تحذير هذا المقال قد يحتوي على حرق لبعض أحداث الفيلم
بعد انتهاء حفل الجولدن جلوب الـ77 هذا العام تسائل محبي وعشاق السينما عن ماهية الفيلم الذي أطاح بالـجوكر و Marriage story وحتي فيلم الكبار The Irishman، لم يكن عُرض بعد علي شاشات السينما و لم يضم نجوم الصف الأول في التمثيل وكل ما تم معرفته عن الفيلم هو المخرج الانجليزي الكبير سام ميندز مخرج أفلام بوند الحالية والفيلم الساخر "الجمال الأمريكي" كيفين سبيسي عام 1999، فما الذي ميز هذا الفيلم ليثير هذه الضجة وحصوله علي هذا الجائزة القيمة؟
تم معرفة الإجابة بعد عرض الفيلم في قاعات السينما مما غير من شكل التساؤل وأصبح ما الذي لم يُثيره هذا الفيلم لكي يحرك مشاعره وتعاطف الجماهير تجاه مأساة الحروب وتأثيرها على كل الناس من أول الجنود إلي المواطنين العُزل، وتوضيح البُعد الإنساني المؤلم للحروب وتبعاتها؟
فيلم 1917 يُعتبر علامة فارقة في تاريخ السينما بشكل عام، ومن ناحية الإخراج والتصوير بشكل خاص، الفيلم ماهو إلا "تجربة سينمائية" جديدة وفريدة من نوعها، فيها تكامل رائع بين السيناريو والتمثيل والموسيقى التصويرية وفوقهم التقدم والتطور المذهل في الإخراج والتصوير، الفيلم عبارة عن تحدي للمنطق وكسر لكل ما هو مألوف على المستوى الإخراجي.
نجاح الفيلم يكمن في كاميرا سام ميندز وتقنية ال One Shot الموفقه للغاية التي تجعلك بجوار الجنود وفي حالة ترقب وقلق دائم وكأنك معهم في المهمة وتواجه العقبات التي يواجهوها، وبحرفية عظيمة تجد الكاميرا تنتقل من خلف الجنود ومن الجانب ومن الأمام لإظهار جميع عناصر المشهد بشكل فعال، وهذا التنوع يكسر أي إحساس بالرتابة الذي قد يتسرب مع مرور الوقت، بخلاف استخدام الظلام أو الصخور والأشجار لقطع المشاهد دون الخلل بفكرة ال One Shot. فالتصوير أقل ما يُقال عنه "إعجازي خيالي منقطع النظير" على مدار الفيلم خاصة في مشهد الليل.
تقع الأحداث أثناء الحرب العالمية الأولى، يُوكل إلى جنديين بريطانيين چورچ ماكاي في دور (سكوفيلد) و دين تشارليز تشابمان في دور (بلايك) الذهاب في مهمة مستحيلة شمال فرنسا، حيث يتعين عليهما دخول أرض العدو، من أجل إيصال رسالة لمنع قواتهم المُحاصرة بالداخل من السير تجاه فخ مميت وإيقاف هجوم من الممكن أن يطيح بحياة 1600 جندي خلال الحرب العالمية الأولى، ومن ضمنهم أخو الجندي (بلايك) فيسابقان الزمن في سبيل إيصال رسالة.
فكرة الفيلم واضحة والقصة لا يوجد فيها الكثير من الحبكات إلا أن الفيلم به سيناريو وحوار عميق ومؤثر لأبعد حد يحرك الوعي الإنساني، يأخدك بعيدًا فتتعاطف مع الجنود وتلعن الحروب والدماء، تبكي علي الأطفال الرضع والأمهات الثكالى والجنود المبتورين.
نجم الفيلم الأول وبلا منازع هو الموهوب چورچ ماكاي الذي جعل دور (سكوفيلد) أكبر من مجرد جندي وبمساعدة سيناريو عظيم وجبار استطاع إظهار موهبته التمثيلية الفذة بخلاف مرور جميل لبيندكت كومبارباتش وكولين فيرث في أدوار صغيرة لكنها لاقت استحسان كبير من الجماهير.
أبدع توماس نيومان في خلق موسيقى تصويرية رائعة للغاية ومثيرة للتوتر وداعمة لحالة الترقب وتضيف لكل مشهد البُعد المطلوب منه، بخلاف المؤثرات البصرية والصوتية للفيلم وأماكن التصوير وتنظيم الجموع داخل الثكنات العسكرية أشبه بالحقيقة، كما أن الملابس والمكياج للجرحى والجنود تم عملهم باتقان شديد.
الحقيقة أننا بصدد فيلم دراما وحرب رائع ومميز ويستحق الإشادة الكبيرة التي نالها، ويوجد به مشاهد ولحظات استثنائية مميزة للغاية، ومن الواضح أننا سوف نشهد عدد كبير من الجوائز لتلك التحفة هذا العام.