في تجربة أقل ما يقال عنها صادقة ومتقنة للغاية وحبكة درامية فريدة من نوعها، استطاع المخرج جيمس مانجولد ان يأخذنا في رحلة مشوقة بداخل سيارة فورد طراز GT 40 بصحبة العظيم كريستيان بيل والمخضرم مات ديمون لسرد أحداث قصة حقيقية حدثت فى مدينة لومان الفرنسية أثناء سباق السيارات الشهير لومان عام 1966 الذي نافست فيه شركة "فورد موتور" مع رائد عالم سباق السيارات في ذلك الوقت،"إنزو فيراري"، ضمن فعاليات سباق "لومان" المشهور عالميًا والذي يمتد ل24 ساعة تندلع من الفجر وحتى الغسق، وتستمر في منتصف النهار ومنتصف الليل غير عابئةٍ لقطرات المطر أو لأشعة الشمس الحارقة، وصولًا لخط النهاية الذي يحسم من هو البطل والقادر علي مجابهة العوامل الصعبة بسرعاتٍ جنونية.
كان من المفترض اختيار كل من توم كروز وبراد بيت لتأدية دور كارول شيلبي وكين مايلز، ولكن في نهاية الأمر تم اسناد الأمر لبيل وديمون من قبل المخرج مانجولد، وكان الاختيار موفق للغاية كأنما خلقوا لتأدية هذه الأدوار.
يقدم كريستيان بيل أداء جيدًا كما كان متوقعًا منه مجسدًا للشخصية بكل سلوكياتها ولهجتها في التعبير عن الأمور ومشاعرها تجاه العائلة ومثلها للحلم بفوزٍ ساحق في معركة "لومان"، يكفي مشاهده بداخل عربة السباق وسيعرف الجميع مدي شغف "بيل" بالدور وقدرته علي جعل أبعاد الشخصية مادةً مرئية للجميع يرصدون بأعينهم إبداع غير مسبوقة للفتي الإنجليزي الأنيق.
علي الجانب الأخر، يعود مات دايمون إلي سابق عهده من جديد حاملًا على أعتاقه مسؤولية خروج شخصية "كارول شيلبي" بالشكل الذي قد يضمن له تكريمًا ما بإحدى المحافل الكبرى بموسم الجوائز، فهو الفتي القادم من تكساس ذو الصرامة الفارعة والجدية في التعامل مع الأمور برمتها، وتلك مواصفات لم تكن مناسبة سوي عندما يرتدي "دايمون" القبعة ويبدأ رحلة البحث عن ما قد ينعش أماله في النهوض من أجل النصر في حلبة الموت.
ونجاح هذا العمل الفني يعود للمخرج جيمس مانجولد الذي امتلك موادٍ كافية للعمل بها وهو الذي أبرز النص بكل منعطفاته بفلسفة إخراجية مثالية بدءًا من اللقطات العريضة المفتوحة والزوايا القريبة من مضمار السباق وحتى التي تميل لتقنية "" Extreme Close-up لعكس الحالة الظاهرية على وجه "مايلز" على وجه التحديد في الوقت الذي يتم فيه التنافس بسرعة تزيد عن 200 ميل في الساعة، مما تسبب ذلك في إثارة مجموعة من المشاعر لدي المشاهد بمرور الأحداث وقربها من خط النهاية.وبالرغم يحمل إسم Ford vs Ferrari في إشارةٍ واضحة إلى ذلك الصدام الذي دار بين عمالقة صناعة السيارات من أجل السيطرة وضمان أعلي نسبة من الحرفية إلا أن محتواه ابهر الجميع بنهجٍ قصصي أكثر رونقًا لا يرتكز علي حدثٍ أحاديٍ فحسب، بل يضيف إليه أبعادًا أكثر إنسانية ودرامية تساهم في قابلية المشهد التاريخي وتعطي نكهةً للتجربة الإنسانية لم تكن لتخلق سوى لحمل إحدى رايات الأفلام المفضلة عند الكثيرين هذا العام.
ما يحسب لصناع الفيلم وعيهم التام في إختيار المادة التاريخية التي تصلح كعملٍ سينمائي يروي للجميع من وحي الماضي و لحظاته الساحرة، وذلك قاعدةٍ أساسية يجب أن يوقنها صناع الأفلام المستقبلين خصوصًا ممن تغريهم السير الذاتية لأشهر الشخصيات المؤثرة في السابق بأنه يجب التيقن من المحتوي المناسب بكافة مفرداته وتفاصيله في كونه منتجٍ سينمائي مغري لكافة الأذواق أم أنه سيكون لقمةً سائغة لشبح الإنتقاد الصحفي والجماهيري نتيجة عدم الكفائة السردية أو حدوث شئٍ من الملل أو خيبة الأمل من سؤء الحبكة وما شابه ذلك، وذلك ما حدث في "Ford Vs Ferrari" الذي ما خاب في أية عنصرٍ سينمائي وكافأ الكل في ذلك الوقت من العام بتجربةٍ ذات مستويٍ عالي مثله مثل بقية أفلام موسم الجوائز.
فيلم "Ford Vs Ferrari" ليس مجرد رواية لحادثةٍ تاريخية هدفها إمتاع المشاهد بإثرائها لسباقات السرعة وما يدور خلف كواليس المؤسسات المنوطة بذلك المجال، بل هو تجربةٍ إنسانية تصور ماهية النتائج المترتبة عن إنتصار روح المبادرة نحو الهدف مهما كان الثمن، وإنتصار الصداقة علي غيظ الكائدين، وإنتصار الرؤية السديدة والتفاني في إبداع الصواب علي إملائات البيروقراطية وأيديولوجياتها المهمينة علي كل شيء.