في فيلم الإرهاب والكباب للسيناريست وحيد حامد، ذهب مواطن مصري مسالم عادل إمام إلى مجمع التحرير طلبا لحق بسيط، وهو نقل طفله من مدرسة إلى أخرى، ولكن هذا الطلب البسيط تحول إلى كارثة بعد أن شعر المواطن بمهانة وإستهانة وإساءة معاملة من موظفي مجمع التحرير، فتخلى عن إستكانته، وهدوئه واشتعل غضبه، وتورط في قضية احتجاز رهائن، بعد أن استولى على سلاح أحد حراس المُجمع، وانقلبت الدنيا على رأسه، وعلى كل من تعاطف معه من الرهائن، وبقية القصة معروفة، حيث تحولت منطقة التحرير إلى سكنة عسكرية بقيادة وزير الداخلية كمال الشناوي الذي أنهى التفاوض مع المختطف "الإرهابي بالصدفة " عادل إمام بجملته الشهيرة، "الحكومة مالهاش دراع عشان حد يلويه!!".
مر على إنتاج فيلم "الإرهاب والكباب" أكثر من ربع قرن تقريباً، وحدث شيء مشابه لما تعرض له عادل إمام ولكن في فيلم آخر هو طلق صناعي أول إخراج لـ خالد دياب، الذي اختار أن يكون مسرح أحداث فيلمه في نفس المساحة الجغرافية تقريباً من أحداث الإرهاب والكباب، وعلى بعد أمتار من مجمع التحرير وبالتحديد في مقر السفارة الأمريكية، بجاردن سيتي!
شارك في كتابة سيناريو طلق صناعي الأشقاء الثلاث محمد وخالد وشيرين دياب، وهم ثلاثي ناجح قدم عددا لابأس به من الأفلام المميزة خلال السنوات العشر الأخيرة! البطل في "طلق صناعي" ماجد الكدواني ، قد تظنه في البداية مٌسالما ولكنه في الحقيقة يختلف تماما عن المواطن"عادل إمام" في الإرهاب والكباب، حيث طرأت تغيرات كثيرة على مكونات وروح وشخصية المواطن المصري، بفعل القهر المٌستمر وضياع الأمل، وأصبحت الهجرة من مصر هى الحلم الذي يراود النسبة الأعظم من الشباب، مع بداية فيلم طلق صناعي، نتعرف على عدة نماذج من مواطنين مصريين ضاقت بهم سبل الحياة على أرض مصر، وأصبح حلم حياتهم الفرار منها إلى أمريكا أرض الأحلام! وحتى يتحقق هذا الحلم يدعي بعضهم أنه مضطهد دينياً،أو يعاني من نظرة المجتمع وسوء المعاملة لإنه مثلي الجنسية "محمد علاء" أو يعاني من الإحباط والفشل مصطفى خاطر.أما ماجد الكدواني الذي قدم سابقا على طلب تأشيرة زيارة للولايات المتحدة قوبلت بالرفض مراراً فقد أتى هذه المرة مع زوجته الحامل في شهورها الأخيرة "حورية فرغلي" وقد بيت النية، على أن ينتزع حقه في الحصول على الجنسية الأمريكية، بطريقة مبتكرة وتحمل الكثير من القسوة، حيث يجبر زوجته على ابتلاع قرص يُعجل بعملية الولادة أثناء تواجدهما داخل السفارة باعتبارها أرضاً أمريكية، وبالتالي يحٌصل الطفل الوليد على الجنسية ويعامل معاملة المواطن الأمريكى!
ربع قرن الفرق الزمني بين إنتاج الإرهاب والكباب وطلق صناعي، أصبحت خلالها الشخصية المصرية أكثر عنفا وأقل إحتمالا لظروف الحياة على أرض الوطن، مع الوضع في الاعتبار أن عادل إمام لم يكن يحلم أو يفكر في ترك بلده وكانت أحلامه أن يحصل على أبسط حقوقه كمواطن مصري، ثم يعود في آخر اليوم إلى منزله ليتسأنف حياته مع زوجته، وطفله الوحيد، أما ماجد الكدواني فهو لا يطيق هو وزوجته البقاء في مصر، وتبدو تصرفاته مضطربه من البداية بحيث أنه لم يستخدم الرحمة حتى مع زوجته الحامل وكاد يعرضها هى وجنينها للخطر في مقابل أن يحقق حلمه بالهجرة، مما أوقعه في مزيد من المشاكل انتهت بتورطه هو الآخر بحمل السلاح، واخذ كل من بالسفارة رهائن حتى يطمئن إلى ولادة طفله داخل أرض السفارة، وكما حدث في الإرهاب والكباب فإن قوات الأمن المدججة بالسلاح تحيط بالسفارة ويتولى مدير الأمن سيد رجب مهمة التفاوض مع الإرهابي المحتمل "ماجد الكدواني"، ويستخدم نفس المنهج القديم والمتعارف عليه للداخلية وهو أن المواطن هو أول شيء يمكن التضحية به، المهم أن ذراع الحكومة لا تتعرض للالتواء ولا المساومة! مع بداية الأزمة يقدم السيناريو وسليتين أو منهجين للتفكير المنهج العقلاني الذي يتخذه السفير الأمريكي الذي يدير المفاوضات بذكاء ومرونه خوفا على حياة موظفي السفارة الأمريكان، والمنهج الثاني هو الذي نعرفه جميعا ويخص الأمن المصري الذي لا يتورع في التضحية بحياة كل الرهائن المهم الحفاظ على ما يطلقون عليه هيبة الدولة!.
ولكن الظريف أن في النهاية يتضح أن أى من الجانبين الأمريكي والمصري لن يتورع في هدم المعبد على من فيه،المهم محدش يتحدى الأمن ويعمل فيها بطل! ويأتي حل الأزمه من الخارج، من المواطنين المصريين الذين يتجهون إلى مبنى السفارة من كل حدب وصوب بمجرد علمهم أن الأمن سوف يفتك بالرهائن، ويحيطون بمبنى السفارة الأمريكية، حماية لحياة من بداخلها! وهو الحل الذي انتهت إليه أحداث الإرهاب والكباب أيضا، فقد جاءت النهاة بحماية المواطنين للمختطف عادل إمام حتى خروجه بسلام!
ومع ذلك ورغم التشابه في كثير من المواقف بين الإرهاب والكباب وبين طلق صناعي، الإ أن الحالة مُختلفة تماما، سواء في الهدف أو نوعية الشخصيات المحتجزين، وطبيعة الصراع والنتائج، في الفيلم الأول انتهت الأزمة بأقل قدر من الخسائر ولم تعرف الحكومه شخصية الإرهابي ولا من تورط معه، وسانده من موظفي المجمع، وفي نهاية اليوم عاد الجميع إلى منازلهم في أمان وفي صباح اليوم التالى كان موظفي المجمع على مكاتبهم، يستأنفون العمل وكأن شيئا ما لم يحدث!! أما في طلق صناعي فأن شخصية الإرهابي "ماجد الكدواني" الذي حمل السلاح معروفة من البداية، بل أن اﻷمن وصل إلى أفراد أسرته وعملوا معهم الواجب وتحول وجه بيومي فؤاد زوج شقيقته، إلى خريطة من فرط الضرب والتعذيب! ثم أن الأمور لم تعد كما كانت من قبل وقوع الحادث ،حتى موظف السفارة الأمريكية "أندرو" أكرم الشرقاوي، المتعجرف الذي يحتقر المصريين ويتهمهم بالكذب الدائم، تغير أسلوبه وبدى منه بعض التعاطف! وطبعا لم يعد ماجد الكدواني آمنا ألى منزله، ولكنه حقق بعض من أحلامه!.
ينتمى طلق صناعي إلى نوعية أفلام الكوميديا السوداء التي تؤدي إلى الضحك من فرط المأساة، على اعتبار أن شر البلية ما يضحك، ونجح السيناريو في انتقاء ورسم الشخصيات "مصطفى خاطر"، محمد علاء، علي الطيب ، أزعر، كلابيظ، وطبعا الوحش المفترس سيد رجب في دور مدير الأمن، وأكرم شرقاوي، ومحمد فراج رغم قصر دوره الشديد، والنصف الثاني من دور ماجد الكدواني، فلم أقتنع أبدا بتلك الغلظة التي تعامل بها سواء مع زوجته أو مع بقية المحتجزين! للأسف كانت حورية فرغلي أقل الحضور تأثيرا لأسباب تعلمها هى جيدا، ويٌدركها كل من شاهد الفيلم! أما خالد دياب فقد نجح في السيطرة على هذا العدد الضخم من الشخصيات داخل حيز مكان واحد "السفارة الأمريكية"، ومع الاهتمام بالحركة في مقدمة الكادر وعمقه، ومنح كل حدث وشخصية الاهتمام اللازم مع تلجيم محاولات الفرسكة التي كاد يقع فيها مصطفى خاطر، كاميرا فيكتور كريدي أضافت عٌنصرا جمالياً سواء في مشاهد الداخل أوخارج السفارة خاصة مع بداية تزاحم الحشود والاحتكاك بالأمن!
إيقاع الفيلم سخي وسريع بعد العشر دقائق الأولى، التي استغرقها الفيلم في التعريف بالشخصيات،موسيقى تامر كروان لمحة جمالية ساهمت في تصعيد التوتر في كثير من المواقف دون أن تقتحم أو تطغي على الحدث! كلمة أخيرة لا أعرف لماذا تُرسخ أفلام السينما المصرية لفكرة أن الرغبة في الهجرة للخارج أو البحث عن فرص أفضل للحياة يعتبر خيانة للوطن؟ ولماذا يكون البقاء في وطن يلفظ شبابه ويحرمهم من الفرص العادلة هى الوطنية؟؟ في فيلم عسل أسود "الذي كتبه الأشقاء دياب" لم يسعدني عودة أحمد حلمي إلى مصر بعد أن أقلعت به الطائرة؟ وكنت اتسائل ولازلت حا يرجع يعمل إيه؟؟ وعشان إيه؟ وهل وجوده في مصر مفيد له أو لمصر ذاتها؟ ثم هل نجاح أي مصري خارج حدود بلاده يعني أنه نسى ذكرياته فيها وحبه وانتمائه؟ في الحقيقة لابد أن نغير تلك النظرة التي لا علاقة لها بالواقع، ولا بالحقيقة، فلا يوجد مواطن فرنسي أو إلماني أو صيني أو أمريكي يرفض فرصاً أفضل للحياة خارج بلاده، ومحدش بيتهمه بالخيانة أو ضعف في غدة الوطنية إن فعل ذلك، أتصور أن دور السينمائيين الشباب أن يغيروا تلك المفاهيم التقليدية المتآكلة لا أن يساعدوا على انتشارها وترسخيها.