أحيانًا يكون الجزء الثاني من العمل هو إعادة استثمار لنجاح سابق وكثيرًا ما يجد نفس النجاح الجزء الأول خاصة أذا حظى العمل بنجاحًا جماهيريًا كبيرًا و لكن هذا لم يحدث في الجزء الثاني من مسلسل "ليه لأ؟! 2" بل على العكس أثار تعاطف شريحة أكبر من الناس نظرًا لأن قصته إنسانية بدرجة كبيرة وهي كفالة الطفل اليتيم وعلى الرغم من أن موضوع التبني تمت معالجته في السينما كثيرًا وكان أشهرها في فيلم "العذراء والشعر الأبيض" وفيلم "لا تسألني من أنا" وفيلم "الصبر في الملاحات"، ولقد رأينا أن كل هذه الأعمال تُعامل فيها الأمهات أطفال التبني بمثابة أبناء من صلبهن، ولكن بالنسبة لمسلسل "ليه لأ" جاء الجزء الأول من القصة على فكرة بها نوعًا من التحدي للمجتمع وكما شاهدنا ناقش العمل فكرة إستقلالية الفتاة وإنفصالها عن أسرتها قبل الزواج والذي انقسم حولها المجتمع ما بين الرفض والقبول، وفي الجزء الثاني من مسلسل ليه لأ تم تناول موضوع التبني من زاوية جديدة وبمزيد من التفاصيل والفكرة جاءت من فتاة لم يسبق لها الزواج من قبل وعلى الرغم من أن حياتها مليئة بالعمل إلا أنها بداخلها كم كبير من العطاء والحنان يشعرها بأنه لابد من وجود من يملاء هذا الجانب الإنساني في حياتها ويُشبع غريزة الأمومة بداخلها ولاقت الفكرة رفضًا تامًا من جميع الأطراف حولها سواء أصدقائها أو شقيقها.
يتميز الجزء الثاني من مسلسل ليه لأ بعدة إيجابيات أهمها أن العمل على الرغم من أنه يناقش مشكلة إجتماعية كان من الممكن أن يتم تناولها كمشكلة يومية من اختصاص وزارة الشئون الإجتماعية خاصة مثل برنامج حياتي وباب ضياء في الماضي، ولكن نظرًا لذكاء المخرجة مريم أبو عوف والتي استطاعت توليف القصة وتغليفها من منظور درامي بحت ساعد على ذلك الكاتبة مريم نعوم والمهمومة دائمًا بمشاكل المرأة المصرية فاستطاعت من خلال العمل أن تناقش قضايا أخرى كلها منبعثة من فكرة الأمومة من خلال تقديم عدة نماذج بما في ذلك المرأة في الصعيد وفكرة الخوف من الخطيئة والقتل دفاعًا عن الشرف فنرى الفتاة الصغيرة التي تهرب بابنتها الرضيعة وتعطيها لمنة شلبي أثناء مرورها بالطريق حتى لا يقتلها والدها، يليه مشهد ضرب الأب لابنته بعنف شديد وكما هي النغمة التي ما زالت سائدة في الصعيد بالاضافة إلى زواج الفتاة في سن صغيرة، كما تناول المسلسل مشكلة إكتئاب الأم التي تفقد ابنها في سن صغير من خلال شخصية دنيا ماهر والتي ترفض فكرة التوأم مع الحياة مرة أخرى وترفض أي محاولة للإنجاب مرة ثانية مما أثر على علاقتها بزوجها خاصة لشعورها بالذنب بانها كانت مقصرة في حق ابنها ولم تعطيه الاهتمام الكافي.
وعلى الجانب الأخر نرى الشخصية النقيدة تمامًا لدنيا ماهر وهي سارة عبدالرحمن و الرافضة لفكرة الأمومة والتي لم تكن لها الرغبة في الإنجاب نظرًا لأنها فتاة طموحة ترى أن الإنجاب سيقلب حياتها راسًا على عقب مما جعلها غير مهتمة بابنتها وتتركها دائمًا لوالدها أحمد حاتم وشعورها بالأمومة ينتابها أحيانًا ولكنها تستغله كوسيلة للسيطرة على طليقها ومحاولة الإيقاع به وابتزاز مشاعره مرة أخرى، بالاضافة إلى يارا جبران زوجة مراد مكرم شقيق منة شلبي والتي أساءت تربية ابنها بتدليلها الزائد له وتبريرها لكل تصرفاته حتى صُدمت بسرقته لأغراض وهواتف تخص أصدقائه في المدرسة. ومن النواحي الإيجابية للعمل أيضًا أنه لم يتسم بالميلو دراما الشديدة التي إعتدنا رؤيتها بإستمرار عند مناقشة أي موضوع يخص الأيتام أو دور الرعاية وسوء معاملة الأطفال، بل اكتفت المخرجة مريم أبو عوف ببعض المشاهد في الحلقات الأولى نري فيها بعض الفتور في معاملة الأطفال ورفض المجتمع لابنائهم للاختلاط بهم وقسوة المعاملة في دور الرعاية بل سرعان ما تجاوزنا هذه المرحلة لنرى تقبل مراد مكرم وتعاطفه مع الطفل والتي قامت شقيقته بكفالته على الرغم من رفضه للفكرة في البداية وكذلك زوجته وكثير من المحيطين به حتى استطاع الطفل التكيف مع المجتمع حوله بشكل سريع. كما نجحت مريم أبو عوف في حسن اختيار الطفل سليم مصطفى والذي خطف قلوب الملايين نظرًا لبساطته وبراءته وتلقائيته في الأداء بالاضافة إلى حساسيته الشديدة عند شعوره بأنه شخص منبوذ غير مرغوب فيه من المجتمع حتى وصل به الأمر لهروبه من منة شلبي حتى لا يكون عبئًا ثقيلًا عليها في الحلقة الأخيرة إلى أن لهفة منة شلبي عليه واحتضانها له هو وأحمد حاتم أشعرته باحتياجه لأم وأب ليكونوا بديلًا عن فقدانه لأبويه ليكون العمل في النهاية مكتملًا لجميع عناصر النجاح ليثبت أن الفن في النهاية رسالة وأن القوة الناعمة هي السلاح الوحيد لتقديم أي مجتمع خاصة أنه ليس العمل الأول في الفترة الأخيرة الذي يناقش قضية إجتماعية وإنسانية تكون محط اهتمام لجميع أطياف المجتمع، بالاضافة إلى حسن اختيار أماكن التصوير واللجوء الى المناطق الطبيعية كما شاهدنا في الجزء الأول من الععمل بالأضافة إلى بساطة الديكور والذي لم يلجأ للفيلات والأماكن الصاخبة، وبالنسبة للنجمة منة شلبي فاستغلت خبرة السنين في عمل متميز يتضمن الكثير من المشاعر المختلطة، ويليها الفنان مراد مكرم والذي يثبت في كل مرة أنه يملك مواهب جديدة قادرة على مفاجأتنا.