عندما تقدم لنا الحياة فرصة ونقوم بإضاعتها في الوقت الذي يتمنى فيه غيرنا فرصة أقل منها ولا ينالها، وقتها نتمنى أن نحظى بفرصة ثانية، فالفرص الثانية تعد بالنسبة لنا شعاع الأمل الذي يجدد لدينا القدرة على الحلم، ذلك الحلم الذي يمنحنا الرغبة في الحياه والعيش والإستمرار .
يدور موضوع الفيلم الكوميدي Night school حول الفرصة الثانية، وقد تم طرح الموضوع في قالب كوميدي وباسلوب بسيط أقرب إلى المباشر، والفيلم من بطولة إثنين من نجوم الكوميديا الأمريكية وهما كيفين هارت، وتيفاني هاديش، أما الإخراج فكان لمالكوم دي لي، والذي كان له فيلم كوميدي مع تيفاني هاديش في 2017 وهو Girls Trip والذي حقق نجاحًا كبيرًا على المستويين الجماهيري والنقدي لم يحظى بمثله فيلم Night school.
تدور أحداث الفيلم حول (تيدي واكر) الذي لم يستكمل تعليمه الثانوي في الماضي بسبب كسله وعدم جديته، وإتجه للعمل كمسئول مبيعات في محل لأدوات الشواء وكان متميز فى وظيفته ، ويرتبط تيدى بـ(ليسا) الفتاة الجميلة، ويقوم بالكذب عليها ومحاولة إبهارها بالمظاهر السطحية وسيارته البورش ومظهره العام الذي يخفي ورائهم شخصيته الحقيقية وظروفه المتواضعة، وفي الليلة التي يقوم فيها تيدي بطلب الزواج من ليسا، يحرق مكان عمله عن طريق الخطأ، فيفقد وظيفته، ويقوم صديقه المقرب (مارف) الذي يعمل كمحلل مالي أن ينصحه باستكمال دراسته والحصول على الشهادة الثانوية حتى يجد له عملًا مناسبًا معه، وعند ذهاب تيدي للتقديم في المدرسة الثانوية، يصطدم هناك بشخصيتان أحدهما (ستيوارت) زميل تيدي السابق أيام الدراسة والذي كان يكره تيدي بشدة، حيث أصبح مديرًا للمدرسة، والأخرى (كارتر) المدرسة الجادة قوية الشخصية والتي تحاول التغيير من شخصية تيدي.
ما يميز الكثير من الأفلام الكوميدية الغربية سواء أمريكية أو اوروبية، هى إعتمادها على أسلوب كوميديا الموقف، التي تنبع من المفارقة أو التناقض، فتظهر الكوميديا بشكل طبيعي وغير مفتعل، وذلك لأن الأفلام الكوميدية الغربية تستند إلى ثلاثة عوامل أساسية: أولهم إنطلاق العمل من فكرة مجردة أساسية، وثانيهم سيناريو جيد بحبكة جيدة يتم تقديم الفكرة المجردة من خلاله، والعامل الثالث هو الأداء العالي والمميز من الممثلين، وللأسف الشديد نحن نفتقد هذه العوامل في أغلب افلامنا الكوميدية.
وعلى الرغم من أن فيلم Night school لم يأت بجديد، سواء في السيناريو أو الفكرة، ولكن تم تقديم العمل بطريقة جيدة، حيث اعتمد الفيلم على كوميديا الموقف بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى تجنبه لأساليب مثل إقحام الإيفيهات أو المشاهد الهزلية المبالغ فيها أو استخدام الكوميديا العنصرية للسخرية من أشخاص بنمط شكلي معين، حيث يكون الغرض من هذه الأساليب محاولة دفع المشاهد للضحك، مما يضعف ويقلل من قيمة العمل الفني ويظهره بالسطحية مثلما يحدث قى العديد من الأفلام الكوميدية العربية.
وقد استطاع فيلم Night school أن يقدم أشخاص مختلفة بدوافع مختلفة، تتاح لهم فرصة ثانية لاستكمال دراستهم التي ستغير نمط حياتهم للأفضل، وتنقذهم من أوضاعهم البائسة، فيجد كل شخص فيهم نفسه أمام تحدي كبير من خيارين، إما مواجهة عيوبه واستغلال الفرصة الثانية لتصحيح الاوضاع، أو الهزيمة والإستسلام.
اللجوء للمبالغة سواء في بعض المشاهد أو أداء بعض ممثلين الأدوار الثانية في العمل والتي قد تكون مبالغات مقبولة.
ولكن ما يؤخذ أكثر على العمل هو تكرار البطل لنفسه، حيث يتم تقديم كيفن هارت من خلال تجسيده لشخصية (تيدي واكر) الشخص الغبي عديم المسئولية الذي يجد نفسه في موقف يضعه في تحدى أكبر منه وعليه مواجهة هذا التحدي، وقد قام كيفن هارت بأداء هذه الشخصية من قبل في أكثر من عمل، ولذلك فسنجد أن أداء تيفاني هاديش البطلة الثانية في الفيلم كان أكثر ظهورًا وتميزًا، مع عدم إنكار الأداء الجيد الذي اعتدنا عليه من كيفن هارت.
تعتبر الرسائل الضمنية الإنسانية التي تم طرحها من خلال الفيلم هى أكثر مايميزه، وتعد أكثر هذه الرسائل أهمية على المستوى الإنساني والخاص هى أن العلاقات الإنسانية الصادقة والحقيقية تحت أى مسمى لن تقوم على الكذب ولن تهتم بالمظاهر السطحية على قدر إهتمامها بالجوهر، أما على المستوى الأكثر شمولًا والعام، فلابد من إستغلال الفرص الثانية لتصحيح المواقف التي كنا سيئين فيها سواء حب أو دراسة أو عمل أو زواج أو غيرها، فجميعنا مخطئون في حق شخص ما، بل وأحيانًا نكون مخطئون في حق أنفسنا، والشجاعة الحقيقية هى الإعتراف بالخطأ والإصرار على تصحيحه، فالكبر والتخاذل والكسل والغرور والأنانية حتمًا سيؤدوا في النهاية إلى المعاناة، ولأننا بشر وجميعنا يخطيء، فجميعنا يحتاج إلى فرصة ثانية، ولكن قليل منا من يستحقون الفوز بثمار هذه الفرصة.