عندما يكلمك أحدا على الهاتف لا تعرفه يستنجد بك والتوتر يملأ صوته حتى يكاد لا يقوى على الكلام، ساعة يبكى وآخرى يصرخ، يروي لك حكاية تجعله كالملاك البريء المظلوم فتتعاطف معه كليا وتبدأ في إصدار الأحكام على الطرف الآخر من الحكاية –الذي لا تعرفه أيضا- وتسمع وجهة نظره أو حقيقة الأمر، هنا تحدث مشكلة كبيرة يقع بها معظمنا لأنك ببساطة تصدر حكمك وتقدم النصيحة التي تكاد تأذى الطرف الآخر بدون أن تكتمل الصورة عندك فيصل الأمر إلى ظلم الطرف المظلوم من الأساس،عندها تفكر فى هوية من أرتكب الذنب الأكبر هل المذنب أنت لأنك لم تسمع طرفي المشكلة أم الراوي الذي ارتدى القناع الملائكى أم الطرف الآخر الذي لم يدافع عن نفسه وأكتفى بالصمت، هذه هى الفكرة الأساسية الذي يدور حولها الفيلم الروائي "المذنب"، ذلك العمل الفني المبدع بكل ما تعنيه الكلمة خاصة و قد أختار صناعه أن تدور الأحداث في مكان واحد فقط، مكان مغلق لا حركة به سوى رجل واحد وهو يعتبر البطل الأوحد في العمل، نراه على الشاشة يعمل في تلقي إتصالات النجدة ،عمل روتيني ممل قائم على تلقى مكالمات من أناس تعرضوا لجرح جسدي أو حادث أو تناولوا المخدرات التي جعلتهم في حالة سيئة فقرروا الإستنجاد بالشرطة، على نفس تلك الرتابة تدور أحداث الدقائق العشرة الأولى من فيلم "المذنب" والتي ينقلها لنا الممثل ببراعة وحرفية فنرى تعبيرات وجهه المعبرة عن الملل الجم و تفقده المتكرر لساعة يده مما يؤكد على حالة الرتابة تلك حتى نقلها للمتلقى الذي أصيب بالملل أيضا فهو لا يعرف أن الدقائق التالية سوف تقلب الأحداث رأسا على عقب وتبدل حالة الملل إلى خوف وتوتر وقلق سواء من ناحية بطل العمل أو المتلقى الذي يتفاعل معه شاء أم آبى.
وضع صناع العمل أنفسهم في تحدي صعب للغاية فإختيار المكان الواحد لعمل روائى مدته ما يقرب من تسعين دقيقة يحتاج جهد كبير وحرفية من كل فريق العمل، لكنهم أثبتوا تلك الحرفية من خلال أكثر من عنصر ،على سبيل المثال إعتمد مدير التصوير على القطعات الكثيرة للكاميرا بين كادرات ضيقة وضيقة جدا وواسعة وزوايا مختلفة تنتقل بين الممثل والشاشة أمامه خاصة مع إختياره سماعة الأذن لتكون هى البطلة الأساسية للصورة فبدأ بها العمل الفنى بكادر ضيق ، تلك السماعة التي تمثل الأطراف الآخرى من الحكاية نسمع أصواتهم فقط، وهنا ننتقل للعنصر الآخر من العمل وهو الأداء التمثيلي الذي ظهرت قوته سواء أداء الممثل الوحيد كصورة في العمل أو الممثلين الآخرين الذين تسمع أصواتهم فقط من خلال سماعة الأذن وتشعر بكل ما ينقلونه لك من ترقب أو توتر أو لا مبالاة أو حب و إهتمام و ذلك يعتمد كل الإعتماد على خيال المتلقى فكل منا سوف يتعايش مع الأحداث بطريقته وحالته النفسية أثناء مشاهدته للعمل ، فسماعك أداء تمثيلي وحكى بدون صورة الممثل أمامك يداعب خيالك الواسع و يجعلك ترسم بيديك وقلبك وعقلك صورة الحدث بكل تفاصيله،كما لعبت المؤثرات الصوتية دورا مهما وأساسيا في التعايش مع حالة المتحدث في السماعة أو الطرف الآخر من الحدث وتكشف لنا كمتلقين وللممثل الكائن أمامك على الشاشة عن المكان الذي يتحدث الطرف الآخر منه من خلال صوت زحام وسيارات أو صوت صخب في حانة أو هدوء تام فى منزل ،وما ساعد على نقل حالة كل مشهد بالفيلم الإضاءة المستخدمة مثل إستخدام إضاءة حمراء لتنقل لك كمتلقى مشاعر الغضب التي تملأ نفس البطل.
كل تلك العناصر تم تضفيرها بحرفية بالغة حتى تجبرك كمتلقى على التعايش مع الأحداث وتخيل نفسك إما مكان الممثل أو أي من الشخصيات الآخرى التي يتفاعل معها من خلال سماعة الأذن فيشارك كالمشكلة وحلها كما يداعب ذاكرتك في سؤال تطرحه لنفسك في مواقف سابقة تعرضت لها، يا ربى هل أنا المذنب؟.