هناك أفلام يمكنك مُشاهدتها في المنزل -وحدك أو مع أخوتك- والحصول على نفس مقدار المتعة التي ستجدها عند ذهابك لدار العرض لمُشاهدتها، وهناك أفلام أخرى لا تصلُح إلا للمُشاهدة الجماعية في السينما، كونها تكتسب أهميتها من الأجواء التشاركية المرحة، والتفاعل اﻵني مع المواقف واﻷحداث كما يحدث في المسرح، خاصةً إذا كُنا نتحدث عن فيلمٌ كوميدي ملئٌ بالنُكات التي لا تتوقف طوال مدة عرضه، هنا يُصبح فعل الذهاب للسينما أمرٌ ضروريّ للظفر بتلك المتعة، المتعة الحقيقية.
الفيلم الجديد من سلسلة (Hotel Transylvania) والمُعنون هذه المرّة بـ(Summer Vacation) يملك قصة في غاية البساطة والسهولة لمُتابعتها، ولا يرغب بذلك بأن يخوض أي نَقَلات نوعيّة في أحداث السلسلة، هو فقط يريد تقديم قصةً بسيطةً تُمكّنه من فعل الهدف الحقيقي المُخطّط والمنشود (والذي لا يخلو من المُخاطَرة)؛ وهو تقديم جُرعة ثقيلة من الكوميديا والنُكات والمغامرات التي لا تهدأ منذ مشهد الفيلم الافتتاحي حتى نزول التترات الختامية منه.
المخرج الروسي المولِد والأمريكي النشأة "جيندي تارتاكوفسكي" مخرج جُزئيّ السلسلة السابقين، والذي يشترك في كتابة سيناريو هذا الفيلم لأول مرّة في الثلاثية، لم يُرد بهذا الجزء أن يُقدّم شيئًا جديدًا على الطاولة، هو فقط أراد أبسط القصص التي ستُتيح له استخدام "كوميديا المواقف" على طول الطريق بسبب وبدون سبب!، لهذا لا يُضجرك عدم وجود قصة مختلفة تحوي هذا الكمّ من الكوميديا، ﻷن كوميديا "هوتيل ترانسِلڤانيا" موجودة في فكرة عالمه ذاته وتفاعل الوحوش والمسوخ مع بعضها البعض، أُنظر مثلًا في هذا الفيلم للطريقة التي يحتفل بها الوحش العملاق في المعركة الختامية!، شيءٌ هيستيريّ حقًا!. الكوميديا هُنا لا تحتاج لقصة قوية تدعمها بل هي موجودة بالفعل، كل ما كان على المخرج أن يفعله هو أن يقتطِفها ويَضَعها تحت قالب مُناسب، وفي قصة مثيرة تُبقي حماستك مستمرة حتى نهاية الفيلم، وقد نجح تمامًا في لعبته تلك.
وإذا كانت بساطة القصة وكثافة الكوميديا هي أولى اﻷمور التي أعجبتني في هذا الأنيميشن، فإن دور (الموسيقى) هنا هو السرّ الحقيقي لفاعلية وتجسيد تلك الكوميديا، وهي نُقطةً تستحق قليلًا من التعمُّق في الحديث عنها؛ فالفيلم يضُج باﻷغُنيات والنغمات الموسيقية المدموجة مع المَشاهد، والتي جاءت ظريفة للغاية، شعرتُ كُلّما أتت واحدةً من تلك اﻷغنيات أني أود الوقوف والرقص مع الشخصيات! (مشهد أُغنية برونو مارس "24K Magic" هو الأفضل!). نعم هذه هي الدرجة التي تُحدثها موسيقى "هوتيل ترانسِلڤانيا ۳"، فإن كان هُناك شيئًا واحدًا مميزًا في الفيلم أحث أصدقائي على مُشاهدته من أجله، فهو توظيف تلك الموسيقى في شخصية الفيلم، وكُلَّه لخلق مزيدًا من المرح والبهجة، ومزيدًا من الكوميديا الغير قادرة على الوقوف!. لك أن تتخيّل مثلًا أن المعركة اﻷخيرة بالفيلم -الدائرة بين وحش عملاق، ورُفقاء "دراكولا"- هي معركة موسيقية (Music Battle) يُستخدم فيها أغانٍ كلاسيكية مشهورة!، حيث اﻹيقاعات والنغمات هُنا -في هذا الفيلم- هي بديل للسيوف والانفجارات في فيلم آخر.
وباﻹضافة إلى الكوميديا، هُناك أجواءٌ رائعة: أجواء المغامرة الصيفية المرحة، أجواء الرحلة البحرية المائية، ثم أجواء العائلة والصداقة التي هي اﻷخرى من أسباب شعبية السلسلة. فكرة الـ"عُطلة الصيفية" ذاتها مستخدمة بشكل مدروس جدًا هُنا، اﻷمر الذي دفع بشركة اﻹنتاج لتغيير العنوان الثانوي لفيلمها من (A Monster Vacation) إلى (Summer Vacation) حتى يتناسب مع اﻷجواء الصيفية أثناء فترة عرضه جماهيريًا. بالإضافة لدسّ بضعُ الموتيفات الصغيرة الملائمة للأجواء الصيفيّة الحماسيّة تلك؛ كلُعبة الكرة الطائرة، وفكرة الـ"شواطئ" تحديدًا، والتي ظهرت في البوسترات الدعائية للفيلم برّاقة جدًا بفترة الظهيرة، رغم أنه ليس هُناك مشهدًا واحدًا في الفيلم بتلك الفترة من اليوم. هذا بالنسبة للأجواء داخل الفيلم، أما اﻷجواء في تجربة المُشاهدة في دار العرض هي أمرٌ آخر، والذي يجعل منه فيلم "عائلي" بالمقام الأول.
وعلى غرار اﻷمور المدروسة في إستراجيّة ترويج الفيلم من شركة "سوني للأنيميشن" المُنتِجة له ومن صُنّاعه؛ فها هي اﻹعلامية "ريّا أبي راشد" تشترك في النُسخة العربية المُدبلَجة من الفيلم -والمعروضة في بعض الدول العربية- بشخصية القُبطانة "إيريكا" التي سيقع قائد الكتيبة "دراكولا" في غرامِها، موجّهةً بذلك المزيد من اﻷنظار للفيلم. ريّا قد شاركت قبل عامين في النسخة العربية من (Angry Birds)، وكذلك فعلت مع (Smurfs: The Lost Village) العام الماضي.
ومعها، فإن المخرج قد راعى في ذلك استخدام (الخلطة الكارتونية المُعاصرة) بوجود ما نعرفه جميعًا في أي أنيميشن من هذا النوع؛ كاستخدام ثيمات عالمية من قبيل الصداقة والشجاعة، و"الحب" بالذات والتي من الواضح التركيز عليها بشدة في كافة حلقات السلسلة. وبالتأكيد إنهاء الفيلم بأحد أنواع الرسائل التحفيزية أو التوعوية (هنا مثلًا جاءت عن المُساواة)، ليأخذها معه الطفل/المُراهق إلى بيته متذكرًا معها التجربة والقصة وأشياءٌ أخرى.
ربما سبب إعجابي بالسلسلة ككل رغم أني لا أقصد بذلك الذهاب لأكثر من كونها سلسلة مرحة ومُسليّة، فَهِمَت جيدًا مُنتَجها في تجارُبها الثلاث -أكثرها جودةً بالنسبة لي هو الأخير هذا-، واستطاعت جني أرباح معقولة منها (حصد الجزء الأول من السلسلة ۳٥۸ مليون دولار، بينما الثاني ٤٧۳.. أما هذا الفيلم فقد تخطى حاجز المائة مليون دولار حتى كتابة هذه الكلمات)، ربما السبب في ذلك هو غرائبية عالم "هوتيل ترانسِلڤانيا" ذاته الذي يجعلها سلسلة مميزة، ففي هذا العالم الغرائبي أيّ شيءٍ يحدث يمكن السخرية منه!، هو ليس عالمًا للبشر تمامًا، ولا هو للوحوش والكائنات وحده، بل مزيجٌ من هذا وذاك، ما يجعله يصلُح بأن يكون مادة دسمة للمُبالغات. كما أن فكرة وجود مصاصي دماء ظرفاء ولُطاف يتحدّثون كما لو كانوا بشرًا هو أمرٌ مُضحكٌ في حد ذاته.
يُخاطب "دراكولا" في إحدى لقطات هذا الفيلم أصدقائه الوحوش -الموميائي موراي، والبشريّ جوني، وفرانك الفرانكشتاينيّ- قائلًا لهم "ما خطبُكم يا رفاق ؟، أنتم تتصرّفون بغرابة عن عادتكُم، التي هي غريبة في الأساس!"
سبب آخر بالتأكيد، وهو الأداء الصوتي المميز للغاية من "آدم ساندلر" الذي قد تتفاجأ من كونه هو الرجل خلف شخصية السلسلة الأشهر ذو الكاريزما الطاغية، "دراكولا"، والذي يُجسد صوت ڤامباير ذو لهجة إيطالية مُضحكة.
في النهاية هذا ليس فيلمًا خُرافيًا أو استثنائيًا لكنه مُسليًّا للغاية، صحيحٌ إنك ستنسى كل شيء ما أن تخرج من قاعة العرض، لكن هذا لا ينفي أنك ستستمتع لأقصى درجة وأنت بالداخل.. هي تجربة فيلم (بـوبـكـورن) لذيذة، ستقضي معها قليل من الوقت الممتع ولاشيء سوى ذلك، وبهذا تكون مهمة الفيلم قد أُنجِزَت على الوجه الأكمل.