأب الصدع، ويسير كل منهما في طريقه المنفصل دون التقاء باﻵخر، حيث يردد شريط الصوت عدد من أشهر البيانات التأسيسية التي خرجت وحاولت تقديم رؤى جديدة عن الفن، بينما يقوم شريط الصورة بتقديم النجمة كيت بلانشيت في 12 شخصية مختلفة وتقوم بترديد هذه البيانات في جزء كبير من الفيلم.
سؤال لا بد من طرحه: ما هى اﻷهمية الفنية لاختيار وسيط السينما بالذات بغية تقديم هذه البيانات؟ لماذا يجب مشاهدة هذه البيانات أصلًا على شريط الصورة إذا كان يمكن الاستماع إليها بالفعل في هيئة كتاب صوتي يجمع كل هذه البيانات، خاصة مع جودة اﻷداء الصوتي لكيت بلانشيت لهذه البيانات والفائدة التي قد تعود على الدارس الجاد لتاريخ الفن من وراءها بدلًا من هذا المنتج الفني الملتبس في نتيجته النهائية؟
ما يضاعف هذا الانفصال بين شريطي الصوت والصورة هو عدم وجود أي صدى من أي نوع لما يذكر في هذه البيانات على مدار مشاهد الفيلم سواء كترجمة بصرية وسينمائية واضحة لمدلولات هذه البيانات أو حتى كترجمة أدائية وتشخيصية من خلال الشخصيات العديدة التي تقدمها بلانشيت طوال مدة الفيلم.
في أغلب الظن يأتي اختيار كيت بلانشيت لتصدر واجهة هذا المشروع الغريب لمجرد إيجاد وجه معروف يساعد أكثر على تسويق الفيلم، خاصة أن جزء كبير من الترويج للفيلم قد قام على عاتقها وحدها ﻷن مجرد اعتماد الفيلم على البيانات ليس جذابًا كفاية، باﻹضافة إلى محاولة استغلال قدراتها التمثيلية التي سمحت لها بأداء دور ذكوري في فيلم I'm Not There، وهى النقطة التي استدعت المخرج بالفعل لاختيارها لتقدم له كل هذه الشخصيات المختلفة.
لا نقول أننا ضد التجريب، بل بالعكس، التجريب هو السبيل الرئيسي للوقوف على القدرات الحقيقية للوسيط الفني، لكن التجريب في المقابل ليس غاية منشودة لذاتها في المطلق، بل عليها أن تكون وسيلة تعمل على اكتشاف فضاءات جديدة للوسيط وسبل غير تقليدية للسرد البصري والدرامي، أي أن تعمل على خدمة الوسيط الفني لا على لي ذراعه.
والناتج النهائي من فيلم Manifesto أنها تجربة مدعية ومفرطة ومغرقة في المراهقة الفنية لا تنجح في تحقيق أي من أهدافها المرجوة سواء أكانت تقديم تجريب فني يستحق الوقوف عنده، أو القدرة على الربط بين مستويات عدة لا وجود لها من اﻷساس في تجربة كهذه.