(تحذير: هذا المقال يُعبر عن رأي كاتبه فقط وبه حرق للأحداث).
الزمن بطيء جدًا لمن ينتظر طويلًا جدًا، لمن يتألم سريعًا جدًا، لمن يحتفل.. فهل تستطيع أن تعود بعقارب الساعة إلى الوراء
كل هذه العبارات تناولها مسلسل 60 دقيقة، والذي تشعر منذ مشاهدته من الوهلة الأولي انك بصدد عمل مختلف، فعقارب الساعة والزمن كان المفتاح الرئيسي الذي سيطر على جميع تفاصيل العمل حتي في الموسيقى التصويرية لتامر كروان، والتي اعتمدت بشكل أساسي على صوت دقات الساعة، تارة في جلسة عيادة الطبيب النفسي وهي مدتها 60 دقيقة أو في الدقائق المتبقية قبل تنفيذ حكم الإعدام، وأحيانًا الدقيقة تكون فاصلة بين الحياة والموت.
كل هذه المقدمة مجرد مدخل أو افتتاحية للعمل الذي يناقش عدة قضايا هامة شديدة الحساسية، والخطورة لأنها تمس مناطق محظورة أو الممنوع الاقتراب منها.
مبدئيًا المسلسل ينتمي إلى الدراما النفسية وهي تيمة مفضلة لكثير من الجمهور، وتتطلب مواصفات خاصة يتم ملاحظتها من الحلقة الأولى ومنها مشاهد التأمل والبطئ في الحركة واﻹضاءة الخافتة بالإضافة إلى التصرفات الغير مبررة. أبدعت المخرجة مريم أحمدي، التي بذلت جهدًا كبير للوصول بالعمل إلى هذا المستوى. فأولى الحالات النفسية نجدها في بطلة العمل ياسمين رئيس زوجة الطبيب النفسي الشهير والتي نلاحظ أنها غير سعيدة في حياتها، تتناول مضادات اكتئاب وينتابها شعور مستمر بالذنب حتى مع فتاة لا تعرفها، والتي استعانت بها قبل الإقدام على الانتحار وكذلك أشياء أخرى متعلقة بماضيها مثل تخليها عن حبيبها، وخيانة صديقتها.
كل هذه العوامل أدت إلى تراكم شعورها بالذنب والذي يصل إلى حد مُرضي يصيبها بالرغبة في تدمير الذات، فكانت أحيانًا لا تشعر بالآلم الجسدي إلى درجة أنها أحيانًا تجرح نفسها دون أن تشعر بالألم وهي المرحلة التي تسبق الميول الانتحارية. تزداد معاناتها النفسية بعد الشائعات والاتهامات التي بدأت تلاحق زوجها الفنان محمود نصر بأنه يقوم بالاعتداء الجنسي والتحرش بمريضاته والتي أقدمت إحدهن على الانتحار بعد أن فشلت في إثبات ما فعله الطبيب بها والذي تسبب في رفضها لزوجها وتدمير حياتها بالكامل.
تتصاعد الأحداث بشكل كبير بعد انتحار إحدى مريضاته (محمود نصر) في عيادته الخاصة ورفض بعض مريضاته استكمال علاجهن في عيادته الجديدة لتبدأ زوجته في البحث عن ما يحاول اخفاءه لتتأكد من عدة مصادر أنه بالفعل متحرش جنسيًا ويتضح أنه شخص سيكوباتي يعاني من اضطراب السادية الجنسية يشعر بالنشوة والراحة النفسية بايذائه وتعذيبه للأخرين وخاصة لمن هم أضعف منه لنجد بالعودة إلى الوراء عن طريق الفلاشباك والتي تم مزجه بشكل متميز مع دقة شديدة في اختيار الشخصيات المتشابها في الملامح بين الأبطال في المراحل المختلفة من العمر ليتضح أن الأزمة ترجع إلى جذور قديمة في مرحلة طفولته والذي عانى منها من سلوكيات شاذة مثل خنقه للقطط وإيذاءه لزملائه في المدرسة الأمر الذي لاحظه والده والذي كان يُعاني من حالة اكتئاب شديدة والذي استعان بطبيب نفسي لمعالجة ابنه والذي أكد له أنه طفل غير سوي منعدم الشعور بالاحساس والمشاعر وأن الأمر يرجع إلى أسباب وراثية أو خلل كيميائي في المخ الأمر الذي رفضته والدته الفنانة سوسن بدر تمامًا والتي أصرت على إيقاف علاج ابنها وزوجها عند الطبيب الأمر الذي أدى إلى انتحار زوجها واهمال علاج ابنها حتى وصل إلى أقصى حالاته من العنف والنرجسية الشديدة وانعدامه التام للشعور. كما سلط العمل الضوء على قضايا هامة بما في ذلك الاضطرابات النفسية والعلاقات الزوجية المشوهة بسبب وجود المشاكل الجنسية بالأضافة إلى نظرة المجتمع لقضايا القتل المتعلقة بالشرف والكيل بميكيلين فيما يخص الرجل في حالة ثأره لشرفه في مقابل المرأة عندما تنتقم لشرفها وانسانيتها ولكن أهم من كل ما سبق هو الاهتمام الشديد بمرحلة الطفولة وبأي اضطرابات أو علامات غير سوية أو سلوكيات غريبة تظهر على الأطفال والتي بدأت الدراما تهتم بها كثيرًا مثل مسلسل خلي بالك من زيزي والذي ألقى الضوء على مرض الـAdhd والذي تسبب اهمال الأهل في علاج ابنتهم وسوء تصرفهم معها إلى تعقيد المشكلة بشكل أكبر مما أثر عليها بشكل كبير في شبابها، نفس الأمر بالنسبة للفنان محمود نصر في مرحلة طفولته والتي شهدت تصرفات غريبة مثل ضرب زميله ضعيف البصر وتحرشه بالخادمة في مرحلة المراهقة والتي تسببت والدته باهمالها ومنعه الذهاب لطبيب نفسي مثلما كان يفعل والده بوصوله إلى مرحلة السادية الجنسية.وعلى الرغم من أن المسلسل يتمتع بإيجابيات كثيرة إلا أنه عانى من بعض نقاط الضعف، ترجع إلى قصر عدد الحلقات فمع اكتشاف ياسمين رئيس لحقيقة زوجها بالكامل وفشل محاولاتها في الابتعاد عنه أو الاحتفاظ بابنها واقدامها على قتله بطريقة شديدة العنف ثم استسلامها التام للأمر ورفضها الدفاع عن نفسها أو ترك مكان الجريمة كل هذه الأمور كانت بحاجة إلى المزيد من التوضيح فكان لابد من اظهار معاناتها مع زوجها وعنفه في معاملاتها والتي اكتفى العمل بتناولها لمضادات الاكتئاب بالأضافة إلى توضيح بعض الملامح من طفولتها ونشأتها والتي تسببت في شعورها الدائم بالذنب والتي أدت إلى نهايتها المٍأساوية ومشهد إعدامها والذي يمثل ادانة تامة للمجتمع والتي ـصرت المخرجة ـن يكون مشهدًا صادمًا طويلًا ليكون بمثابة صرخة أو جهاز انذار لتوعية المجتمع وتغيير نظرته لكثير من الأمور وعدم صمته على كل ما هو خطأ ويهدد المجتمع وألا نلقي برؤوسنا في الرمال.