بعد 42 عامًا على رحيل "كوكب الشرق" أم كلثوم، لا تزال حياة تلك الأيقونة التي وحدت العرب بصوتها الرخيم تثير اهتمام أجيال عربية وأجنبية ناشئة ولا تزال مسيرتها الفنية تدهش المبدعين والمحللين السياسيين وصناع السينما، ومن بين هؤلاء المخرج الفرنسي كزافييه فيلتار، الذي عُرض فيلمه "أم كلثوم، صوت القاهرة"، يوم الأحد، ضمن مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية.
وامتلأت قاعة سينما "ميتروبوليس" في الأشرفية شرق بيروت، بمشاهدين يعرفون أم كلثوم عن كثب ويحفظون أغانيها، كبارًا وصغارًا فى السن من اللبنانيين والأجانب، فكانت ”الهرم الرابع“ بسر صوتها وشخصيتها معا كما يقول المخرج.
بدأ الفيلم المبني على مواد أرشيفية ومقابلات، باستعراض حياة فاطمة البلتاجي منذ ولادتها فى قرية طماي الزهايرة، حيث كانت تغني الأناشيد الدينية، ثم يعدد مراحل حياة فلاحة بسيطة تسلحت بصوتها وشخصيتها القوية والذكية، لتملأ الدنيا فرحا وتغني على أهم مسارح العالم.
سرعان ما تتشابك فى الفيلم المبذول فيه جهد بحثي وكثافة في المعلومات، المواضيع الفنية بالسياسة وانخراط "الست" في السلطة والحكم والدفاع عن الوطن وتتداخل السيرة الشخصية مع سيرة البلد، خصوصًا من خلال المقابلات مع مؤرخين ومحللين سياسيين وعاملين فى الحقل الاجتماعي وموسيقيين.
وكل معلومة مذكورة في الفيلم تحتاج إلى خلفية تاريخية مفصلة، خاصة أنه موجه لجمهور غير مصري، وفى الأصل أنتج لجمهور أوروبي، ومثال على ذلك عندما يقول المعلق فى الفيلم إن ”أم كلثوم صنعت المستحيل وكسرت الحواجز التي تفصل بين الشعوب محققة بذلك ما لم تستطع السياسات إنجازه“ إذ يتبع ذلك أغاني أم كلثوم للثورة ودورها فى دعم الجيش المصري ودعمها للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وتطرق الفيلم لوقع أغاني أم كلثوم على المجتمع المصري والعربي وتأثير أغانيها على الشارع المصري من جامع القمامة إلى أكبر مسؤول كما يحلل نفسيا كيف أزالت أم كلثوم الهوة بين الطبقات الاجتماعية فى العالم إذ سحر صوتها العمال المهاجرين فى فرنسا وأيضا الرئيس شارل ديجول وأمراء وأميرات العالم العربي وفلاحيه.
ولم ينسى الفيلم الحديث عن عالمية أم كلثوم على الصعيد الفني والمسارح متنقلة بين بلدها وبغداد ودمشق وفرنسا والاتحاد السوفيتي وحيفا والقدس، حيث تبرعت بريع حفل هناك لمؤسسة ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية، وإعجاب كبار الفنانين بها.
وكتب المخرج والمؤلف كزافييه فيلتار فى كتيب المهرجان "أم كلثوم من المقدسات فى مصر لذا أحب أن أسميها (الهرم الرابع)، وهي استطاعت أن تسبغ معنى جديدًا للانتماء والفخر فى أمة كانت تبحث عن هوية".
ومر الفيلم سريعا على أهمية (كوكب الشرق) كامرأة وتأثيرها فى الحركة النسائية العربية وإن احتاج الحديث بهذا الصدد إلى تحليل أعمق لامرأة ثورية تحدّت الأعراف الاجتماعية وتخطت الحدود الجغرافية.
كما مر الفيلم سريعًا على أم كلثوم في السينما التي قدمت لها ستة أفلام، وغاب عن الفيلم تأثير أم كلثوم وإلهَامها المبدعين من رسامين وشعراء ومصممين الأزياء فى حياتها وبعد مماتها، فقد مدحها أهم الشعراء مثل جبران خليل جبران وأحمد شوقي والهادي آدم.
ورغم مهنية الفيلم العالية والتزامه بالمعايير البصرية والتاريخية المعروفة فى صناعة الأفلام التسجيلية واستخدام مواد أرشيفية نادرة مثل مقابلات بصوت أم كلثوم مع الإذاعة المصرية إلا أنه لم يقدم أي جديد للمشاهد العربي.
وعرض الفيلم على التلفزيون الفرنسي الألماني (آرت) منذ فترة واحتفت به الصحف الفرنسية على اعتباره تكريما من بلد النور.
وقالت سارة (27 سنة) بعد عرض الفيلم "أحب أم كلثوم وتلهمني، لذا أتيت لأتعرف على خلفية هذه الفنانة التي يعشقها أهلي ويذوبون حين يسمعونها تقول الآه".