الفيلم الدنماركي المذنب واحد من أهم أفلام هذا العام، وضمن عدة أفلام مميزة نتوقع تواجدها بين الأفلام الخمس في قائمة أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، الفيلم من إخراج "جوستاف مولر" الذي قدم قبل ذلك عدة مسلسلات تليفزيونية وعدد من الأفلام القصيرة، أما بطل الفيلم "جاكوب سيدرجرين 45-سنة فهو صاحب مجموعة من الأفلام الدنماركية الناجحة منها في غاية السعادة، وهؤلاء الذين يقتلون،
أحداث فيلم المذنب guilty تدور في مكان واحد تذكرنا من حيث الشكل بفيلمي "مدفون "BURIED الذي لعب بطولته ريان رينولدز وكانت أحداثه بالكامل تدور داخل تابوت مدفون تحت الأرض يضم بطل الفيلم الذي كان يتصل بالعالم الخارجي من خلال موبايل يحاول من خلاله طلب النجدة، أما الممثل الإنجليزي توم هاردي فلعب بطولة فيلم lock ولم يغادر البطل طوال الأحداث سيارته التي انطلق بها في رحلة ليحضر ميلاد طفلة من امرأة قضى معها ليلة ووعدها أن يحضر ميلاد طفلهما،
وطوال الفيلم لم نشاهد شخصا آخر غير البطل الذي تعرفنا على قصته وتاريخه وأزمته ونقاط قوته وضعفه من خلال أحاديثه التليفونية مع آخرين طوال رحلته التي أمتدت إلى ما يقرب الساعة ونصف هى زمن الفيلم وزمن الرحلة أيضا! أما فيلم" المذنب " فتدور أحداثه بالكامل داخل غرفة مجهزة لاستقبال استغاثة المواطنين بشرطة النجدة، ونشاهد بطل الفيلم "أزجارهولم" أو جاكوب سيديزجرين، وهو جالس طوال الوقت أمام شاشة تعرض خريطه تظهر المواقع والأماكن المميزة بمدينة كوبنهاجن حيث يتلقى هاتفيا نداءات المواطنين الذين يحتاجون لمساعدة الشرطة، فيحدد موقعهم بعد أن يتعرف على نوع المشكلة ومدى جديتها ثم يرسل لهم النجدة، ولم يتحرك إزجار من مكانه أمام الشاشة إلا للدخول لمكتب داخلي يفصله حاجز زجاجي كي يجرى اتصالات هاتفية تخص عمله أيضا، ولا تلمح طوال الفيلم إلا عدد من زملاء إزجار في خلفية الكادر، يتحركون من حين لآخر، ولم يتبادل أيهم معه حوارا إلا مرة أو اثنتين، أما بقية شخصيات الفيلم، التي تؤثر في الحدث فلا تسمع إلا صوتها من خلال الهاتف، ومع ذلك تشعر إنك تعرف ملامحها جيدا من خلال ردود فعل"إزجار" الذي يعبر بملامح وجهه فقط على كم هائل من الانفعالات المتباينة.
سيناريو الفيلم بالغ الدقة والعبقرية، فمع الدقائق الأولى للفيلم تعرف الكثير عن بطله، من تعليقات بسيطة، ومحادثات هاتفية بينه وبين أحد الزملاء، رغم هدوء ملامحه النسبي، يبدو وكأنه يجلس فوق فوهة بركان قابل للثورة في لحظة، ونفهم أنه كان ضابط شرطة ميداني ولكنه متورط في قضية، سوف يحسم أمرها في اليوم التالي بعد سماع الشهود، دون أن يعلن السيناريو عن طبيعة القضية في هذه المرحلة من الفيلم، ولكن أحد زملائه يؤكد له أنه سوف يذهب للمحكمة للشهادة معه، وفي نفس الوقت يبدو أن "أزجار"لديه مشكلة ما مع زوجته، تسبب له نوعا من الاضطراب، وينصحه البعض بزياره طبيب نفسي، ومع ذلك فهو يؤدي عمله باهتمام شديد، وتركيز، ويتلقى عشرات المكالمات يطلب أصحابها المساعدة والنجدة، فيبادر بسؤال المتحدث هل تتعاطى المخدرات؟ ثم ينصحه بألا يفعل، بعدها يستجيب لطلبه ويرسل له النجدة، وقبل أن تنتهي ورديته، يتلقى مكالمة من سيدة شابة تبدو في حالة سيئة، وتخبره بإنها مخطوفة وهناك من يتهددها، ثم ينقطع الاتصال، وتبدأ أزمة الفيلم الحقيقية التي تحمل في طياتها عدة مفاجآت وانقلابات تكاد تطير صواب إزجار، ويستغرق في محاولة إنقاذ تلك السيدة، ويتتبع المحادثة، لمعرفه مكان تواجدها، ويتزايد شعوره بالمسؤولية والرغبة في الإنقاذ عندما يعلم أن زوج السيدة هو خاطفها وأنه يحمل سكينا،
ومع كل محادثه يقدم السيناريو معلومة جديدة عن الموقف تزيده تعقيدا وتشابكا، وقد تغير تماماً من مفهوم ما عرفناه سابقاً، ورغم انتهاء مواعيد العمل بالنسبة لإزجار، إلا أنه لا يستطيع أن يغادر مكانه، فقد شعر إنه متورط في الحادث ولن يهدأ إلا بعد أن يقدم للسيدة المساعدة المطلوبة، ويحاول تتبع حركة السيارة ويرسل النجدة ولكنها تتوجه لسيارة أخرى كانت في نفس المكان المشار إليه على الخريطة، وكلما مر الوقت يبدو وكأن الخطر يقترب من السيدة دون أن يتمكن إزجار من إنقاذها، ولكنه كلما تصور أنه اقترب من الحل يفاجئ بتغير في الموقف يزيده صعوبة!
ملامح وجه الممثل الدنماركي جاكوب سيدرجرين حادة الملامح، ولحظات صمته حين يتلقى مفاجأة لم تكن متوقعة يمكن أن تدرس في معاهد التمثيل، أدواته ملامحه وحركة جسده ويديه، يعبر بهما عن شده التوتر والترقب، ويركز المخرج على نظرات عينيه وطول صمته، وصعوبة الأمر أن الكادر في أغلب مشاهد الفيلم لا يضم إلا وجه إزجار، وشاشه عرض خريطة كوبنهاجن، ولمبة إضاءة تُضىء باللون الأحمر كلما كانت هناك مكالمة هاتفية من الخارج، اﻹضاءة داخل المكان تعبر عن أزمة البطل وصعوبة الحدث، ولم يستخدم المخرج موسيقى ومع ذلك كان شريط الصوت بما يحمل من مؤثرات تضع المتلقى فى قلب الحدث وكأنه يعيش مع ابطال الفيلم، سارينة الشرطة، ضجيج السيارات أصوات البشر وبكاء المرأة المستنجدة، ثم طفلتها التي تجلس بمرفدها بالمنزل تبكي لغياب أمها، وشعورها بالخوف على مصيرها، بعد أن شاهدت والدها يسحب أمها للخارج ويصرخ فيها وهو يحمل سكينا، كل هذا يحمله شريط الصوت فقط، عايشناه وانفعلنا به دون أن نراه، ولكننا رأينا فقط وجه إزجار يحمل انفعالات شتى، يضعك الفيلم في توتر بعد الدقائق الخمس الاولى ويتصاعد التوتر فلا تهدأ وتستقر أنفاسك إلا بعد لقطة النهاية وبعد أن اشعل إزجار سيجارته وأستعد لترك المكان بعد انقضاء ساعات العمل.المذنب من أفلام الميزانيات القليلة، ولكنه يتفوق على أفلام ضخمة التكلفة في قيمته الفنية، ونظرا لعرضه في الولايات المتحدة مما يتيح له فرصة الترشح ليس فقط في قائمة أوسكار أفضل فيلم أجنبي ولكن في بقية العناصر الفنية ومنها السيناريو والتمثيل.