ليس الموسم الدرامي الأفضل في رمضان مقارنة بمواسم سابقة تنافست فيها المسلسلات بين الجيد والأفضل، وبالتأكيد ينقص السوق الدرامية الكثير من العوامل التي أدت إلى فشل واضح وجلي في آفاق الدراما المصرية. سطوة المسلسلات غير الرمضانية صارت واضحة، ونقص فكر التأليف وفقر المؤلفين، وضعف الانتاج، وتقاعص كبار الممثلين، جميعها عوامل محددة لفشل كبير ألم بسوق الدراما هذا العام. ولكن في كل نفق مظلم، بارقة امل. وفي كل أزمة، هناك جواد. قد لا يُعد "زي الشمس" هو الحصان الأسود لهذا السباق، ولكنه يتميز بأداء الممثلين، قبل أي شيء أخر.
لاحقت الفوضى مسلسل "زي الشمس" طوال شهور انتاجه، فوضى في الإخراج بين المخرجة كاملة أبو ذكري التي تولت اخراج معظم العمل إلى أن دبت الخلافات وتركت العمل مهدد بالخروج من السباق الرمضاني، ثم تولي المخرج سامح عبدالعزيز باقي حلقات العمل، والذي محى تمامًا أي وجود لاسم أبو ذكري على التتر، الأمر الذي نقل الصراع إلى السوشيال ميديا، حتى حدث صلح مزعم بين الطرفين. وفوضى في التأليف الذي يتكون من المؤلفة مريم نعوم على رأس فريق من 7 مؤلفين، الأمر الذي يستدعي إلى الذهن سؤال خطير: ماذا يفعل مؤلفين ثمانية في تأليف مسلسل مستعار بالفعل من عمل أخر؟ لم يعد غريب على سوق الدراما المصرية الأعمال المعربة، أو الأعمال "المنسوخة بالنص" من أعمال أجنبية أخرى، وسَلَم المشاهد بفقر الأفكار وفقر قدرات المؤلفين الظاهرين على الساحة، ولكن غريب أن يستدعي نقل مسلسل ثمانية مؤلفين!
أين نقطة الضوء إذن؟ إن القدرات التمثيلية في هذا العمل، تجعل المشاهد يغض الطرف عن أي قصور في الاخراج أو فوضى في التأليف، فأسماء سوسن بدر، وأحمد داود، وأحمد السعدني، وريهام عبدالغفور، كفيلة لجذب المشاهد، وكفيلة أيضًا لتضفي على العمل ثقل وإبداع منقطع النظير في الأداء.
دينا الشربيني هى "نور" هذا السباق الرمضاني، أجادت في ظهورها الثاني كبطلة مطلقة، بعدما أخفقت اخفاق شديد في ظهورها الأول العام الماضي في مسلسل "مليكة"، ولعل اخفاقها هذا لم يكن اخفاق أداء، فهى فنانة وممثلة لا يشق لها غبار، ولا خلاف على قدراتها التمثيلية منذ ظهورها في مسلسل المواطن X، ولكن كانت دينا تفتقد للاختيار، فجاء اختيارها الأول على غير رشد، وجاء مسلسلها الأول وصمة تردد للمشاهد ليتابع لها مسلسل جديد. على أي حال، الشربيني فنانة جاذبة، مهما اختلف عليها الناس، أو هوجمت لأسباب في نفوس مريضة، فهي عنصر جذب يجبرك على أن تشاهد. تتلبسك بشخصيتها، فتحب الشر إن كانت شريرة، وتصير وراء تيار الشباب ولو كنت كهل، أو تشعر بالانكسار والضعف، إذا ارتدت عباءة قلة الحيلة. هكذا هي دائمًا في مختلف أدوارها وأعمالها. ولكن لعل المشاهد عن كثب لتطور الشربيني، يتفق معي في كونها وصلت لمرحلة نضج في الأداء وتمكن وممارسة لم يسبق لها أن وصلت إليها. وقد برزت تلك القدرات في الحلقات العشر الأولى من العمل، بين انفعالاتها حين علمت بخطيئة أختها، وانفعالاتها حين فقدتها. شخصية "نور" ليست بالشخصية السهلة، فهي تصارع وجدانيًا ونفسيًا الأمرين، بين حبها لأختها الوحيدة، وكراهيتها للمرأة التي سلبتها حبها الأول، وحزنها على ابناء أختها اللائي في الآن ذاته ابناء الرجل الذي خان حبها. شخصية تتصارع فيها الشخصيات، وتتقاتل لتقود زمام أمرها، وقد سيطرت الشربيني على مداخل الشخصية كلها، فلم يفلت منها - حتى الآن - تعبير، ولم تخطيء وتبالغ في آخر. تجدها أخت حنون عند رأس جثة اختها، وحبيبة مجروحة عند تلاقي عينيها بخطيبها السابق، وخالة صارمة حانية مع ابناء أختها، وحبيبة مترددة فقدت الثقة في الرجال مع الرجل الذي يحبها. نظرات محكمة، وانفعالات غير مبالغ فيها، وقدرة هائلة على جعلك تقع في حب "نور" منذ اللحظة الأولى التي خرجت فيها إلى عملها في لندن.
قد يتصارع الكثير على نجوميتها، وقد يكرهها البعض لنفوسهم المريضة، وقد تكون محل حسد وحقد، وقد تختار أعمال خاطئة، ولكنها تبقى دائمًا قادرة على النفاذ إلى قلبك فور تقع عيناكَ عليها، لِمَ لها من وجه نضر خالي من المبالغات التجميلية، وأداء متزن صادق لا تشعر أبدًا أنكَ أمام ممثلة، بل أمام شخص يعيش في الواقع، شخص حتمًا سيأتي يوم وتقابله.