حتى لحظتنا الحالية، تشهد 2017 فقرًا ملحوظًا في إنتاجاتها السينمائية، خاصًة الجيد منها. فنبحث هنا وهناك عن فيلم يُشبع لهفتنا، لتُصيب محاولاتنا مرة من بين عشرين. لكن في ظل هذا الفقر الملحوظ، كانت هناك سمة تُميِّز 2017 عن سابقاتها من السنوات الأخيرة؛ وهي تعدد أفلام الرعب، فكان من بينها ما هو مُرضٍ أو مقبول، وبعضها كان جيد، والبعض الآخر ممتاز.. في هذا المقال، يستعرض لكم السينما.كوم أهم أفلام الرعب خلال هذا العام.
المُقتبس عن قصة الكاتب الكبير ستيفن كينج، ويدور حول مزارع بسيط يحاول أن يقتل زوجته بسبب رغبتها في بيع المزرعة التي تملكها، بينما تُمثِّل المزرعة له الكثير. فيحاول إقناع ابنهما المراهق ليعاونه في قتلها، وبالفعل يتآمران لسلبها روحها.. فيلم رعب جيد رغم بساطته، فكرته مثيرة تجمع بين الدراما والرعب دون أن يأتي أحدهما على حساب الآخر. كما يتمتع إيقاع الأحداث بالإحكام، فلا هو مُترويًا ولا هو مُهرولًا. المشاهد المرعبة جيدة التنفيذ، وبعضها قد يُسري رجفة بأوصالك. كما اتسمت أداءات توماس جين وديلان شميد بالتميًّز.
لم أعد انتظر كثيرًا من أفلام الرعب التي تتبنى تيمة الاختطاف، بل صرت أتجنب مشاهدتها في أغلب الأحيان؛ لإدراكي المُسبَق بما سألاقيه من اضطراب نفسي يستحوذ المُختطف، وانغماسه في تعذيب ضحاياه والتلذذ بآلامهم، دون أن يُقدّم الفيلم مبرراته أو دوافعه أو الحالة التي جعلته بهذا الشكل، فتصبح الأحداث مجرد مشاهد تمتلئ بالصراخ والاختلال النفسي بطريقة كليشيهية مبتذلة، لا تهمك ولا تهتم لها لغياب خلفياتها عنك.. لكن هذا الفيلم اختلف وأعجبني؛ حيث تلاشى ما يحدث في أفلام هذه النوعية قدر الإمكان، فلم يبالغ في أفعال مُختطفيه جيئة وذهابًا مثل غيره، واعتمد في قصته طابعًا دراميًا يتطور بشكل جيد منذ البداية حتى يبلغ ذروته في النهاية. الفيلم حتى ثُلثه الأخير يُعَد عاديًا ويماثل غيره في نوعيته، لكن تنفيذه جيد إلى حد كبير. ثم يأتي الثلث الأخير، تحديدًا آخر عشر دقائق، لتُعايش مشهدًا رائعًا، سيخلق بداخلك خليط مشاعر عجيب، وستحتبس أنفاسك حرفيًا بينما تتابع ردود أفعال الممثلات الثلاثة في مواقفهم المختلفة؛ ليكون هذا المشهد وحده كفيلًا أن يرفع إعجابي بالفيلم درجات.. الفيلم ليس عظيمًا، لكنه مختلف، محكوم الصنعة وسيقبض على انتباهك دون شك. كما أعجبني أداء إيما بوث للغاية، وأراه من أقوى عناصر الفيلم.
بعد فيلم Annabelle سنة 2014، يعودوا لتقديم فيلمنا هذا بصفته "Prequel" للجزء الأول، أو بادئة لأحداثه. فنشهد في قصته، أسرة صغيرة تتألف من صانع دُمى وزوجته بعد مرور سنوات من موت ابنتهما الصغيرة المأساوي.. تمر سنوات مغمورة بوحدتهما، إلى أن يقرر صانع الدُمى وزوجته استضافة كاهنة بصحبة فتيات عِدة من دار أيتام مُغلق للإقامة في منزلهما. ثم تتعرض واحدة من الفتيات تُدعى "آنابيل" لعملية استحواذ شيطانية؛ فتخرج اﻷمور عن السيطرة. ربما الفيلم لم يأتِ بجديد يُضاف لتيمة أفلام الدُمى الملعونة، لكن مخرجه ديفيد إف. ساندبرج، والذي أخرج فيلم Lights Out، يتمكن هنا من صياغة أجواء مرعبة للفيلم، مع بعض اللازمات التي أضفت لمسة مختلفة، مثل مسار كرسي الفتاة القعيدة الذي كان ينقلها بمقعدها للدور العلوي خلال الأحداث. فضلًا عن الـ jump scares التي يجيدها ساندبرج. فكان الفيلم مُرضيًا لعُشاق أفلام الرعب بدرجة كبيرة.
إعلان الفيلم كان صادمًا ومثيرًا للترقب، ثم جاءت التقييمات النقدية الإيجابية والجوائز التي تلقاها لتُحفِّز منتظريه أكثر وأكثر. فيأتي الفيلم في النهاية دون أن يخيب ظنون مشاهديه. فيلم فرنسي لمخرجته ومؤلفته جوليا دكورناو عن شابة نباتية لا تأكل اللحوم، تلتحق بكلية الطب البيطري، وهناك تواجه المضايقات المعهودة التي يستقبلون بها الطلاب الجُدُد. مع تطور الأحداث، تكتشف الفتاة أنها آكلة لحوم بشر مثل شقيقتها، فتبدآان تصيًُد فرائسهما. الفيلم جيد، وأهم ما يُميزه إيقاعه المتزن، فيعرض لك تجربة التحاق الفتاة بالكلية مع تفاصيل دقيقة ودون إهمال، ثم يصوغ العلاقة بينها وبين شقيقتها بشكل مثير لا يخلو من جانبه الدرامي، لتأتي أحداثه المرعبة مُفاجئة ومؤثرة.
شخصيًا أعجبني الفيلم وفوجئت بموجة الاستهجان التي قوبل بها من مشاهدين عديدين! ربما الفيلم هادئ الرتم، لكنه متميز الصنعة واعتمد على الرعب النفسي في تطعيم أجوائه، فكانت ظروفه الغامضة مُوتِّرة ومُرهقة نفسيًا ببعض الأحيان. الفيلم للمخرج والمؤلف تيري إدوارد شولتز وبطولة جويل إجيرتون الذي يقوم بدور أب، يحاول تأمين منزله المهجور ضد خطر غامض يتهددهم ويُرهب العالم بالخارج. ثم تصل عائلة أخرى تبحث عن مأوى لها، فيستقبلهم الأب وأسرته داخل منزلهم المؤمَّن. رغم النوايا الطيبة لدى العائلتين، إلا أن جنون الارتياب يتسرب لهما عندما تشرع الأهوال الموجودة بالخارج في الاقتراب منهما. الفيلم جيد جدًا، وغموضه نجح تمامًا في إضفاء تيمة الارتياب التي شكلَّت تطورات الفيلم وأضفت لها الإثارة.
للمخرج الكبير دارين آرنوفسكي، وبطولة النجمة جنيفر لورانس، بصُحبة النجم خافيير بارديم والنجمان الكبيران إد هاريس وميشيل فايفر. واحد من أهم أفلام العام وأكثرها إثارة للجدل؛ بسبب غموض قصته وما تحمله من رموز استعصت على فهم البعض، ولم ترُق للبعض الآخر، بينما لاقت إعجاب آخرين. تدور القصة عن شاعر متزوج من فتاة حسناء تصغره بالسن، ويُقيمان داخل منزله المعزول الذي يحتاج لترميمات عِدة. نشاهد حياتهما الهادئة التي تتوتر تمامًا بعدما يُرحِّب الزوج - بشكل عجيب - بضيوف غرباء ودعوتهم للإقامة في منزله، مما يضع الزوجة تحت ضغط عصبي وخوف وارتياب طيلة الأحداث. الفيلم يقوم على الغموض والدراما في مقامه الأول، لكنه يحمل قدرًا من الرعب في تفاصيله وتطورات أحداثه. تصوير الفيلم للمُصوّر ماثيو ليباتيك كان من أكثر عناصر الفيلم تميزًا، وكذلك أداءات أبطال الفيلم بلغت الامتياز، خاصًة القديرة ميشيل فايفر، وجنيفر لورانس التي حملت القصة على عاتقها وشاهدنا الأحداث من منظورها.
واحد من أسعد مفاجآت العام بالنسبة لي؛ حيث عاد بتيمة أفلام رعب الفضاء التي لم نشهدها منذ زمن بهذا الشكل وبمثل هذا الإتقان في الصنعة. الفيلم للمخرج السويدي دانيال اسبينوزا، وبطولة النجميّن جيك جيلنهال ورايان رينولدز، معهما السويدية المتألقة حاليًا ريبيكا فيرجسون. والذين يشكلون طاقم محطة فضائية على مشارف أحد أهم اكتشافات التاريخ البشري، ألا وهو دليل لوجود حياة على سطح المريخ. فيلتقطون عينة من المريخ تبدو وكأنها كائنًا حيًا، ثم يوفرون له الظروف الملائمة داخل مركبتهم الفضائية حتى يستمد منها الحياة. لكن مع الوقت تتحول العينة إلى وحش لا يمكن ردعه، يتناوب افتراسهم واحدًا تلو الآخر، مبرهنًا على ذكائه في كل مرة يظفر بضحيته. الفيلم مثير، مخيف ومتقن الصنعة للغاية، إخراج مشاهد افتراس الوحش لضحاياه ممتاز وموّتِر للأعصاب جدًا. حتى نهاية الفيلم - رغم أنني لا أحبذ النهايات المفتوحة - كانت مُحفزِّة ومتوافقة تمامًا مع الأحداث.
يعود المخرج والكاتب المتميز م. نايت شايامالان صاحب رائعة The Sixth Sense مُقتربًا من مستواه المعهود بأفلامه الأولى. لنشاهد خلال قصته الشاب "كيفين"، الذي يعاني من انفصام غريب الأطوار، فتتصارع بداخله ثلاث وعشرين شخصية مختلفة! يقوم كيفن باختطاف ثلاث فتيات مراهقات؛ أنيا تايلور جوي وهايلي لو ريتشاردسون وجيسيكا سولا، ليحتجزهم أسرى. فتشهد الفتيات تناوب شخصياته المختلفة وحالته المرعبة، إلى أن تبدأ شخصيته الأخيرة - التي يدعوها بـ"الوحش" - في التحرر من أجل الاستحواذ على جميع شخصياته الأخرى؛ فتخرج الأمور عن السيطرة تمامًا. الفيلم جيد ومثير، تدعوك أحداثه للتساؤل عما ستنتهي عنده هذه الفوضى، وأداء جيمس ماكافوي هو الفارس الأول للفيلم دون منازع. كما وُفِق شايامالان في الخاتمة، من خلال ربطها بفيلمه السابق Unbreakable والتمهيد لفيلم جديد يجمع أبطال الفيلمين.
واحد من مفاجآت العام التي لم تكن بالحسُبان، عن قصة الكاتب الكبير ستيفن كينج. إخراج المٌتميز بأفلام الرعب مايك فلاناجان صاحب Oculus وHush وBefore I Wake. تدور القصة عن زوجيْن يحاولان إنعاش علاقتهما الزوجية؛ فيتوجهان لمنزلهما البعيد والمعزول على شاطئ البحيرة. هناك يقوم الزوج بتكبيل يديّ زوجته بإطارات حديدية في قوائم الفراش كطقس جديد يمارسانه سويًا، ثم يموت بشكل مفاجئ؛ ليترك زوجته "جيسي" مُكبلة وحدها في منطقة نائية معزولة لا تطئها قدم، ويصبح عليها أن تكافح لأجل البقاء على قيد الحياة. فكرة الفيلم بحد ذاتها مرعبة ومثيرة للغاية، وصُورَّت بشكل جيد جدًا. كما قدمت الممثلة كارلا جوجينو أداءًا بارعًا يُلائم توتر أجواء الفيلم وصعوبة ظروفه. لنشهد فيلمًا من أجود أفلام الرعب خلال العام.
تأليف وإخراج الممثل الكوميدي جوردان بيل، ليفاجئنا جميعًا بفيلمه الذي لاقى استحسان كبير من النقاد دون أن يفقد الإعجاب الجماهيري الكبير. تدور القصة حول شاب أفريقي أمريكي يقوم بزيارة عائلة حبيبته البيضاء في عزبة يملكونها، وهناك يكتشف أن عدد كبير من سكان العزبة قد اختفى في ظروف غامضة. بمرور الوقت يُدرك أن عائلة محبوبته لها طقوسها الغريبة، ويرتاب أنهم مسئولين عن اختفاء السكان، إلى أن يصبح هو نفسه مُستهدفًا ليكون الضحية الجديدة للعائلة. الفيلم مختلف ومتميز جدًا، أجوائه الغامضة تضحكك وتخيفك بذات الوقت. اتسم إيقاع الفيلم بالإتزان وصنع صبغته الخاصة في الانتقال بين الغموض والرعب والسخرية بسهولة ويسر. كما قدم دانييل كالويا أداءًا ممتازًا، أما أليسون وليامز فكانت ذات طلة محببة خاطفة، والجميلة كاثرين كينر كانت مخيفة كما اقتضى دورها. أعجبني الفيلم للغاية وراقتني أجوائه.
فيلم انتظرناه جميعًا ولم يخيب آمالنا في النهاية. للمخرج الأرجنتيني الموهوب أندريس موسشيتي صاحب فيلم Mama عام 2009، الذي يعود بتقديم معالجة سينمائية لواحدة من اشهر روايات الرعب للكاتب الكبير "ستيفن كينج"، ليتفوق بمسافات عن المعالجة التي قُدمت لنفس الرواية عام 1990. حيث ندخل معه مدينة "ديري"، فنختبر اختفاء الأطفال المحليين واحدًا تلو الآخر، تاركين خلفهم أجسادهم الممُزقة أو أشلائهم المنثورة. إثر هذا، تتكون مجموعة من سبع أطفال، يتعارفون من خلال مواجهاتهم المرعبة مع مُهرج مخيف يُدعى "بيني وايز"، فيحاولون التغلب عليه بعدما يدركوا أنه مسئول عن كل الفظائع التي تمت بالبلدة، وأنه لن يتوقف طالما لم يردعه أحد. إخراج الفيلم جيد جدًا، وتمكن موسشيتي من صياغة أجوائه بإحكام اقترب بشكل مُرضِي من وَحشة أجواء الرواية، فيتجلى هذا تحديدًا في مشهد افتتاحية الفيلم الرائع، ومواجهات الأطفال مع المٌهرج من بَعده. كما شهدت الأداءات تألقًا من أبطال الفيلم، فوُفِقَ الطفل فين وولفارد في دور الفتى الوقح ظافرًا بحب المشاهدين، وتمكن بيل سكارسجارد من إضفاء الهيبة والرهبة اللازمتيْن لحضور بيني وايز، كما شهدنا مَولِد الجميلة صاحبة الكاريزما الآسرة وخفة الروح الخاطفة صوفيا ليليز في دور "بيفري"، لتتمكن الفتاة من ترك بصمتها اللطيفة المُحببة في نفوس المشاهدين رغم ما تزخر به أحداث الفيلم من رعب وتوتر. الفيلم جيد جدًا، وكان أمينًا في محاولاته لنقل رواية بثقل رواية كينج، فاستحق ما لاقاه من إشادة جماهيرية ونقدية.
وأخيرًا، وجب الذكر أن 2017 لم تقتصر على أفلام الرعب المذكورة في المقال فقط، بل كان بها عِدة أفلام رعب أخرى، بعضها لم يروقني وبعضها لم أشاهده بعد. إلا أن منها ما لاقى إعجاب الجمهور العريض ومنها ما لاقى استحسان النقاد.. من بين هذه الأفلام: The Killing of a Sacred Deer، ـAlien: Covenant، ـFebruary، ـPrevenge، ـHappy Death Day، وJigsaw. لتبرهن 2017 بإصرار، أنه رغم فقر إنتاجاتها السينمائية، كانت أفلام الرعب الجيدة حاضرة فيها بقوة.