ربما تكون المعلومة الأكثر تكرارًا في كتابات الصحافة السينمائية العربية المتعلقة بمهرجان كان هي أن فيلم "وقائع سنين الجمر" للمخرج الجزائري محمد لخضر حمينة هو الفيلم العربي الوحيد الذي نال سعفة كان الذهبية عام 1975، لا سيما في كتابات الأجيال الأسبق من النقاد، والذين كان كثير منهم يتعامل مع المهرجانات السينمائية بمنطق بطولات الكرة، فالفيلم العربي يشارك لتمثيل دولته وشعبها، وبالتالي فعلينا أن "نُشجع" العمل الذي يُمثلنا في المنافسة.
إلا إنه بين فوز لخضر حمينة بسعفته الوحيدة منتصف السبعينيات وبين يومنا هذا في ختام العقد الثاني من القرن العشرين، قرابة النصف قرن تغيرت فيه الكثير من الحسابات والمعايير، فخفتت بشكل ملحوظ نبرات الشوفينية القومية في أغلب المتابعات الرصينة لحساب الانتصار للمواهب حتى لو انتمت نظريًا لـ"معسكرات الأعداء". صحيح أن المشاركة العربية تظل موضوع اهتمام دائم بحكم اهتمام وسائل الإعلام وقراء اللغة العربية بالأعمال الآتية من دول المنطقة، لكن نزعة التنافسية القومية تفككت بشكل كبير، على الأقل في الكتابات التي يمكن أن نأخذها على موضع الجد. تغيير آخر جرى خلال نفس الفترة هو موضوع مقالنا هذا، وهو اختلاف موازين القوى السينمائية العربية ونقاط الثقل التي تُصدّر النسبة الأكبر من المواهب في المنطقة؛ ونظرة واحدة على اختيارات مهرجان كان الثاني والسبعين، سواء في برنامجه الرسمي أو أقسامه الموازية، تكشف عن القيمة التي صارت الأفلام الآتية من منطقة المغرب العربي تمتلكها في حسابها لدى المهرجان الأكبر في العالم.
خلاف حول العدد ثمانية أفلام عربية الإنتاج تُشارك في كان 72: فيلم في المسابقة الرسمية، فيلمان في مسابقة نظرة ما، فيلمان طويلان وآخر قصير أسبوع النقاد، فيلم في نصف شهر المخرجين، وفيلم قصير في مسابقة المدارس، بالإضافة إلى فيلم بريطاني الإنتاج عربي الموضوع ضمن العروض الخاصة، وفيلم كندي تنسبه بعض الكتابات للعرب اعتمادًا على جذور مخرجته مونيا شكري، الممثلة التي عُرفت دوليًا من مشاركتها في فيلم المخرج زافيه دولان "دقات قلب Heartbeats"، والتي تحمس مهرجان كان لفيلمها الأول كمخرجة "حب أخ A Brother's Love" لدرجة اختياره ليكون فيلم افتتاح مسابقة نظرة ما، ثاني مسابقات المهرجان أهمية. إلا أن مونيا شكري عربية بنفس قدر كون زافيه دولان مصريًا لأن عائلته هاجرت من مصر إلى كندا في ستينيات القدر الماضي، وبالتالي فوضع فيلم كندي اللغة والإنتاج والموضوع في قوائم السينما العربية هو نوع من المبالغة المرفوضة. أما الفيلم بريطاني الإنتاج عربي الموضوع فهو "من أجل سما For Sama" إخراج مشترك بين السورية وعد الخطيب والبريطاني إدوارد واتس، وهو تسجيلي يرصد حياة مخرجته داخل سوريا لمدة خمس سنوات تالية لاندلاع الأحداث الدامية في البلاد. الفيلم ينتمي لقائمة نادرة في كان وهي الأفلام التي يُعجب بها المهرجان لدرجة الموافقة على عرضها بعد مهرجانات أخرى؛ فقد أقيم العرض العالمي الأول لـ "من أجل سما" في مارس الماضي ضمن مهرجان ساوث باي ساوثويست الأمريكي ليجمع جائزتي الجمهور ولجنة التحكيم الخاصة، ثُم عرض في مهرجاني ريفرران في الولايات المتحدة أيضًا لينال جائزة أحسن تصوير، ثم في مهرجان هوت دوكس بكندا حيث لينال جائزة لجنة التحكيم الخاصة. الجوائز الكثيرة قد تكون مصدر جذب لكل مهرجانات العالم إلا كان الذي يشترط استضافة العرض العالمي الأول لأفلامه، لذا فمن المتوقع أن يوضع "من أجل سما" تحت المجهر باعتباره حصوله على هذا الاستثناء أمرًا يؤكد إعجاب المهرجان الهائل بالفيلم. ورغم أن الفيلم لا يملك منتجًا عربيًا، إلا أن موضوعه ومكان أحداثه ولغته وجنسية مخرجته كلها أمور تجعل انتسابه للسينما العربية مقبولًا، ليكون الرقم الأقرب للمنطق هو هو تسعة أفلام منها سبعة طويلة، من بينها خمسة أفلام مغاربية طويلة تجعل كان 72 هي دورة السينما المغاربية بامتياز.
خلال الدورة الماضية حضرت السينما العربية في المسابقة الدولية بقوة عبر فيلمي "كفرناحوم" لنادين لبكي و"يوم الدين" لأبو بكر شوقي، حضور يتراجع هذا العام لفيلم وحيد، وإن كانت درجة انتظار هذا الفيلم تجعل حضوره بالنسبة للبعض أكثر قيمة من أي أعمال أخرى. الفيلم هو "وكأنها الجنة It Must be Heaven" للفلسطيني إيليا سليمان، المخرج الأكثر خصوصية وفرادة في السينما العربية المعاصرة، والذي ينتظر الجميع خطوته التالية بعد توقف دام عشر سنوات منذ عُرض فيلمه الثالث "الزمن الباقي" في مسابقة عام 2009. في فيلمه الجديد يواصل سليمان تقديم رؤيته الخاصة للوضع الفلسطيني، بلوحاته المشهدية المشبّعة بالعبث والمهتمة بدقة التكوين والسيطرة الكاملة على كل عناصر الكادر. سليمان هو بطل أفلامه كالمعتاد، هذه المرة يسافر خارج فلسطين، إلى باريس ونيويورك وربما غيرهما، من أجل اختبار إمكانية العثور على وطن بديل. أما كون فيلم "مكتوب، حبي: اللحن الفاصل" هو الجزء الثاني من ثلاثية عبد اللطيف كشيش، والتي أتت بعد فيلمه المتوج بالسعفة الذهبية "حياة أديل – الأزرق أدفأ الألوان"، فهو أمر أغلق الباب في وجه الجدل الذي استمر قديمًا حول أفلام كشيش، المخرج الذي انطلق من السينما التونسية لكنه صار الآن فرنسيًا يصنع أفلامًا فرنسية، رائعة، بعيدة عن السينما العربية وتحديدًا عما يريد القوميون أن ينسبوه إليها! المشاركة تراجعت في المسابقة الدولية لكن مسابقة نظرة ما حافظت على اختيار فيلمين عربيين لمخرجات نساء، فبعد مشاركة "صوفيا" لمريم بن مبارك و"قماشتي المفضلة" لغايا جيجي في 2018، يأتي الدور على المغربية مريم توزاني والجزائرية مونيا مدوّر لصعود درجات مسرح ديبوسيه لتقديم أفلامهما لجمهور نظرة ما، المسابقة المعنية بالتجارب السردية المغايرة في عالم السينما.
"آدم" هو عنوان فيلم مريم توزاني الذي أنتجه نبيل عيوش، المخرج المغربي الشهير وزوج مخرجة الفيلم، تلعب بطولته النجمة البلجيكية مغربية الأصل لبنى أزابال، والتي تجسد امرأة حامل في الثلاثينات من عمرها تسافر من الريف إلى الدار البيضاء بعدما يرفض والد طفلها الاعتراف به، وهناك تلتقي بأرملة في منتصف العمر تعيش مع ابنتها لتنشأ بينهما صداقة من نوع خاص. أما الجزائرية مونيا مدوّر فتتنافس في نظرة ما بفيلمها "بابيشا Papicha"، والذي تدور أحداثه عام 1997 خلال ما عُرف بالعشرية السوداء التي سيطر فيها الإسلاميون المتطرفون على الحياة العامة في الجزائر، وبالطبع على ملابس المرأة وحريتها، إلا أن الطالبة الشابة المهووسة بالموضة نجمة تقرر أن تتحد مع زميلاتها لتنظيم عرض أزياء لتضربن الحائط بكل المحظورات.