حين يتحول الإيمان إلى هوس مدمر في Saint Maud

  • نقد
  • 07:27 صباحًا - 19 فبراير 2021
  • 4 صور



بالرغم من كثرة إنتاج أفلام الرعب، إلا أن القليل منها أصبح يسترعى الإنتباه أو يقدم شيء جديد أو مثير، ومن هنا فإن فيلم الرعب النفسي "القديسة مود" يُقدم تجربة مميزة في هذه النوعية من الأفلام. قام بتأليف وإخراج الفيلم روز جلاس (في أولى تجاربها السينمائية) وتدور الأحداث حول الممرضة المنطوية مود (مورفيد كلارك) والتي تذهب لرعاية سيدة قعيدة ومصابة بالسرطان تسمى أماندا (جينيفر أيهيل)، ومنذ بداية الأحداث نرى مود متدينة بشكل واضح، كما أنها تقوم بإستمرار بعمل مناجاة روحانية، حيث تشعر أنها خلقت من أجل القيام بعمل مميز يقربها من الرب. ولذلك عندما ترى كيف تعيش أماندا بشكل مستهتر من وجهة نظرها، تحاول أن تجعلها ترجع عن هذا الطريق، خاصة وأن أيامها في الحياة أصبحت معدودة. ولكن عندما يحدث صدام بينهما، يتم فصل مود من عملها، حيث تشعر أنها فشلت في مهمتها في إرشاد أماندا إلى طريق الهداية، مما يجعلها تسلك طريق مظلم لا عودة منه.

للوهلة الأولى نجد نوعية الفيلم حول الرعب الديني مشابه لأفلام هامة لا تنسى مثل، The Exorcist لكنه أضاف لمسته الخاصة، حيث أن في قلب القصة التي تركز على دراسة شخصية مود، نجد أنه يناقش خطورة الشعور بالعزلة عن العالم خاصاً لأصحاب النفوس التي تعاني من إضطرابات وصراعات نفسية، مما يجعلهم عرضة للتأثر بعوامل مختلفة قد تجعلهم يفقدوا السيطرة على حياتهم ويتحولوا لأشخاص شديدي الخطورة على أنفسهم ومن حولهم.

فشخصية مود تعيش حياة شديدة الوحدة، حيث لا يوجد لديها أي أسرة أو أصدقاء، وكأنها لا وجود لها في العالم. ومن خلال لقطات متفرقة ومقتضبة نكتشف لمحات عن حياتها الماضية، حيث أنها تعاني من الآثار النفسية لتجربة صعبة مرت بها خلال عملها كممرضة جعلتها تترك حياتها اللاهية وتصبح أكثر تدينًا وإلتزامًا، لدرجة أنها غيرت إسمها من "كاتي" إلى "مود". ولكنها عندما تعمل لدى أماندا تشعر أنها وجدت هدفها في الحياة، فتقول في واحدة من مناجاتها الروحانية " لا يتطلب الأمر شيئًا خاصًا للعناية بالعاجزين والمحتضرين، ولكن لإنقاذ روح هذا شيء لا بأس به"، حيث تسيطر عليها رغبة شديدة في إنقاذ روحها الضائعة حتى وإن كانت أماندا ليس لديها نفس إيمان مود.

وإلى جانب القصة القوية والتي تجعل المشاهد يشعر بالتوتر من أول لقطة في الفيلم وحتى مشهد النهاية، فإن من أهم عناصر الفيلم أداء الممثلة الويلزية الموهوبة مورفيد كلارك، والتي بشكل ما ستجعلك تشعر بمعاناتها ووحدتها بمنتهى البراعة، إلى جانب أداء الممثلة المخضرمة جينيفر أيهيل والتي أجادت شخصية الراقصة السابقة التي تعاني من آلام جسدية جعلتها تفقد إيمانها وتحاول فقط الإستمتاع بحياتها على قدر إستطاعتها. وقد كانت المشاهد التي جمعتهما معًا من أمتع وأقوى مشاهد الفيلم الذي بلغت مدة عرضه 84 دقيقة فقط.

أيضًا نجد الموسيقى المقبضة والمخيفة من تأليف آدم جانوتا بزوفسكي ساعدت في إضفاء طابع التوتر خلال أحداث الفيلم، ثم كاميرا بن فوردسمان حيث إستخدام كادرات ضيقة ولقطات مقربة لوجه مود لتوضح مدى شعورها بالعذاب. وبالرغم من إعتماد الفيلم بشكل كبير على التركيز على "مود" وما تعاني منه من صراع داخلي، إلا أنه لا يخلو من بعض المؤثرات البصرية القوية والمخيفة التي تم إستخدامها بمنتهى البراعة والذكاء.

وقد تم تصوير الفيلم في بلدة سكاربورو الساحلية بإنجلترا مما ساعد على إضفاء الطابع الكئيب للفيلم ،حيث تظهر مود وهي تسير بمفردها في الشتاء بجانب البحر، إلى جانب الغرفة المتواضعة التي تعيش فيها مود والبيت الفخم الذي تقيم فيه أماندا.

وقد كانت الكاتبة والمخرجة روز جلاس تريد عمل فيلم تركز فيه على ما يدور بداخل شخصية البطلة مود، حيث أن ما تؤمن به يختلف تماما عما يحدث بالفعل، مما يجعل المشاهد يتسأل هل فعلا ما تراه مود حقيقة أم أنه أوهام لا توجد سوى في عقلها. لذلك فقد حرصت "جلاس" أن تجعل المشاهد يرى ما تمر به "مود" من منظورها هي فقط، دون التأكيد على أنه حدث بالفعل أم لا. وقد نجحت في عرض فكرتها بشكل متميز وقوي، مما ينبأ بقدوم موهبة نسائية جديدة متمكنة من أدواتها وقادرة على تجسيد رؤيتها الفنية بإحترافية عالية.

في النهاية فإن" القديسة مود" بالتأكيد يقدم مفاجأة سارة لمحبي أفلام الرعب، ستجعلهم يستمتعوا وفي نفس الوقت يصدموا وسيظل هذا الشعور مستمر معهم لفترة طويلة من بعد إنتهاء الفيلم.




تعليقات