عندما تم الإعلان أن المخرج الشهير كوينتين تارانتينو سيقدم فيلمًا عن جريمة القتل البشعة التي تعرضت لها الممثلة شارون تيت (1943- 1969) كان هناك حالة ترقب كبيرة لهذا المشروع لعدة أسباب منها أن هذه الحادثة من حوادث القتل الكبيرة التي هزت المجتمع الأمريكي في فترة الستينات والسبب الأهم كيف سيتناول تارانتينو هذه الحادثة وهو المعروف بمشاهد العنف والدم لذلك صاحب الفيلم حالة كبيرة من الانتظار، لكن مع صدور الفيلم من توقعوا أن يشاهدوا ثوثيق لهذه الحادثة وأسبابها ودوافعها وأن يعرفوا أكثر عن القتلة عائلة مانسون مع إعطاء نظرة عن قرب على حياة تيت وزوجها المخرج الشهير رومان بولانسكي بالتأكيد قد خاب أملهم.
واستخدم تارانتينو هذه الحادثة كإطار فقط لتقديم فيلم شخصي كعادته. تارانتينو لا يُقدم أفلام سيرة ذاتية تقليدية فمن يتوقع هذا من كوينتين تارانتينو بالتأكيد هو لا يعرفه جيدًا، ما فعله تارانتينو هو أن صنع خطين في فيلمه الجديد ؛ خط خيالي تمامًا قدم فيه ممثل يدعى "ريك دالتون" مسيرته الفنية في تداعي يعمل معه دوبليره الخاص "كليف بوث" وهذا هو خط الفيلم الرئيسي وقام تارانتينو بربطه بخط شارون تيت الواقعي (وجعل هذا الخط ثانوي) بأن جعل هذا الممثل الذي يواجه أفول في مسيرته الفنية جارًا لتيت وزوجها المخرج رومان بولانسكي؛ الذي كان قد أخرج وقتها فيلمه الشهير "طفل روزماري rosemary's Baby 1968 وانفتحت أمامه أبواب المجد في هوليوود.
هذا هو أكثر فيلم شخصي قدمه تارانتينو لأنه تناول المرحلة التي شهدت نشأته في هوليود عندما كان طفلًا يحب السينما وكذلك لولع تارانتينو الشديد بأفلام هذه الفترة وتحديدًا أفلام رعاة البقر التي يعشقها ويعتبرها نوعه السينمائي المفضل لدرجة أن جعل اسم الفيلم "حدث ذات مرة في هوليود" تيمنًا بأسماء أفلام المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني (مخرج تارانتينو المفضل) صاحب أفلام الغرب الشهيرة مثل "حدث ذات مرة في الغرب" ، نحن هنا نتحدث عن عام 1969 الفترة التي شهدت نهاية العصر الذهبي للسينما الهوليودية من نوعيات الأفلام الكبيرة الملحمية ونجوم السينما الذين يتمتعون بوسامة كبيرة والنجمات الجميلات على شاكلة جريتا جاربو وأنجريد برجمان، السينما الأمريكية في هذه الفترة شهدت تغيرًا نوعيًا كبيرًا وتأثرًا بالموجات السينمائية التي ظهرت في أوروبا كالموجة الفرنسية الجديدة والواقعية الإيطالية وأفلام المخرج السويدي أنجمار برجمان وأفلام المخرج الياباني أكيرا كوروساوا وغيرها من التيارات السينمائية الجديدة التي أجتاحت العالم وقتها وبالتأكيد تركت أثرًا كبيرًا على هوليوود حيث أصبحت الأفلام تنتج بتكلفة أقل وأصبح المخرجون يقدمون موضوعات شخصية عن الوحدة والعزلة وحرب فيتنام والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في المجتمع الأمريكي وتغير كذلك شكل البطل حيث لم يصبح بالضرورة ذلك البطل الهوليوودي الوسيم مفتول العضلات خاصة بعد ظهور أبطال جدد مثل داستن هوفمان وجين هاكمان لهم صفات جثمانية مختلفة وكانت أشهر أفلام هذه الفترة الخريج The graduate 1967، بوني وكلايد Bonnie&Clyde 1967، ومنتصف ليل راعي البقر Midnight Cowboy 1969 والراكب السهل Easy Raider 1969. تارانتينو في هذا الفيلم قدم ما يشبه التحية (Tribute) لهذه الفترة لنوع السينما الذي يعشقه فطوال أحداث الفيلم نرى إحالات (Refrences) لأفلام ونجوم المرحلة نرى النجم ستيف ماكوين في أحد المشاهد، نرى بروس لي وهو يتباهى بقدراته القتالية، شوارع لوس أنجلوس وأجواءها السينمائية، نتخيل بطل الفيلم ريك دالتون لو لعب بطولة فيلم "الهروب الكبير The Great Escape" بدلًا من ستيف ماكوين. تارانتينو جعلنا نعود بآلة الزمن إلى أواخر الستينات حيث سينما هذه المرحلة وظهور حركات الهيبيز التي كان لها تأثير كبير بشكل عام على المجتمع الأمريكي وتأثير داخل الفيلم بشكل خاص لأنهم من قاموا بعملية الاغتيال البشعة لشارون تيت وكذلك في علاقة أحد الشخصيات الرئيسية بفتاة من الهيبز. في تترات الفيلم الاولى نرى ريك دالتون (ليوناردو دي كابريو) هذا الممثل الذي يجسد أدوار الشر في مسلسلات رعاة البقر وهو يقوم بمشاهده في هذه الأعمال ثم لقاء تليفزيوني يجمع بين ريك دالتون ودوبليره كليف بوث (براد بيت) يوضح لنا هذا اللقاء مدى العلاقة بين الاثنين، ريك دالتون بسبب أفول مسيرته أصبح مدمن على الخمر والتدخين وهذا ما يؤثر على أدواته كممثل، نراه في أحد المشاهد سيقوم بتمثيله أمام فتاة صغيرة نرى هذه الفتاة واثقة من نفسها تتحدث مع ريك بثقة كبيرة بينما يعاني ريك من عدم قدرته على تذكر الحوار بسبب إفراطه في الخمر الليلة الماضية يؤنب ريك نفسه يعود ويقدم أداء يلفت انتباه الجميع هنا يجب أن نشير أن ديكابريو قدم أداءًا مميزًا وقد يكون من أفضل الأداءات في مسيرته الفنية حيث استطاع أن يقدم الشخصية بشكل قائم بالأساس على البساطة وعدم التكلف، وكذاك براد بيت الذي قام بدور دوبليره؛ براد بيت وصل لمرحلة الممثل المخضرم يمثل بكل بساطة تشعر أنه لا يقوم بأي مجهود يذكر ولكن وراء هذا الأداء خبرة كبيرة بجانب تحضير وفهم عالي للشخصية التي يؤديها، الاسترالية مارجوت روبي التي قدمت شخصية شارون تيت جاء حضورها لطيفًا على الشاشة ؛ هي لم تتحدث كثيرًا معظم مشاهدها كانت تشبه "الفوتومونتاج" مع ظهور مميز لكل من آل باتشينو، بروس ديرن ومارجريت كوالي. الفيلم كعادة الكثير من أفلام تارانتينو لا يوجد به حبكة واضحة نحن لا نتابع قصة معينة ذات عقدة ثم إنفراجة في النهاية نحن هنا نتابع شخصيات، البعض إتهم الفيلم بالملل ؛ في هذه النوعية من الأفلام التي لا تحتوي على حبكة أذا لم يحب المشاهد الشخصيات لن يستطيع التفاعل مع الفيلم ، الفيلم هنا هو معايشة للشخصيات ؛ المشاهد يعايش الشخصيات خلال يومهم في عملهم وطقوسهم عندما يعودوا للمنزل، المميز هنا أننا أمام شخصيات يستطيع المشاهد معها بسهولة أن يتفاعل معها ويحبها، أجواء الفيلم نفسها محببة أجواء صناعة السينما، وبالتأكيد لم ينسى تارانتينو ولعه بأقدام السيدات فهناك العديد من اللقطات التي تذهب فيها الكاميرا مع أقدام الممثلات.(الفقرة القادمة تتضمن حرق للأحداث) يجب أن نتوقف عند مشهد النهاية المدهش فتارانتينو هنا مارس لعبة يهواها كثيرًا وقدمها من قبل وهي لعبة "ماذا لو؟" ، كما فعل في فيلم "أوغاد مجهولون inglourious Bastards" 2009 عندما قامت الفتاة اليهودية بحرق هتلر في دار السينما، هنا قام تارانتينو بلعبة ماذا لو تم القضاء على القتلة الهيبز قبل قيامهم بالجريمة، التتابع من البداية تم كتابته وتصويره بشكل مميز نرى أفراد العصابة يصلون إلى منزل ريك دالتون نشاهد حواراتهم مع بعضهم البعض، أحدهما يقول يجب أن نقتل من علمونا القتل (يقصد مشاهد القتل في الأفلام)، ثم يدخلون منزل ريك وليس شارون تيت، هنا تارانتينو يُقدم مشهد دموي ساخر على طريقته المميزة، بطل هذا المشهد هو كليف بوث (براد بيت) مساعد ودوبلير ريك دالتون يتصدى لهم هو وزوجة دالتون الإيطالية ويتم قتلهم بشكل ساخر. هنا تارانتينو يقتص من هؤلاء القتلة لجريمتهم في حق تيت ورفاقها ثم تخرج إحدى الفتيات الهيبز حيث يفاجئ بها دالتون ويقوم بإحضار قاذفة لهب ويشعل بها النار حتى تتفحم ولم يصاب دالتون أو زوجته ورفيقه في هذه المعركة فحين تم قتل العصابة بأكملها وبعد وصول الشرطة وأخذهم الجثث يدخل ريك منزل تيت حيث تدعوه لقضاء الليلة معهم وهنا يحدث التلاقي بين خطي الفيلم الخيالي والواقعي، بالتأكيد مشهد نهاية مميز وسيظل كثيرًا في الذاكرة لتفرده، تارانتينو لم يقدم الواقعة الحقيقية وهي قتل تيت على يد عصابة مانسون حيث استعاض هنا بالانتقام (سينمائيًا) لتيت بقتله العصابة بطريقة بشعة كما فعل في أوغاد مجهولون عندما قتل هتلر محروقًا أيضًا، وكأن لسان حال تارانتينو هذا ما كان يجب أن يحدث مع هؤلاء السفلة.
الفيلم مليء بالمشاهد المميزة منها مشهد ذهاب براد بيت لوكر الهيبز وهذا التلاعب الذي مارسه تارانتينو على المشاهد، مشهد ريك دالتون مع الفتاة الصغيرة، مشهد ذهاب شارون لمشاهدة فيلمها في السينما، تارانتينو قدم فيلمًا ممتعًا بالتأكيد من أفضل أفلامه وسيعاد اكتشافه واكتسابه لجمهور كبير مع الوقت.