في مُعاودة للأفلام المُقتَبَسة من قصص حقيقية الصادرة بالسينمات المِصرية مؤخرًا ("Loving Pablo" و"Gotti" اﻷسابيع الماضية، و"The Catcher Was a Spy" هذا اﻷسبوع أيضًا)، يأتي إلينا فيلم آخر بعنوان "Billionaire Boys Club" يتصدّره نجوم مشهورين أمثال؛ "أنسيل يلجورت"، "تارون إيجرتون"، "كيفين سبيسي"..
ويحكي هذه المرة عن الصديقان "چوي" و"دان" أبناء الطبقة المتوسطة بأمريكا الثمانينيّات، اللذان بفضل أفكارهُما الاحتياليّة استطاعا جني الكثير من المال بطرق كثيرة غير مشروعة، وتأسيس ما أطلقوا عليه شركة "BBC" أو (Billionaire Boys Club).
فيلمٌ من هذ النوع يُعيد تذكيرنا بأفلام كثيرة عرضت موضوع احتيال اﻷموال، والطمع والجشع كهدف بحد ذاته، لعل أشهرها هو فيلم النيويوركي مارتِن سكورسيزي "The Wolf of Wall Street" الذي عقدتُ مُقارناتٍ كثيرة في ذهني أثناء رحلة المُشاهدة، حول المُشتركات التي تجمعه بهذا الفيلم؛ مثلًا طريقة اختلاس اﻷموال، أو الدافع وراء هذا الطمع. ربما هذا بسبب التميُّز الشديد لفيلم سكورسيزي الذي أصبح واحدًا من أولى اﻷفلام التي يجب أن تُذكر عند الحديث عن أفلام الاحتيال أو الـ Con Movies، خاصةً وﻷنه يتحدث عن قصة حقيقية كحال هذا الفيلم.
وهذا بالتحديد أكبر عائق وقف أمام فيلم المخرج "جيمس كوكس" (في تجربته الإخراجية الخامسة مع الأفلام الطويلة، والثالثة التي يتولى كتابتِها)، حيث لم يشمل تجديدات على صعيد الحبكة المعروفة من قصة الصعود والهبوط للرجل -أو لنقُل الثنائي هُنا- الذي لا يشبع من المال، بل ما غُيِّرَ هُنا هو مجرد تعديلات بسيطة في خطوط القصة.
الجزء اﻷول من الفيلم كان حقًا رائعًا للغاية، أنتَ تدخل لعالَم الشخصيتين (الصديقين) ذوي اﻷفكار الماكِرة، والرغبات الحياتية الطموحة والجامِحة، والتي قد تُثير استفزاز الشباب الـ"آخرون" في مثل هذا السِن. وبالفعل تتواصل مع أفكارهم الجريئة، لكن اﻷمر لا يطول كثيرًا حتى يدخل الفيلم في منعطفات أخرى يُغيّر به وجهته التي بدأ بِها، ويُغيّر معها ما كان موجودًا من متعة السرقة والمُراوغة والمُباغتة التي كنت ﻷُفضّل اعتماد الفيلم أكثر عليها.
الفيلم سيُعتبر جيدًا وجيدًا جدًا أيضًا في حالة لم تطمع بأشياء كثيرة يُقدّمها، فلعل الفيلم لا يتحمَّل إثقاله بأكثر مما يحتمِل؛ فالحديث مثلًا عن اﻹخراج سيكون كليشيهي للغاية أن نقول أشياء مثل "لكن الفيلم لا يتميّز بأسلوب إخراجي معين، حيث افتقد لوجود شخصيةٌ ما به.. إلخ" ﻷن، ربما، الفيلم ذاته لا يطمح لذلك، أي أنها ليست بالضرورة شيء يجب توافره بكل فيلم في العالَم (لاحِظوا أننا نتكلم عن فيلمٌ أمريكيٌ أيضًا)، فلرُبّما هو شيءٌ مقصودٌ تمامًا أن يكون الفيلم "عاديًا" من حيث مكانته بين أفلام صنفه. أذكر مثلًا مُشاهدتي لفيلم "War Dogs" العام الماضي، وقد حظى بإعجابي كثيرًا رغم أن نصفه الثاني كان مُحبطًا للغاية بالنسبة لي، وهذا لأن الفيلم اختار سلك طريق الفُكاهية والسخرية في تقديم قصته الحقيقية، أي أن معالجة القصة هي مَن جاءت مُبتكرة. وهذا وإن حدث، يجب أن يتبعهُ العديد من النقاط المُكمّلة (كثبات هذا الحِس الساخر في الحِكاية على طول الخط، وعدم الوقوع في فخ التثتت بين الجزء التوثيقي والروائي من الحكاية) كي تتضافر العناصر سويًا لخدمة هذا السرد الأسلوبي المُتّبع. أما هُنا، فلا اختيار من الأساس لعملية المُجازفة تلك (أقولها بالمعنى الإيجابي للكلمة وليس السلبي).
ورغم أن الفيلم لا يُركّز على اﻷداءات التمثيلية ﻷبطاله بالشكل الكبير، بل يميل أكثر ناحية (حكي الحدوتة)، إلا أن "تارون إيجرتون" كان مُتألقًا بشكل ملحوظ في دور "دين" وهو أفضل أداء رأيته له، عِلمًا بأني لا زلت لم أُشاهد "Eddie the Eagle". أما "أنسيل يلجورت" -الذي يفوق شهرته رغم صغره عنه بخمس سنوات- فأدائه كان طيّبًا، ربما ما أفقده أن يظهر بشكل أفضل مما ظهر عليه، هو طبيعة شخصيته ذاتها التي من لم تُبرز العديد من الجوانب التي يمتلكها، والتي أظهرها في أفلامُه السابقة. يبدو على "أنسيل" حب التجريب واكتشاف ذاته في أعمالٍ كثيرة، لك أن تعرف مثلًا أن الأفلام الثلاثة الأخيرة لهُ، كانت كلها الأعمال الأوّلية/التجريبية، أو الصاعدِة لمخرجينها.
بعض الحيل الجذابة بالفيلم أعجبتني، كمفهوم فكرة الـ "paradox philosophy"، بالإضافة إلى حركةً محددةً لا أُريد حرقها أعجبني ووجدتها جريئة أن تأتي مبكرًا هكذا. لكن أيضًا التنقُّلات أو التتابُعات التي حصلت للنص بعضها لم يخلو من السذاجة.
هذا الفيلم سيعتبره هؤلاء من شاهدوا أفلامًا كثيرة مُشابهة، فيلم تقليدي للغاية، ﻷنه لا يقوم بأي شيء مختلف على صعيد الحبكة، بل إن هدفُه الوحيد هو مجرد إنجاح الخطة المعروفة والمُعدَّة سلفًا في أفلامًا سابقة، وهو يفعلها بشكل طيّب ومقبول (وليس كارثيًا أهم شيء!).. وبسبب طُموحه "اللي على قده" كما يقولون، والمختلفة جذريًا عن طموح أبطال القصة الحقيقيين (أصحاب أقاويل على غرار 'Think Big')، قد يجد البعض مشكلة في تقبله، في حين أن البعض اﻵخر سيجدونه فيلمًا مقبولًا.. أو جيدًا، أو ربما رائعًا إن كانت حصيلتك من مُشاهدة أفلام هذا النوع صفر.