سمعة سيئة طاردت فيلم "أنا بضيع يا وديع"، الذي أُنتج عام 2011، قبل وأثناء عرضه، وحتى الآن، بسبب تلك الحملة الإعلانية التي سبقته، والتي أنشأتها إحدى القنوات الفضائية، المتخصصة في عرض الأفلام، للترويج لنفسها، واعتمدت فيها على شخصية المنتج السينمائي تهامي باشا (أيمن قنديل)، ومساعده وديع (أمجد عابد).
ويبدو أن نجاح تلك الحملة الإعلانية هو ما شجع المنتج أحمد عبدالعاطي على تقديم فيلمًا من بطولة (تهامي باشا ووديع)، وهو الفيلم الذي اعتبره الجمهور تافه وعديم القيمة بمجرد الإعلان عنه، خصوصًا مع وجود عارضة الأزياء والممثلة اللبنانية المثيرة، لاميتا فرنجية، التي ظهرت طوال أحداث الفيلم بملابس مثيرة.
تدور أحداث الفيلم حول المنتج تهامي حسان (أيمن قنديل) الذي يحرص على تقديم أفلام معدومة القيمة لكي يحقق أرباحًا في شباك التذاكر، ويلازمه المخرج وديع شرف (أمجد عابد) في نجاحاته رغم عدم قناعته بتلك النوعية من الأفلام.
وبعد تحقيقه لمكاسب كبيرة، يواجه تهامي قضية تهرب من الضرائب، ويصبح مطالبًا بدفع ستة عشر مليون جنيهًا، فيقترح عليه وديع أن ينتج فيلمًا من الأفلام الجادة، التي لا يُقبل عليها الجمهور، وعندما يفشل الفيلم في تحقيق إيرادات - كما هو متوقع - يُشهر تهامي إفلاسه فيتم إعفاءه من الضرائب.
وتبدأ رحلة تهامي ووديع في البحث عن سيناريو الفيلم حتى يتذكرا الفيلم الجاد الذي كان يريد وديع أن يقدمه قبل أن يبدأ في تقديم أفلام مبتذلة مع تهامي، ويقررا إنتاج الفيلم الذي يحمل اسم "السراب القاتل" على أمل أن يفشل ويحقق تهامي هدفه ويُفلت من مصلحة الضرائب. وتحدث المفاجأة عندما يقدم وديع الفيلم ويحقق نجاحًا فنيًا وجماهيريًا ويجد تهامي نفسه مطالبًا بدفع مبلغ أكبر للضرائب.
السيناريوالفيلم يهاجم نوعية الأفلام الرخيصة التي لا معنى ولا هدف لها، فقط هي تعتمد على المشاهد الجنسية لجذب الجمهور لشباك التذاكر وتحقيق أرباح بغض النظر عن أي شيء آخر.
ورغم نظرة البعض للفيلم باعتباره بلا هدف أو مضمون، إلا أنه يناقش قضية هامة متعلقة بصناعة السينما والمحتوى الذي يتم تقديمه للجمهور، فحجة المنتج الذي يقدم أفلامًا بلا قيمة، دائمًا ما تكون أن الجمهور يريد هذه الأفلام ويُقبل عليها، وهو – المنتج – لا يريد أن يخسر أمواله، لكي يستمر على الأقل في تقديم المزيد ولا تتوقف الصناعة بسبب ابتعاد المنتجين الذين خسروا أموالهم بسبب الأفلام الجادة، التي يسميها البعض (أفلام المهرجانات).
يطرح سيناريو الفيلم هذه الإشكالية ويجيب عليها من خلال فيلم "السراب القاتل" الذي لجأ تهامي إلى تقديمه لكي يخسر بعض أمواله ويستطيع أن يتهرب من دفع 16 مليون جنيهًا لمصلحة الضرائب. ورغم نجاح فيلم "السراب القاتل"، إلا أن المنتج تهامي حسان يقرر في نهاية الفيلم أن يعود إلى الأفلام الرخيصة ويضع لمسته الخاصة على الفيلم الجديد الذي كتبه وديع تحت اسم "أحلام"، والذي حوله تهامي إلى "أحلام مسجلة آداب" لتقوم ببطولته "مونيا" ((لاميتا فرنجية) التي عادت له مرة أخرى بعد أن هجرها الثري العربي الذي تركت تهامي لأجله، أو لأجل أمواله.
تم إظهار المنتج السينمائي تهامي وهو يرافق الفنانة المثيرة مونيا وتحيط به الفتيات في شركته لتكتمل صورة القواد التي أراد صناع العمل تقديمها، وهو ما جعل ظهور الممثلات بملابس عارية أمرًا ضروريًا يساعد في توصيل المعنى المقصود من الفيلم، وإن كنت أرى أن المخرج اهتم بإظهار العري أكثر من اللازم، وهو ما ساعد على ترسيخ صورة الفيلم الرخيص في أذهان الجمهور.الإخراج
قدم المخرج شريف عابدين لقطات بتكوينات جيدة حافظت على الإيقاع المناسب لفيلم كوميدي، وإن كنت أرى أنه أخطأ في تصوير عدد كبير من اللقطات القريبة close shots في فيلم من المفترض – من وجهة نظري – أن يعتمد أكثر على اللقطات المتوسطة medium shots التي تعتبر أكثر لقطات مريحة للمُشاهد.
ولا يمكن بالطبع إغفال دور المونتير عمرو عاصم ، الذي كان له دور كبير في الحفاظ على إيقاع الفيلم الذي عُرض على الشاشة في ساعة ونصف الساعة، فلم يترك مجالًا للمُشاهد لكي يشعر بالملل، خصوصًا وهو يشاهد فيلمًا لفنانين لا ينتمون لفئة نجوم الصف الأول.
التمثيل
اختيار الممثلين كان موفقًا، ومناسبًا لفيلم يعتمد في المقام الأول على نجاح الحملة الإعلانية التي قام ببطولتها (تهامي ووديع).
وأدى الممثلون أدوارهم بشكل بسيط يناسب طبيعة الفيلم، وحتى لاميتا فرنجية، التي لا تصلح أصلًا للعمل كممثلة، كان اختيارها موفقًا ومناسبًا لسيناريو الفيلم، حيث ظهرت في دور ممثلة غير موهوبة تعتمد على إبراز مفاتنها لجذب الجمهور لشباك التذاكر، وهو ما ساعد على توصيل المعنى المقصود من الفيلم.
فيلم "أنا بضيع يا وديع" يعتبر من التجارب الهامة في السينما المصرية، والتي كان من المفترض أن تفتح بابًا لتلك النوعية من الأفلام – لا أقصد بالطبع الأفلام التي تتضمن مشاهد عارية – بل أقصد الأفلام التي لا تعتمد على نجوم الصف الأول، ولا تتكلف مبالغ كبيرة لإنتاجها.
وبالطبع لا يجب أن تكون تلك الأفلام كوميدية، بل يمكن أن تتنوع ما بين الكوميدي والدرامي.
تلك الأفلام توفر فرص عمل للسينمائيين وتفسح المجال لظهور الوجوه الجديدة من مختلف التخصصات السينمائية، مثلما أفسحت المجال للمخرج شريف عابدين الذي لم يقدم أفلامًا أخرى بعد هذا الفيلم (كمخرج)، بل شارك في عدد من الأعمال (أفلام ومسلسلات)، كمصمم إعلان فقط مع أنه نجح – في رأيي – كمخرج، كما نجح أيضًا كمونتير وحصل على جائزة مهرجان المركز الكاثوليكي المصري للسينما عن مونتاج فيلم (ساعة ونص) عام 2013.