ماما ميا ۲: جزءٌ ثاني غير ضروري..

قبل عشر سنين من الآن، وفي موسم الصيف كذلك كما هو الحال في هذه الأيام، ظهر فيلم تحت عنوان (Mamma Mia!)، فيلمًا استعراضيًا غنائيًا تتصدّره أيقونة السينما الأمريكية "ميريل ستريب" وبتكلفة تقدَّر بـ٥۲ مليون دولار.. لم يتصدَّر الفيلم البوكس أوفيس وقتها أسبوع عرضه، وخفتت آمال شركة الإنتاج -يونيڤرسال- بأن يجني الفيلم ما تمنّوه. لكن الفيلم اشتهر بالتدريج، واستمرّ في العرض بالسينمات الأمريكية والعالمية، استمرَّ قرابة الستة عشر أسبوعًا يجني الأرباح اللافتة، حاصدًا في نهاية الشهر الرابع من صدوره ٦۰۹ مليون دولارًا أمريكيًا، ليُفاجئ بذلك الجميع ويقبع في المركز الخامس لأكثر أفلام عام ۲۰۰۸ حصدًا للإيرادات على المستوى العالمي!

بالتأكيد هذا الرقم المغري جعل شركة الإنتاج تضع في حساباتها تقديم جزء ثاني، ربما مضمون النجاح، لكنهم لم يُعلنوا أو يُبدوا رغبتهم به احترامًا للمكانة التي نالها الفيلم. تغيّرت الأمور مع مرور الوقت، وبعد مُضيّ القليل من الأعوام، واقتراب الذكرى العاشرة على صدور الفيلم الذي نالَ استحسان الجميع (ترشح حينها لجائزتين جولدن جلوب وثلاث بافتا بريطانيا)، قالوا: حسنًا، لقد سئمنا الانتظار، حان الوقت!..

هناك رؤية ثانية وهي أن الجمهور هو من ألحَّ على شركة الإنتاج وطلب جزءًا ثانيًا، شخصيًا لا أرى أن هذا هو السبب الحقيقي، إنها هوليوود في النهاية، ألا تعرفونها؟!

تسمية الجزء القديم بالـ"أول" وهذا بالثاني، من وجهة نظري المتواضعة، لا يصح. لذا، دعونا نتفق على أن الجزء القديم سأدعوه بالـ"أصلي" في قادم الكلمات...

الجزء الجديد / الثاني / الغير ضروري!

الجزء الجديد من الفيلم والذي يعرِّف نفسه بجملة "الحدث الفيلمي لسينما الشعور الطيّب يعود" تتصدَّر أعلى أفيش الفيلم الدعائي بلونٍ أحمر يشد الانتباه، يحكي عن ماضي الشخصية التي أحببناها جميعًا بالجزء الأصلي: دونا/ميريل ستريب، في ظلّ تغيُّرات واضحة طرأت على ابنتها ذات الخمس وعشرون عام الآن، صوفي.. أي أن الأحداث تدور بعد خمس سنين على نهاية الجزء الأول، ويتنقّل الفيلم بين الجزئين -ماضي دونا/حاضر سوفي- كي يسرد قصته، رابطًا بذلك بين تشابهات الأم والابنة.

إذا كنت ستُقدّم جزءًا جديدًا من فيلم مضى على صناعة جزءه الأول عشر سنواتٍ كاملة، فلا بد أن يكون هناك سبب حقيقي لذلك. وإذا كان الفيلم له مكانة مميزة عند محبي صنفه، واعتبرهُ البعض من أهم الأفلام الاستعراضية (الميوزيكال) في السنوات الأخيرة، فلا يكفي في هذه الحالة تقديم المزيد من الاستعراضات النمطيّة المقبولة، الجمهور لن يرضى بذلك. الاعتماد على النجاح التجاري -الساحق طبعًا- للفيلم الأصلي سيكون مقروءًا للجميع.

غير ضروري لماذا؟، لأن الفيلم الجديد لا يريد إضافة شيء حقيقي على الفيلم الأصلي، هذه وحدها سبب كافٍ للبعض (خاصةً على عُشاقه)، ولأن هذا الفيلم يستلهم كثيرًا من تراث جزءه الأصلي ويعتمد عليها كُليًّا بدون تكوين تراثه وشخصيته الخاصة، ولأن -وهذا قد يبدو مُبالغًا بعض الشيء، لكنه في الواقع ليس كذلك!- كل شيء في هذا الفيلم أضعف من الجزء الأصلي، كل عنصر، وكل جزئية.

ما سرّ نجاح الجزء الأصلي؟ / ما العوامل الغائبة في الجزء الجديد؟

برأيي، أحد أهم أسباب قوة الجزء الأصلي تكمن في عدم التهاون أو الاستغناء عن مشاعر الحزن والعواطف رغم أن العمل كوميدي ومرحٌ في الأصل، وذلك لأن المشاعر فيه هي منبع كل شيء. ما الذي يجعل يومًا ما في حياتِك سعيد؟، إنه غياب الحُزن!، هي ثنائية من ثنائيات الحياة الأبديّة؛ كالنور والظلام، الحياة والموت، هناك السعادة والحزن/الشقاء.. وبالمثل: ما الذي يجعل أغنيات "ماما ميا" القديم حُلوَة؟، هو وجودها في قصة لها أبعاد عاطفية يمكن التواصل معها، ولم تقلل من أهمية وجود صعاب الحياة واللحظات الحزينة لـ"دونا".. لذا، غناء أحد تلك الأغنيات هو أمرٌ منطقيّ، لأنها بمثابة علاج ومقاومة للأجواء الحزينة. هذا -مثلًا- ما يجعل مشهد مثل (Audition) بفيلم (La La Land) شديد الأهمية في كينونة الفيلم؛ لأنه -وبعيدًا عن الثيم الغنائي للفيلم ككل- له تأثير هام على عملية السرد. كل هذا كان مُفتَقَدًا تمامًا بالجزء الجديد، الذي بدا لي كأنه احتفاء مجرَّد وباهت بالحياة، وبكلمات تحفيزية ساذجة من نوع "التفكير يجعلك تعيسًا"..!.

أيضًا من الأشياء التي رأيتها سلبية هُنا، الجانب البصري للفيلم؛ الصورة برَّاقة وزاهيّة جدًا حد الإزعاج!، وأنا لا أُخفي امتِعاضي عن هذا الأسلوب البصري (الأمريكاني) الذي يتبعه المعظم منذ بزوغ عصر الديچيتال. الفيلم برَّاق جدًا لدرجة أنه يبدو غير حقيقيًا بالمرّة!، أعني أنه من الواضح أن هذا ليس ما سأراه إذا ذهبت إلى هذه الأماكن الرائعة، الأشياء هُنا تلمع، بدون سبب!.

عندما أعدت مُشاهدة الجزء الأصلي قبل أيام قليلة، لاحظت مدى شاعرية وهدوء الألوان التي كانت أكثر جاذبية بالنسبة لي. الفتيات مثلًا، جميلات في الجزء الأصلي لأنهم جميلات، أما هُنا، فلأنهم يضعون المـكياچ!. كل شيء مقصود أن يكون متكامل بلا ذرّة عيب، والنتيجة: فيلم يبدو مذهلًا للعين ورائعًا للغاية في شكله، أما في حقيقته، فهو أجوف تمامًا.

• لعل ميزته الوحيدة هي تنقلاته بين الفترتين بشكلٍ سلسٍ وبه الكثير من الألاعيب المونتاچيّة، فقد خدم فكرة الموازنة بين العالمين/الفترتين بشكل طيّب.

الجزء الأصلي يمكن مُشاهدته أكثر من مرّة لسببين: أولًا، لأن تأثير (البَهجة) الذي يُحدثه حقًا فعّال؛ وهذا نابع في جذوره، من أنه لا يصوِّر الحياة خالية من المشاكل وجميلة في حد ذاتها (كالحال هُنا)، بل لأن تعامل الشخصيات معها يكون بخفة وجمال، ومواجهة الصعاب بالموسيقى كحال كلمات أُغنيات فرقة (ABBA).

وثانيًا؛ فكرة (توظيف) تلك الأغنيات أصلًا في نسيج القصة. صحيح هناك في الجزء الأصلي أكثر من أغنية إذا نزعتها من الفيلم لن تُحدث مشكلة في نسيجه، لكن الجانب الأكثر سيادةً فيها، هو أنّ هناك أسبابًا لظهور تلك الأغنيات في الأوقات التي تظهر فيها. أما هُنا وباستثناء ربما أغنية أو اثنين، فلا وجود لمبررات درامية، أو حتى قليلٌ من الدوافع الشخصية في ظهور تلك المشاهد الغنائية، كأن "أول باركر"، مخرج الفيلم، كان يعمل وفي يده كتاب بعنوان "كيف تصنع مشهد غنائي جيد؟"..!.

ورغم أن أحد أهم النقاط التي تُثيرها قصة الجزء الأصلي هو ماضي شخصية "دونا" من خلال تعريفنا به من خلال عدة ومضات، إلا أن الجزء الجديد لا يستغل هذه الجزئية التي يُقدّمها فاترة تفتقد للحس الدرامي المطلوب. بالإضافة لاختيار سيء للغاية على مؤدّي شخصيات الآباء الثلاثة في فترة شبابِهم، فيما يبدو أن الممثلون أبطال الجزء الأصلي، هم هُنا ليسوا أكثر من ضيوف شرف.

إذا كان هناك شيئًا واحدًا خرجت به من تجربتي مع هذا الفيلم، فهو مزيد من الاقتناع أن ما يتطلبه الأمر لصناعة فيلم جيد ليس الميزانيّات المرتفعة ولا الألوان الخاطفة للأنظار، الأمر يحتاج رؤية قبل كل شيء.

أما إذا كان هناك شيئًا واحدًا ما زال معلَّقًا في ذهني، فهو تعجُّبي من الأمريكيّون الذين يستمتعون بأفلام من هذا النوع واصفين إياها بأفلام "الشعور الطيّب"..!

هل يستحق الفيلم الذهاب للسينما من أجله؟

يبدو سخيفًا للغاية سؤال من هذا النوع الآن!، صح ؟

لا أعتقد أن أحدًا يمكن أين يكره هذا الفيلم (أنا لم أكرهه بالمُناسبة)، صحيح هو به عدد هائل من السلبيات (ستلاحظها أكثر إن كنت من عشاق الجزء الأصلي)، لكنه بالمجمل فيلم لطيف لن تنزعك منه. لكن لا تنتظرهُ أن يكون أفضل من الجزء الأصلي بأي حال من الأحوال.. يمكنك مُشاهدته إذ لم يكن لديك شيئًا أفضل لتفعله، هذا مقبول في هذه الحالة. لكنّ، تريد تجربة كوميدية مرحة، خفيفة الظل، ومسليّة؟، اذهب إلى (Hotel Transylvania 3: Summer Vacation) إذن، هذا هو الفيلم الذي تبحث عنه.