It... علامة فارقة في سينما الرعب

"بيني وايز" الجديد جعل من القديم محل سخرية

هناك العديد من الكتاب العالميين المتخصصين في كتابة القصص المرعبة، تاركين القراء مع خيالهم الأسود يعانون من التوتر الزائد عن الحد الذي يصل أحيانًا إلى نوبات من الفزع، "ستيفن كينج" هو الكاتب الأبرز والأكثر شهرة من بينهم، تمكن من أن يصنع لنفسه اسمًا من ذهب خلال الأربعين سنة الماضية في عالم الرعب، حيث صب جام تركيزه على هذا المجال في أغلب الروايات، هذا بخلاف قدرته على تنويع كتاباته من حين لآخر بين أساليب الفانتازيا والجريمة والدراما، إلا أن الشيء الثابت في مؤلفاته التي تخطت حاجز الخمسين كتابًا بخلاف مئات القصص القصيرة، هو أن جميعها من ضمن الأكثر مبيعًا في التاريخ الروائي.

بزغ نجم "كينج" منذ الرواية الأولى له والتي حملت عنوان "carrie"، الرواية العنيدة التي كانت تأبى أن تخرج للنور بسبب رفض دور النشر لشرائها، حتى كاد "كينج" أن يفقد الأمل والثقة بنفسه معًا، لكن مع بعض التشجيع من زوجته، أعاد "كينج" صياغة الرواية أكثر من مرة حتى تمكن من طباعتها أخيرًا في عام 1973، لتحقق الرواية مبيعات هائلة في العام التالي لنشرها، بل وتتحول أيضًا إلى فيلم سينمائي في غضون ثلاث سنوات، بعدها أصبح "كينج" أحد المصادر الرئيسية المتجددة لهوليوود، تقتبس من رواياته ما تحلو لها لتحولها إلى أعظم الأفلام، ويكفي أن تعلم بأن أفلامه صُنفت من ضمن الأفضل في التاريخ، بعيدًا حتى عن مجال تخصصه "الرعب"، مثل The Shawshank Redemption، The green mile، Stand by me، Misery، هي في الأساس أفلامًا مستوحاة من خيال "كينج" الخصب.

"مجموعة الفاشلين"... أثبتوا من خلال شجاعتهم وتماسكهم أنهم ناجحين

أما إذا كنت محب للرعب، فلابد وأنك ستحب أعمال "كينج"، أدبيةً كانت أم سينمائية، فهو سيعطيك الشعور الذي تريده بالتحديد، لأنه كاتب يعرف جيدًا كيف يقحم الرعب بين صفحات رواياته، وهذا ينعكس بالتأكيد على كل مشهد من مشاهد الأفلام المقتبسة من أعماله، فلا تخلو إياها من الرعب أو الإثارة، وبالحديث عن سينما الرعب المستلهمة من رواياته، فيمكننا أن نتحدث كما نشاء بدون حرج، فالقائمة طويلة وأبرزها The Shining، the dead zone ، The Mist ، 1408، إلا أنه في عام 2017 كان الكاتب الكبير على موعد مع العمل صاحب النجاح المادي الأكبر له، والأكبر في تاريخ سينما الرعب على الإطلاق بإيرادات بلغت 327 مليون دولار، وذلك عندما قامت شركة Warner Bros بالبحث في ماضي "كينج" واستخراج كنز كلاسيكي يدعى "It" لتعيد تقديمه مرة أخرى على الشاشة، لكن هذه المرة على الشاشة الكبيرة بدلًا من الصغيرة، في معالجة يمكن اعتبارها الأفضل لروايات "كينج" منذ فيلم الميل الأخضر.

في الماضي، وبالتحديد في عام 1990، قام المخرج "تومي لي والاس" باقتباس رواية "It"، وتحويلها الى مسلسل تليفزيوني قصير مكون من حلقتين يمكنك اعتبارهم فيلم تليفزيوني طويل مدته أكثر من ثلاث ساعات، والآن، وبعد مرور 27 عاما على العمل الاصلي، وهي نفس المدة التي يختبئ فيها "بيني وايز" قبل أن يظهر مرة أخرى لإشباع رغباته المتوحشة، قدم لنا المخرج الأرجنتيني أندريس موسشيتي، نفس الوجبة الدسمة، إنما على الطريقة الهوليوودية الشهية، فلم يكتفي المخرج هنا بلصق نفس العنوان القديم على البوستر الجديد تاركًا العمل لنصيبه المجهول بلا رعاية، بل كان لديه تصورًا مختلفًا مكنه من أن يصنع عملًا أفضل من الأصلي.

إن كنت تنتوي مشاهدة الفيلم، فأهلًا بك في عالم "It"، حيث التوتر يصل إلى أعلى درجاته، والقلق يصل إلى حد الذروة، لن تنتظر كثيرًا حتى يبدأ الفيلم في إرعابك، حيث جانب بدايته التوفيق عن طريق مشهد افتتاحي عبقري ينتهي بمواجهة مثيرة بين طفل بريء يدعى "جورجي" ومهرج يختبئ بالمجاري، بعدها تدور الأحداث حول مجموعة من الأطفال المنبوذين مجتمعيًا، يطلقون على مجموعتهم "نادي الفاشلين"، أعمارهم تتراوح بين الطفولة المتأخرة والمراهقة، يقودهم "بيل" وهو الأخ الأكبر لـ"جورجي" المفقود، لاحقًا، يكتشفون أن التاريخ يذكر مجموعة من كوارث الاختفاء الجماعي حدثت بالماضي داخل البلدة التي يعيشون فيها "ديري"، هذه الكوارث تحدث بشكل دوري، بالتحديد كل 27 عاما، كما أن جميعها تقع دائمًا بجانب شبكة الصرف الصحي، لذلك تنبأ الأطفال الأذكياء بالمكان الذي يسكنه الشخصية الشريرة بالفيلم، وهو عبارة عن وحش يظهر غالبًا في هيئة مهرج، يطلق على نفسه اسم "بيني وايز"، ويلقب نفسه بالمهرج الراقص، يتحرك من مكان لآخر بشكل روحاني، ويتغذى على الخوف، لذلك فهو يستطيع فقط أن يقتل الطفل الذي يشعر بالرهبة، إلا أن تلك التفصيلة بالتحديد لم تقنعني كليًا، فالمهرج لم يتمكن من قتل الأطفال الذين كانوا يرتعدون من شدة الرعب عندما يظهر لهم، بينما قتل "جورجي" الذي لم يبدو عليه أي شعور بالخوف حينما التقاه، إنما قليلًا من عدم الارتياح.

فيلم 2017 يضعنا في مقارنة إجبارية مع العمل التليفزيوني، فالأخير عظيمًا بلا شك، وسيظل يملك مكانته الفنية الخاصة، لكن النسخة الجديدة تحمل قيمة فنية أعلى، وبفارق شاسع عن تلك القديمة، هناك الكثير من الاختلافات الجوهرية داخل العمل الجديد مكنته من أن يحصل على كل هذه الإشادة، وأن يجمع كل تلك الأموال بالمقارنة مع نظيره القديم، هذا على عكس المعتاد، فقلما ما نشاهد فيلما معاد صنعه تكون له الكلمة العليا، البعض سيهاجم العمل الجديد بحجة أنه تجاري، الهدف الرئيسي منه هو الاستفادة المادية، لكن انظروا إلى تقييم العمل وتقارير الاستحسان المصاحبة للفيلم في شتى المواقع والمنتديات، اسألوا حتى جمهور الرعب عن المعاناة التي تعرض لها أثناء مشاهدة الفيلم، وستعلموا حينها جيدًا قيمة العمل الحقيقية.

الفيلم الجيد هو الذي يجعل المشاهد مرتبط بالشخصيات بطريقةٍ ما، هكذا كان الأسلوب الذي اعتمده الثلاثي تشيس بالمر، وكاري فوكوناغا، وجاري دوبرمان في كتابة سيناريو الفيلم، فاهتموا بتطوير العلاقة بين الأطفال الأصدقاء، وجعلوها أكثر ديناميكية وانتعاشًا، بجانب نجاحهم في تطوير خدع وحيلات الرواية الأصلية لتصبح صالحة سينمائيًا، بالتأكيد واجهتهم بعض الصعوبات في عملية تطور الشخصيات نظرًا لتعدد الرئيسية منها، لكننا لم نشعر بها على الإطلاق بفضل براعتهم، ثم جاء دور "موشيتي" الذي تمكن من خلق أجواء مخيفة بمساعدة إدارة التصوير الرائعة، وحسن استخدامه للإضاءة والظلال، ثم قام بحقن الفكرة القديمة بالمؤثرات البصرية الحديثة اللازمة للخروج بفيلم رعب معاصر من النوع الفاخر، هناك فقط بعض المشاهد التي كنت أشعر معها بالإفراط قليلًا في استخدام تلك المؤثرات التي كادت أن تفسد متعة التوتر، لكنه بشكل عام نجح في توثيق موهبته كمخرج من الطراز العالمي في عالم الرعب بعد رائعته الأولى ماما.

"ستيفن كينج"... ملك الرعب والعقل المدبر للعمل

لكن وبالرغم من إبداع السيناريو، إلا أنه يحتوي عيوبًا لا تُغتفر، فالفيلم عبارة عن مجموعة من المشاهد المرعبة، الهدف منها فقط هو إرهاب المشاهد، لكن أحداث الفيلم يغلب عليها الطابع الفوضاوي الذي حدث من تحت رأس المهرج، حيث أنه يمتلك قوى غريبة لا تمكنك من استيعاب الأحداث بشكل جيد، ويتبع تكتيك عشوائي في مطاردة فرائسه، فهيئة المهرج ليست الزي الوحيد الذي يرتديه، بل هناك أشكال أخرى مختلفة، كما أنه يظهر فجأة لأي طفل بدون أن يستهدف طفل بعينه، ثم يختفي فجأة، حتى أنه يظهر في أماكن مختلفة، وليس شرطًا من المجاري التي يعيش فيها، كائن عجيب لا يُمكن التنبؤ بأفعاله أو تحركاته، كل هذا من شأنه تعزيز التوتر ونقل الفيلم إلى أعلى مراتب الرعب، لكن من ناحية أخرى كان هناك العديد من اللحظات التي كنت أشعر معها بالضياع التام.

فكرة وجود كائن بمثل هذه المواصفات، هو تصور ذهني ممتاز، لكنه فقد الطريق للمثالية، فإذا كنت تملك فكرة مثيرة وغير اعتيادية مثل فكرة هذا الفيلم، فمن الأجدر أن تدعمها بدافع مقنع للمتلقي، لكن هنا؛ كان هناك العديد من الجوانب الغامضة المثيرة للتساؤلات، فلا توجد معلومات عن ماهية هذا الكائن، أو حتى خلفية بسيطة عن نشأته، كما أنني لم أجد سببًا واضحًا لقدراته العجيبة، أو حتى هدفًا محددًا خلف اختباؤه طيلة هذه الأعوام قبل أن يظهر لممارسة أعمال الخطف والقتل الوحشية لمدة عام، على عكس العديد من الأفلام ذات الأفكار الخيالية، سنصطفي من بينها فيلم The Purge كمثالًا يحتذى به، فقد كان يحمل فكرة غريبة لا يمكن أن تحدث في الواقع، وهي أن الحكومة الأمريكية تسمح لشعبها بارتكاب جميع أنواع الجرائم، بما فيها القتل، بدون أي عقاب، وذلك في يوم محدد من كل عام، وكان الدافع من هذا القرار هو تفريغ شحنات العنف لدى المواطنين في هذا اليوم، وبالتالي القضاء على الجريمة، أو على الأقل تقليص معدلها باقي أيام العام، هذا السبب الجيد جعلني أتابع الفيلم بدون أن أشعر بغرابة الفكرة.

التخطيط لفيلم "It" بدأ منذ عام 2011 ، تمكنوا خلال هذه الفترة من تحويل كتاب مؤلف من أكثر من ألف صفحة إلى فيلم ناجح، ورغم العدد الضخم للأبطال، إلا أنهم أحسنوا اختيار الطاقم التمثيلي، فمن خلال دور المهرج الراقص، سطر بيل سكارسجارد اسمه بين عمالقة الشر السينمائي بأداء شيطاني أكثر رعبًا من مهرج العمل التليفزيوني، أما الأطفال فلديهم من القدرات التمثيلية ما تكفي وتفيض لأي مخرج للحصول على منتُج سينمائي عالي الجودة، أطفال ستحب أن تشاهدهم، ومهما طال زمن الفيلم لن تمل من متابعتهم، ابتداءً من "بيل" البطل اللطيف صاحب اللسان الملعثم ، ومرورًا بـ"بين" البدين المثقف ذو العاطفة، و"بيفرلي" الفتاة الرقيقة التي أحبها الجميع، و"ريتشي" الثرثار صاحب اللسان القذر، و"إيدي" الحريص على صحته ونظافته أكثر من اللازم، و"ستانلي" الطفل اليهودي ذو العقل الكبير والقلب الجبان، و"مايك" الفتى الأسود الذي أكمل عقد الأعضاء السبعة بنادي الفاشلين، وانتهاءًا ب"هنري باورز" الشاب الفتوة الذي يفرض سطوته على مجموعة الفاشلين، من جانب آخر، ظهر بين الفينة والأخرى القليل من الآباء بغرض تعنيف أبنائهم أو السيطرة عليهم، يتحدثون جميعهم مثل الأحياء الأموات لدرجة أنهم أخافوني أكثر من المهرج ذاته، حتى والد الطفل الفتوة لا أستثنيه عن هذه القاعدة، بالرغم من أن ابنه يستحق التعنيف.

الفيلم حصل على تصنيف "R" من باب تحذير أصحاب القلوب الضعيفة، هذا بجانب الألفاظ الخادشة للحياء التي أصبحت جزء لا يتجزأ من أفلام العصر الحديث، وأحد مقاييس نجاحها، أما النهاية فكانت تحمل رسالة عن أهمية الوحدة وعدم التفرق، فبالرغم من ضعف الدوافع لدى جميع أفراد الشلة لمواجهة هذا الوحش المرعب، ما عدا "بيل"، إلا أنهم لم يتركوا صديقهم، وذهبوا جميعًا، على قلب رجل واحد، بأنفسهم إلى منزل الكائن، غير مسلحين إلا بالشجاعة والاتحاد، وهي الأسلحة الوحيدة اللازمة للبقاء على قيد الحياة في حضرته المرعبة، بالفعل لم يتمكن الكائن من التغلب عليهم، حتى أنه حاول عقد صفقة مع المجموعة ليتركوا له "بيل" قبل أن يغط في سباته العميق الذي يمتد لسنوات، على وعد أن يتركهم يعيشون ولا يتعرض لهم مرة أخرى، لكن عرض المهرج قوبل بالرفض، وجعلهم أكثر تماسكًا، فخرجوا جميعًا من هذه التجربة أحياء، وأعتقد في حالة أن أفراد المجموعة قاموا بتقديم "بيل" للمهرج ككبش فداء حرصًا على حياتهم، لسقطوا تباعًا الواحد يلي الآخر، فبالاتحاد تزداد القوة، وتنفتح العقول لتتولد الأفكار وتتفاعل مع بعضها البعض.

أكثر ما كان يميز الفيلم ويضعه في مصاف الكبار هو القصة المليئة بالمغامرات والحيوية، إنه حقًا علامة فارقة في عالم سينما الرعب، فعندما تحصل على كل هذا الإطراء، فأنت بالتأكيد فيلم رعب مميز ، أرقام غير مسبوقة بالجملة حققها الفيلم، كان أبرزها الرقم المسجل بموقع "يوتيوب"، عندما جمع الإعلان الأول للفيلم 197 مليون مشاهدة خلال اليوم الأول من إطلاقه، وهذا خير دليل على حالة الترقب التي لازمت الجماهير الذين لم يَخيب أملهم في النهاية، أتحدث هنا عن جمهور الرعب، فالفيلم سيناسبهم وسيجدون معه ضالتهم، وسيمنحهم من الرعب أكثر مما كانوا يتوقعون، في انتظار الجزء الثاني بأبطاله الكبار الذين يتم اختيارهم من الآن، حيث أن أحداثه ستدور بعد 27 عامًا، إلا أنه من المقرر أن يتم إصدار هذا الجزء في عام 2019، وهذا سيمنح الهدوء قليلًا لشغف الجمهور الذي لن يطيق الانتظار طويلًا هذه المرة.

تقييمي للفيلم: 4/5