الظل هو الدينامو أو التيمة الرئيسية التي بنيت عليها فكرة فيلم عندما أضعت ظلي، فعندما يتخلى الظل عن الجسد في الظلام في منطقة معتمة خالية تمامًا من الضوء، يختفي الإنسان بالتبعية، مما يعكس تأثير ويلات الحرب. جاءت هذه الفكرة للمخرجة سؤود كعدان عندما إطلعت على بعض الصور الأرشيفية لهيروشيما في اليوم التالي عقب حادث إلقاء القنبلة النووية أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، ظهرت فيها المدينة مدمرة بالكامل، ولم يتبقي منها سوى الظلال، ومن هنا شعرت بالخوف للمصير الذي من الممكن أن يواجه سوريا في يوم من الأيام. فيلم "يوم أضعت ظلي" والذي شارك في عدة مهرجانات عالمية، وفاز بعدة جوائز، ومنها جائزة أفضل فيلم في مسابقة آفاق السينمائية في مهرجان فينيسيا العام الماضي، وكذلك جائزة لجنة التحكيم لأفضل إخراج للأفلام الروائية في مهرجان لوس أنجلوس، بالإضافة إلى مشاركته في مهرجان الجونة ومهرجان البندقية السينمائي في إيطاليا. تدور أحداثه في الأيام الأولى من عام 2012 حول أم تدعى سناء، وهى صيدلانية تعيش مع ابنها البالغ من العمر 9 سنوات في إحدى ضواحي دمشق المحاصرة في الحرب، وذات يوم تفرغ إسطوانة البوتجاز، وتجد نفسها مضطرة للذهاب لإحضار إسطوانة بوتجاز في رحلة مليئة بالمخاطر حتي تعد الطعام لابنها.
وقد اختارت المخرجة الغاز كأبسط حقوق الانسان للتعبير عن معاناة الشعوب أثناء الحرب دون الحاجة إلى اللجوء إلى مشاهد قصف مباشرة وقد سبق أن طرحت المخرجة قضية مماثلة من خلال فيلمها "خبز الحصار" عام 2017، والذي دارت أحداثه حول فتاة تعمل كمهربة للخبز والهواتف المحمولة أثناء الحرب، وتتقابل مع جندي هارب من الحرب السورية بعدما تم قتل صديقه أثناء تمارين إطلاق النار على الأشجار وتضطر البطلة لتهريب الخبز تحت معطفها أثناء مرورها بالحواجز مما يضطر الجندي إلى خلع ملابسه العسكرية لتبدأ رحلتهم سويًا.
تبدأ سناء رحلتها وتتقابل مع آخرين، وهم اثنين أشقاء (خليل) و(ريما) والذين خرجوا أيضًا لنفس السبب، ويستقلون نفس السيارة، وتزداد الأمور بهم تعقيدًا عندما يهرب بهم سائق التاكسي من نقطة تفتيش لاحتفاظه ببعض المواد المصورة للتظاهرات، ليجدوا أنفسهم الثلاثة في نقطة مجهولة خارج دمشق ويتصارعون للبقاء، ومن هنا يصبح الظل له أكثر من معنى، وتمت الاشارة له عدة مرات أثناء العمل، فمن الممكن أن تكون الأخت ريما هى التي فقدت ظلها عندما أصر شقيقها للمضي بمفرده لمحاولة إيجاد حل لعودتهم للمنزل بعد أن توسلت إليه شقيقته ألا يفارقها حتى يعود لها جثة هامدة، لأنه قد اعتاد على المشاركة بالتظاهرات كل يوم جمعة، والتي اعتادت النساء القرويات في ريف دمشق أن يقوموا بحفر قبور أزواجهم استعدادًا لعودة رجالهم من التظاهرات في مشهد شديد القسوة، يستعرض الفيلم فيه بعض القبور المجردة من أي شيء سواء بأرقام معينة لا دلالة لها بالتحديد، مما يعبر عن أن الحرب أصبحت أمرًا اعتياديًا، وعلى الجميع أن يتعايش معه، ومن الممكن أن يكون ابن سناء هو الذي فقد ظله بعد أن سافر أبيه وتركته أمه بحثًا عن إسطوانة الغاز ولم تعد إلا بعد مرور 3 أيام.
يبتعد الفيلم كل البعد عن المعالجة الصاخبة أو المباشرة للحرب وطبيعة الصراعات والانقسامات داخل سوريا، بينما تسير المعالجة الدرامية مشابهة للأفلام التسجيلية، والتي تعكس الواقع المرير دون الحاجة إلى استخدام موسيقي تصويرية، وﻷن الظلام هو المحرك الرئيسي للعمل، فإن اللعب بالاضاءة كان أهم ما يميز الفيلم، وهو ما نجحت فيه المخرجة سؤؤد كعدان منذ مشاهد انقطاع الكهرباء في بداية الفيلم، مرورًا ببقاء الأسر المنكوبة على أضواء الشموع حتى مشهد النهاية بعد أن استطاعت أخيرًا العودة بعد حصولها علي إسطوانة البوتجاز، والتي قامت بإشعاله لفترة دون وضع أي طعام عليه، مما يعكس عدم استيعابها للحصول على التدفئة.