هل الذكرى تستحق أن تحياها؟!
تخيل معي جهاز ذاكرة مثبت خلف الأذن مثل كارت الذاكرة الذي تضعه بالتليفون المحمول أو الكمبيوتر، لتسجل عليه كل لحظة، وموقف وحركة وصوت مر عليك فتبدأ معه رحلة "عدم النسيان" أو بمعنى أصح "إنسى إنك تنسى".
هى عبارة عن ملفات مسجلة داخل عقلك يمكنك فتحها ومشاهدتها في أي وقت، فذاكرتك الآن ذاكرة حديدية بالمعنى الحرفي، تلك الذاكرة التي تتضمن أشخاص تحبهم، تعشق رؤيتهم والتعامل معهم ومواقف إيجابية ولحظات جميلة تتمنى لو يتوقف عندها الزمن أو تتضمن أشخاص تكرههم، وتود لو لم تقابلهم يومًا ومواقف سلبية مؤلمة بالنسبة لك تتمنى محوها من ذاكرتك ولديك القدرة على ذلك من خلال زر "الحذف" الموجود بجهاز الذاكرة، ولكنه في نفس الوقت يتسبب في هوة زمنية داخل ذاكرتك، ويظل يذكرك دائما أن هذة المساحة الفارغة من ذاكرتك تحوى موقف أو شخص لا تحبه وتريد نسيانه،
"ما تراه الآن قد يدمر استقرار حياتك وإن كان استقرارًا مزيفًا"
نظام حياة ومجتمع بالكامل سيختلف، فبدلًا من أن يتم تفتيشك وأنت تدخل المطار، سيطلب منك أن تفتح ملفات ذاكرتك خلال الأربع وعشرين ساعة اﻷخيرة، أو آخر يومين مروا عليك، ويتم عرض تلك الملفات على رجال الأمن بشكل سريع حتى يسمحوا لك بدخول المطار، كما يمكن أن تستنتج قبولك من عدمه في مقابلة عمل، من خلال استرجاع المقابلة بواسطة جهاز الذاكرة ثم تقوم بتحليل إيماءات، ولغة جسد صاحب العمل وبعض الكلمات التي تكشف نيته فى قبولك أو رفضك.
كما يمكن بسبب جهاز الذاكرة أن تتوتر علاقتك بصديقك الذي قمت بسبه أثناء مشاجرة بينكما، وقد حاولت إنكار تلك السبة لكن أثبت ذلك الجهاز حدوثها، أو تتشاجر مع زوجتك لأنك وعدتها بعزومة عشاء وتناسيت فيأتى الحوار كالتالي:
وعدتني أن تدعوني على العشاء الليلة!
لم أقل الليلة بل غدًا
فتكون ردة فعلها أن تفتح ملفات جهاز ذاكرتها وتثبت لك صحة كلامها مما يسبب لك الإحراج، وتضطر أن تتأسف، وبالطبع تأخذها للعشاء خارج المنزل، أو يحدث ما هو أكبر من ذلك عندما يدخل قلبك الشك تجاه زوجتك، ويساعدك جهاز ذاكرتك على جمع عدد من التفاصيل الخاصة بلغة جسد زوجتك في أكثر من موقف مما يقودك للتأكد من خيانتها لك خاصة عندما تجبرها على فتح ملفات جهاز ذاكرتها، وهنا تنتهى علاقة عمرها سنوات أثمرت عن طفل تشككت أيضًا في نسبه لك.
"ملفات مسجلة لا يعرفها غيرك.. هل ستضطر لفتحها يومًا ما؟هنا يأتي السؤال، هل تستحق الذكرى أن تحيى مرة أخرى، بل يجب أن نعرف كل شيء، وكل معلومة عمن حولنا، هل المعرفة مهمة ومكسب أم الجهل نعمة كبيرة لإستمرار الحياة، هل النسيان – نسيان الألم وعدم تكرار تذكره - يمنح الغفران، وهل استرجاع ذكرياتنا مع من خاننا يقودنا للجنون بل، والإنتحار أم يكون كالمرهم الذي يداوي الألم.
هل تستطيع أنت أن تواجه وتتحمل مسئولية المعرفة بكل ما تحويه من حلو ومر، هل زرع خالقك فيك القوة الكافية لتحمل كل ذلك أم النسيان هو الرحمة وهو الباب الذي يشع من خلاله الأمل في بدايات جديدة وطي صفحات نتناساها حتى ننساها بالفعل، أنستطيع أن نجزم أن النسيان يخفي زلاتنا وجانبنا الموحش الذي ليس فقط نخفيه عن العالم بل عن أنفسنا أيضا، وبالتالي نستطيع الغفران مما ينتج عنه استمرار علاقات وحيوات، فجهاز الذاكرة مثله مثل قراءة الأفكار، نعمة ونقمة في آن واحد.
وأخيرًا لو كان لديك حرية الاختيار في أن تمتلك جهاز الذاكرة، أو لا تمتلكه، ماذا ستختار والأهم هل ستتحمل مسئولية اختيارك. عايز تعرف اتفرج على حلقة the entire history of you Season one –black mirror