يُقدم لنا هنا عالم مارفل السينمائي ما يُمكن وصفه بالماضي والمستقبل في نفس الوقت، فيسألونني مُتعجبين كيف لشيء أن يكون من الماضي والمستقبل في نفس الوقت، فابتسم وأقول إن إجابة هذا السؤال مسرودة بالتفصيل فيما سوف يُقال.
(كارول دانفيرز) أو (فيرز) واحدة من سكان كوكب (هالا)، ويُسمى سكان هذا الكوكب بـ(الكري). في باديء الأمر لقد شاهدنا بما يُسمى بظاهرة الارتجاع الفني لبعض المشاهد المجهولة والمُبهمة، حيث أن هُناك حُطام لإحدى المركبات، ونجد (كارول دانفيرز) مُمددة على الأرض وبجانبها إمرأة مجهولة، وفجأة يظهر هذا الكائن الغريب، وهنا تتلاشى ما يُمكن أن نُسميه بالذكريات المُبهمة المُشوشة.
في تلك اللحظة استطيع بكل ثقة ويقين القول بأن كلا المُخرجَين (آنا بودين) و(ريان فليك) قد نجحا بالعلامة الكاملة في أن يضيفا جوًا خصبًا من الغموض والتشتيت، وفي هذه الحالة لا يكون التشتيت عيبًا تُحاول جاهدًا أن تتخلص منه بأي طريقة ممكنة، يُثبت التشتيت هُنا أنه يلعب دورًا فعالًا جدًا في استفزاز ومُداعبة عقلك حيث تُحاول جاهدًا أن تكتشف وتعرف ما الذي يحدث وكيف يحدث وما هو سبب حدوثه، يضيف الغموض والتشتيت هنا غريزة التدقيق والتركيز فينصب تركيزك كاملًا في كل صغيرة وكبيرة منذ البداية إلى النهاية بدون ملل أو ضيق حيث تُحاول جاهدًا ربط جميع الأحداث معًا حتى تُصبح على دراية كاملة بأحداث هذا العمل القائم . (فيرز) هى مُحاربة صارمة، عنيفة وقوية ولكن ما لا يجعلها من نُخبة المُحاربين هو تحكم هذه الذكريات المُبهمة والمُشوشة بها مما يجعلها هذا تستند إلى قلبها وليس عقلها في أخذ القرارات الحاسمة، وهذا بالتحديد ما لا يقبله (الكري) المحاربين العظماء لكوكب (هالا)، وبسبب هذا كان لا بد على (فيرز) التدرب أكثر فأكثر حتى تستطيع التحكم في مشاعرها الخاصة وتكون قادرة على أخذ القرارات الصحيحة، ولكن ها هى (فيرز) ترفض هذه الفكرة وتحاول التحدث إلى (الذكاء الأسمى) ليسمح لها أن تُشارك مع نُخبة مُحاربين (الكري) في العمليات والمُهمات الخطيرة التي يقوموا بها دائمًا. وهُنا يظهر لنا مُصطلح جديد وهو (الذكاء الأسمى) فنتساءل ماذا يكون ذلك الشيء الذي يُسمى بـ(الذكاء الأسمى) حتى تتحدث معه (فيرز) ليسمح لها بالمُشاركة في هذه العمليات الخطيرة. لقد رأينا من قبل فكرة الذكاء الأصطناعي أو الذكاء المُطلق في الكثير من الأفلام من قبل، ولكن كانت تتمحور الفكرة فقط حول الآلات المُستقبلية والخوف منها بسبب إمكانيتها لتدمير العالم الذي نعيش فيه. لكن السبب الذي دفعني للقول بأنه مُصطلح جديد هى الفكرة التي يتمحور حولها هذا (الذكاء الأسمى) وهى ريادة هذا الكوكب بأكمله فإن هذا (الذكاء الأسمى) يتحكم في كل شيء، كأنه نواة هذا الكوكب الذي يسمح أو لا يسمح بحدوث الأشياء، كأنه نظام الحُكم القائم في هذا الكوكب. أضاف أيضًا (آنا بودين) و (ريان فليك) فكرة التجسيد لهذا الكيان، وهُنا استطيع القول أن هذه الفكرة كانت موفقة إلى حد كبير بسبب ما قُلته من قبل حول كيان (الذكاء الأسمى) وإنحصاره في فكرة الآلات المُدمرة، فهُنا يتجسد لنا هذا الكيان في صورة شخص ولكن ليس أي شخص، بل إنه هذا الشخص الذي تُمجده و تحترمه دائمًا، فقد كان هذا الكيان يتجسد لـ(كارول دانفيرز) في صورة هذه المرأة المجهولة. أخيرًا يُطلب من (كارول دانفيرز) المُشاركة في عملية خطيرة، فإن استطاعت السيطرة على مشاعرها والنجاح في هذه المُهمة فسوف تُشارك مع النُخبة وتكون ضمن فريق المُحاربين، فيتوجب على (دانفيرز) وفريقها أن يُنقذوا أحد أفراد مُحاربين (الكري) حيث أنه يحمل معلومات مُهمة سوف تُساعدهم في القضاء على (السكرل). من وجهة نظر مُحاربين (الكري) فإن (السكرل) هُم فصيلة من المخلوقات الشريرة التي تستطيع بالقليل من التدريب أن تُغير شكلها وحمضها النووي إلى أي مخلوق آخر، ومن ثَم يقوموا بغزو الكواكب واحدًا تلو الآخر، فتُقرر (دانفيرز) القضاء على هذه المخلوقات. تتوالى الأحداث، وفجأة نشهد إتصال بين مُحاربين (الكري) و(رونان)، فمن لا يعرف (رونان) فإنه أحد الأشرار الذين يُحاولون دائمًا نشر الخراب والفوضى، فتنتابني الدهشة و القلق وتتوالى الأسئلة، ما الشيء الذي يجعل مُحاربين نُبلاء مثل (الكري) على صلة بمثل أمثال (رونان)؟؟. تهتز الصورة مرة أُخرى ويزداد التشويش وتُصبح في حيرة، فتُحاول التغلب على نفسك في فهم ماذا يجري، لقد فعلوها مُجددًا (آنا بودين) و (ريان فليك) لقد فرضوا عليك هذا العالم المُشوش المُبهم الذي تُحاول فيه التشبث بأي شيء حتى تُدرك الأحداث، ما يجعل عالم (مارفل) فريد ومُميز هو أنه مُترابط ببعضه البعض بميثاق متين، فما تفهمه وتتيقن منه في فيلم واحد يُفيدك بقدر كبير في فيلم آخر، فإن (رونان) قد ظهر من قبل في (حراس المجرة) ومن هُنا أدركنا مدى شره و بطشه وأعتقد أن نجاح عالم (مارفل) يستند إلى هذا بشكل كبير. تُدرَك الآن الصورة الكاملة والنية الحقيقية لمُحاربين (الكري)، وسعيهم الدائم إلى التخلص من (السكرل) وتشتيتهم في جميع أنحاء المجرة.
أيضًا أسفرت المواجهة المُباشرة بين (دانفيرز) وقائد (السكرل) إلى كشف الحقيقة وراء مُحاربين (الكري) ومعرفة الشر الحقيقي ومن هُم الضحايا، فهذا أيضًا ما أدركته هذه المرأة المجهولة التي تزور أحلام (دانفيرز) دائمًا فلقد حاولت أن تحمي (السكرل) من بطش (الكري)، فها هي (دانفيرز) تتذكر أصلها والمرأة المجهولة، إن (دانفيرز) واحدة من سكان الأرض وهذه المرأة المجهولة هى مُعلمة (دانفيرز) دكتور (ويندي لاوسون) أو (مار- فل) وهى من أصول (الكري) لكنها لم تتحمل شرهم وحاولت جاهدًا أن تُنقذ (السكرل). الشئ الرائع هُنا الذي يجب الإشادة به بشكل كبير هو قيام (آنا بودين) و(ريان فليك) بوضعك في حالة من التحول العاطفي، فتتحول من الكره الشديد لمخلوقات (السكرل) إلى الحب والعطف عليهم، ومن حب وتشجيع (الكري) إلى بُغضهم الشديد، ومن هُنا يجب أن نعترف بأن القائمين على الإخراج قد استطاعوا أن يتحكموا في مشاعرك وأهواءك. نأتي هُنا إلى المرحلة التقييمية، وغالبًا ما تكون هذه المرحلة هى الأصعب من وجة نظري، لأنني أُحاول جاهدًا تجميع جميع عناصر هذا العمل حتى استطيع بشكل صحيح تقييم كُل عُنصر من هذه العناصر.
إن المرحلة الإخراجية يُمكن أن تكون مُتوسطة أو أعلى من المُتوسطة بقليل، فقد نجح كلا من (آنا بودين) و(ريان فليك) بأن يُحيطا هذا العمل بغيمة من الغموض في بداية هذا الفيلم، وكان لهذا أثر واضح ومُهم كما ذكرت سابقًا، أيضًا لقد قاموا بشيء أعتبره شخصيًا قمة في المصداقية واحترام عقل المُشاهد، وهو إظهار لنا عدم إدراك سكان كوكب الأرض بوجود حياة أُخرى خارج نطاقهم، وكان هذا واضحًا في عدم تصديق (نيك فيوري) لـ(فيرز) عندما حدثته عن (السكرل) على عكس أفلام (مارفل) الأُخرى مثل سلسة أفلام (المنتقمون)، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن (كابتن مارفل) هي أقدم بطل حارب لنصر الحق ومن بعدها توالى الأبطال الآخرون، وهذا يُفسر إعتيادية سكان الأرض على وجود أخطار خارجية يُمكن أن تُهدد أمنهم في الأفلام الأخرى، ولهذا السبب ذكرت أن هذه البطلة (كابتن مارفل) رحلة قد بدأت من الماضي، وسوف تُكمل إلى المُستقبل في مواجة منبع الشر الأقصى (ثانوس) في الجزء الأخير من (المنتقمون). الشئ الذي أُعيبه في هذا العمل هو عدم وجود نشأة ملموسة لإسم (كابتن مارفل)، فنحن كمشاهدين لم نعرف سبب هذا الإسم وحتى عندما تم ذكره ذُكر ك(مار- فل)، ودل هذا على القائدة (ويندي لاوسون)، أيضًا لم تُنادى (كارول دانفيرز) بـ(كابتن مارفل) أبدًا فإما كانت تُنادى بـ(دانفيرز) أو (فيرز) على عكس جميع الأبطال الخارقين الذين يستعملون أسماؤهم المميزة، ما أُعيبه أيضًا هو عدم وجود المصداقية في سفر (دانفيرز) إلى الفضاء مع أصدقاءها على الفور بدون أي إجراءات مناسبة، علمًا بأنها المرة الأولى لأصدقاءها في مواجهة خطر من هذا النوع، فها هم في السفينة وها هُم ينطلقون كأن (آنا بودين) و(ريان فليك) لم يريدا تسليط الضوء على هذه النقطة، بل أرادوا تسليطه على نقاط أكثر أهمية وهُنا يُمكن أن يكون هذا مقبول. المرحلة التمثيلية لم تكن بالأسوء أو بالأحسن، فقد كان التمثيل عاديًا جدًا. تغيب هُنا الموسيقى التصويرية غياب تام، فنادرًا ما تُسمع هذه الموسيقى الإعتيادية، وهذا تحديدًا ما أمقته في أي عمل سينمائي، فإنك تستطيع بالموسيقى أن تُضيف شتى ومُختلف المشاعر والأحاسيس المطلوبة لإحياء العمل. نأتي هُنا لأحد الفواصل القريبة إلى قلبي في هذا العمل وهى النهاية، النهاية هُنا كانت بمثابة البداية، فلكل عمل عظيم لابد من وجود بداية له وما أقصده هُنا هو بداية عصر جديد، عصر يوجد به ما يُدافعون عن الخير وينتقمون من الشر، وهذا بالتأكيد ما أدركه (نيك فيوري) من ضرورة وجود مشاريع أُخرى غير (كابتن مارفل) قادرة على نصر الحق، ومن هذه النهاية فقد بدأ عصر الأبطال الخارقين لعالم (مارفل). تتميز (مارفل) كعادتها بإضافة هذه المشاهد الإضافية دائمًا بعد نهاية جميع الأفلام التابعة لها، ففي نهاية هذا الفيلم يوجد مشهدان استطيع القول بأن المشهد الأول رائع فهو يُعتبر مدخل لدخول (كابتن مارفل) إلى عالم (المنتقمون) من أجل الملحمة الأكبر وهى مواجهة (ثانوس) في الجزء الأخير من سلسلة (المنتقمون)، أما المشهد الثاني لم أجد له قيمة كبيرة حتى أذكره. فى النهاية أرجو أن تكون هذه المُراجعة قد نالت إعجابكم واستطيع القول بأن تقييمي لهذا العمل هو : 2.3/5