كل منا تعامل مع الكلاب بطريقته سواء بشرائه وتبنيه أو مجالسة كلب صديقه أو اللعب مع كلب في الشارع لكن هل فكرت في مقارنة الكلب بمن حولك بعيدًا عن فكرة الوفاء والإخلاص والحب اللامتناهي من الكلب للإنسان، هل قمت قبل ذلك بمقارنة علاقتك بكلبك بعلاقتك بصديقك، وهل تابعت علاقة الكلاب بعضها ببعض ولاحظت أى تشابه بينها وبين علاقة البشر ببعضهم، فقد تلاحظ إذا دققت النظر والمتابعة أن مقاليد السلطة والتحكم تكون مع الكلب الأقوى والأكبر حجمًا، فهو من يمارس تلك السلطة على الكلب الأصغر حجمًا والأضعف، مثلهم مثل البشر، وإذا دققت النظر أكثر سوف تلاحظ ذكاء بعض الكلاب الصغيرة والضعيفة في التحكم بمن أقوى منهم من خلال استخدام الذكاء والمداعبة وليس القوة والسلطة.
ذلك تحديدًا ما تقوم عليه فكرة فيلم "Dogman"، عدم السماح لمن هو أقوى منك بالتحكم بك وبحياتك وإلحاق الأذى بك بحجة ضعفك أو عدم قدرتك على مواجهته وبهدف إتقاء شره، فتفقد كرامتك وسمعتك الطيبة، والشيء الوحيد الذي تملكه وهو حبك للناس وحبهم واحترامهم لك، فمن الممكن أن ترفض وتثور على تلك السلطة الظالمة باستخدام سلاح تجيد استخدامه وهو سلاح الذكاء وليس القوة.
فيلم "Dogman" عمل فني يتحدث عن الإنسانية والكرامة ونتيجة إهدارهما والسكوت عن الحق والانسياق إلى كل ما هو ضد مبادئك بحجة الخوف والسير بجانب الحائط، تم تجسيد تلك الفكرة من خلال صديقين أحدهما يعمل جليس للكلاب، رجل ضعيف منساق وأخر ملاكم معتوه شرير خرج لتوه من السجن، وهو يتحكم في صديقه الضعيف ويستخدمه كأداة لارتكاب أى عمل شرير يلحق الأذى بالأخرين وينساق له ذلك الضعيف بحجة الخوف وإتقاء شره حتى تتطور الأحداث وينتهى به الحال إلى الزج في السجن وهنا تتبدل شخصيته من الضعف والخوف إلى الرغبة في الإنتقام وإسترداد كرامته التي خسرها وخسر معها كل من حوله.
ذلك التحول في الشخصية من بداية العمل الفني وحتى نهايته جسده البطل بحرفية بالغة كأنه يعطي دروس في الأداء التمثيلي، فنرى تفاصيل وجهه في بداية العمل تعبر عن الخوف والضعف و الرهبة من صديقه الشرير إلى أن تتحول إلى نظرات انتقام وتوعد، فكانت عينيه كفيلة بنقل تلك الحالة والتي أكد عليها تلعثمه في الكلام أثناء ضعفه وصوته العالي القوي عندما ملأته الرغبة في الانتقام.
كما لعبت الإضاءة واختيار توقيت التصوير ودرجة حدة الشمس وهبوط الأمطار في نقل مشاعر البطل وحالته النفسية، فاستخدام الجو المشمس الهادىء في بداية العمل الفني والتى تعكس هدوء الأحداث وسكون البطل ورغبته في الإستقرار، وعندما تغيرت حالته النفسية إلى الغضب وسيطرت عليه النزعة الانتقامية، استخدم مدير التصوير السماء الغائمة والأمطار التي تعكس الأحداث المضطربة والحالة النفسية الثائرة غير المستقرة، كما استخدم مؤلف العمل فكرة "الجزاء من جنس العمل" مما يعد إبداعًا في تجسيده، حيث استخدم البطل قفص الكلاب لحبس صديقه الشرير والانتقام منه كما زج به الأخير في السجن لمدة عام كامل، حتى يشعر بنفس المشاعر السلبية والاحساس بالحصار التي ظل يعاني منها عام كامل.
إلى جانب براعة المخرج في توضيح التشابه الكبير بين التعامل مع الكلاب والبشر وذلك في المشهد الإستهلالي للعمل الفني، حيث افتتح الفيلم بمشهد للبطل وهو يحاول أن يحمم كلب ضخم يغلب عليه الشر والقوة، ولم يستطع أن يستكمل تلك المهمة إلا عندما تعامل معه بلطف ومداعبة.
فإن لم تكن قويًا، كن ذكيًا وإن لم تقوى على أحد بيديك سوف تقوى عليه بدهائك، فقط أعرف نقطة قوتك ولا تتنازل، فمن يتنازل مرة يفقد كرامته آلاف المرات إلى أن يصبح مثل العدم أو مثل "دوج مان".