يعتبر الأوروبيين من رواد صناعة السينما ، كما تمتاز الأفلام الأوروبية بأنها أفلام تخاطب العقل أكثر من العاطفة، بالإضافه لإهتمامها بالفكرة المجردة، لذلك فأغلب أعمال السينما الأوروبية تتسم بالنضج والجدية، فأوروبا كانت منشأ المدارس السينمائية سواء المدرسة الروسية أو الواقعية الشعرية أو السينما التعبيرية أو الواقعية الجديدة التى خرجت من إيطاليا.
ينتمي فيلم (Dogman ) للمخرج الإيطالي "ماتيو جاروني" لأفلام السينما الأوروبية الواقعية حيث يرصد أحد الصراعات الحياتية التي تبدو ظاهرها بسيط، وباطنها معاناة والآم.
قصة الفيلم:
تدور أحداث الفيلم حول "مارشيللو" شخص بسيط ساذج، يمتلك مكانًا لإستقبال الكلاب والإعتناء بها، وهو يحب ابنته الصغيرة جدا ويحاول إسعادها، ومن ناحية أخرى تربطه علاقة بـ"سيموني"، شخص شرير وعدواني ويمارس الأعمال الإجرامية، يقوم سيموني بفرض سيطرته على مارشيللو ويدفعه إلى مساعدته في أعماله الإجرامية مما يوقع مارشيللو في المشاكل وتنقلب حياته كلها.
سيناريو الفيلم:
يبدأ الفيلم بمشهد إفتتاحي " لمارشيللو" وهو يحاول ترويض كلب ضخم وشرس، فيقوم بتقديم البسكويت له ومحاولة إرضاءه ومداعبته حتى يستجيب في النهاية الكلب الضخم له، ويعتبر هذا المشهد التأسيسي للحدث والمكان هو مفتاح للتعريف بشخصية البطل الذي يحاول التعامل مع الآخرين بسلام وسلاسة، فمارشيللو هو الشخص الساذج البسيط في مواجهة عالم قاس، يتضح هذا أيضًا في طريقة تعامله مع صديقه سيموني فهو يحاول إرضاءه والتعامل معه ببساطة، وتقديم بعض من المخدرات التي يقوم بالإتجار بها بجانب وظيفته لتغطية نفقاته هو وابنته إلى سيموني، ظنًا منه أنه يستطيع ترويضه مثل الكلاب الشرسة، ولكنه لم يكن يعلم أن ترويض البشر يختلف تمامًا عن ترويض الحيوانات، حيث يقوم سيموني باستغلال ضعف وطيبة مارشيللو ويجعله تابع له.
ركز السيناريو على شخصية البطل وأبعادها الثلاثة، الإجتماعي، والشكلي والتي كان لها تأثيرًا كبيرًا على البعد الأخير وهو النفسي، فالبطل شخص ضئيل وضعيف البنية ومسالم، لذلك فهو مفتون بالقوة التي يفتقدها، وهذا سبب إعجابه بصديقه سيموني قوي البنية والذي يقوم بضرب الأخرين وإيذائهم، وبذلك نجد دوافع ارتباط مارشيللو بسيموني مجموعة من الدوافع المركبة مثل الخوف منه والإعجاب بقوته، بالإضافة إلى دافع الصداقة الذي يجعله وفي وتابع له مثل الكلب.
أما بالنسبه لإيقاع الفيلم، فعلى الرغم من بطئه وتداخل بعض مشاهد الإثارة معه، ولكن هذه المشاهد لم نشعر أنها مشاهد دخيلة ولم تؤدي إلى الإخلال بالتوازن الدرامي للعمل، ويأتى هذا من أن الحبكة كانت جيدة والسيناريو متماسك.
وفاء الكلاب وخبث البشر:
كان التحول الدرامى منطقيًا ودوافع التحول في الشخصية كانت واقعية، فمارشيللو الذي كان يتمتع بالوفاء والإخلاص لصديقه سيموني مثل الكلاب يقرر أن يغير طريقته ويتعامل بخبث ودهاء البشر للإنتقام من سيموني الذي خذله وخانه، ويقرر ترويضه بالطريقة التي تتناسب مع شره، حيث وعى مارشيللو في النهاية أن ترويض الكلاب يختلف عن ترويض البشر، وقد ساعدت الإضاءة والمؤثرات الصوتية في نقل الحالة النفسية لمارشيللو، ففي النصف الآخر من الفيلم، نجد أن المشاهد تظهر فيها السماء الملبدة بالغيوم، بالإضافة إلى مشاهد الشتاء وصوت البرق والعواصف، التي تعبر عن حالة الثورة والغضب بداخله.
تأثر المخرج بتيار الواقعية الجديدة:
يقترب الفيلم كثيرًا من تيمة أفلام تيار الواقعية الجديدة التي ظهرت في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية والتي يعتبر من أهم روادها روسولليني، وروبرتو دي سيكا. ويتضح هذا من إهتمام مخرج العمل بالعامل المكاني، وتصوير تفاصيل المكان والبيئة المحيطة التي تدور فيها الأحداث، سواء شوارع أو حانات أو أحياء سكنية بسيطة، بالإضافة إلى عدم الإستعانة ببطلة من العنصر النسائي لعدم الضرورة الدرامية لها فى هذا العمل، وعدم محاولته الزج بمشاهد إثارة مفتعلة. كما نلاحظ من التصوير، أن حركة الكاميرا كأنها تعكس عين المخرج أو ما يطلق عليها العين السينمائية، وقد قام المخرج بذلك بطريقة إبداعية إستطاعت أن تنقل لنا حالة الابطال وتجعلنا نشعر بالتوحد مع العمل.
التمثيل والأداء:
كان الأداء المتميز الذى قام به كلا من بطل العمل (إدوارد بيسي) دور مارشيللو، و(فرانشيسكو اكوارولي) والذي أدى دور سيموني، يعتبر من أكثر الجوانب اللامعة في العمل.
فبالنسبة لبطل العمل إدوارد بيسي، فمن الواضح جدًا دراسته لشخصية مارشيللو جيدًا والإلمام بأبعادها، فقد تفوق على نفسه في التعبير عن حالته النفسيه والإنتقال من حالة إلى أخرى للدرجة التي تجعلنا نشعر بالتوحد مع الشخصية. أما فرانشيسكو اكوارولي فقد إستطاع من خلال تجسيد شخصية سيموني أن ينقل لنا من خلال ملامحه ونظراته كل مشاعر الشر الكامنة داخل الشخصية الدرامية لسيمونى، ويعتبر هذا النوع من التمثيل من أصعب الانواع في التعبير حيث يتم تركيز الطاقة كلها والأحاسيس في العين والملامح وانطباعات الوجه، خاصة أن الشخصية التي قام بأدائها كانت جملها الحوارية محدودة في العمل.
ومن أهم الرسائل الضمنية التي قد تصل إلينا من الفيلم هو أن قسوة إحساس الخذلان الذى يصيبنا بسبب شخص مقرب لنا خان ثقتنا فيه، كفيل أن يطمس كل الجماليات والتسامح بداخلنا ويحولنا إلى أشخاص مشوهة داخليًا أو وحوش على شكل بشر.