ليلك.. الزهر الذي يبهج والفيلم الذي يثير الشجن

  • نقد
  • 01:18 مساءً - 4 سبتمبر 2022
  • 14 صورة



صورة 1 / 14:
صورة 2 / 14:
صورة 3 / 14:
صورة 4 / 14:
صورة 5 / 14:
صورة 6 / 14:
صورة 7 / 14:
صورة 8 / 14:
صورة 9 / 14:
صورة 10 / 14:
صورة 11 / 14:
صورة 12 / 14:
صورة 13 / 14:
صورة 14 / 14:

"ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين". مازال الليلك البنفسجي كذلك.. زهر هذا النبات الأسطوري الذي اعتبرته الميثولوجيا الأغريقية حورية من حوريات الغابة، جميلة هربت من الحب فتحولت إلى شجرة ما لبث المحب الذي تعتبره الأسطورة إلهاً أن صنع منها نايا لتبقى إلى جواره إلى الأبد، فلا هي هربت، ولا هو أدرك أن ألحانه الشجية تصدر عن جسد محبوبته الغائبة. الليلك، ذلك الزهر ارتبط في ثقافة الأوروبيين بمراسم الجنائز والعزاء، حيث كان يوضع مع الموتى، داخل توابيتهم، ربما لأن رائحته القوية تغطي رائحة الموت.. ارتباط بالحزن جعل البعض يتشاءمون منه مثلما يرفض البريطانيون دخوله منازلهم لاعتباره رمزا للنحس، بل وقيل إن ارتداء فتاة شابة تاجًا من الليلك كفيل بجعل مصيرها أن تعيش وحيدة طول عمرها. فيلم ليلك أو Leylak، الفيلم الذي كان من أكثر الأفلام القصيرة استحواذا على جوائز المهرجانات في عام 2021 استخدم النطق التركي لاسم زهرة الليلك؛ حيث بطله حفار قبور تركي يعيش في نيويورك.. مضطر للاستمرار في العمل ليعول نفسه وأسرته مثل كل المهاجرين الذين لم يوقفهم كوفيد19 والتصاعد المرعب لأعداد الوفيات خاصة في أمريكا وفي مدينة نيويورك التي تدور أحداث الفيلم فيها، بل إن بطل الفيلم لا يستطيع التوقف حتى أمام حادثة موت زوجته التي اغتالها نفس هذا الوباء الجامح. نسمع صوت نعيق الغربان قبل ظهور أي صورة، ثم نتعرف على بطل الفيلم في لقطة مشهدية هي أطول لقطة في الفيلم كله، حيث أرض شاسعة تم تقسيمها حفرا متكافئة متوازية تذكرنا بصور المقابر الجماعية في أفلام ومجموعات فوتوغرافيا الحروب، بينما يوسف المهاجر التركي عاكف على تجهيز الحفر مع زملائه. هل هذه حرب؟! نعم، لكنه نوع آخر من الحروب.. حرب تواجه الوباء الفتاك الذي افترس أعدادا هائلة من البشر. اجتاح الكوكب ونشر الرعب.. حصر الناس في بيوتهم بين الخوف من طيف شيطاني مجهول، وصدمة أو صدمات برحيل الأعزاء والمقربين. يغادر البطل أرض الراحلين التي يعمل فيها، وبعد أن يغتسل ويبدل ملابس العمل يعود شخصا عاديا، بدل الشخصية التي يفرضها عليه عمله حيث يعايش الموت ويتآلف مع الموتى حتى أنه يخاطب شخصا أقر تابوته للتو في جوف مقبرة بقوله: "يا صديقي"، رغم أنه بالتأكيد لم يعرفه من قبل. يوسف حفار القبور لا يستطيع مواجهة ابنته بحقيقة موت زوجته.. أمها؛ يحاول مرة بعد أخرى أن يتهرب، لا يريد أن يأخذها إلى المستشفى لزيارة الأم لأن الأخيرة تخطت قسم المرضى لتصبح في انتظار الانتقال إلى مثواها الأخير.. يواجه الأب قسوة ابنته التي لا تستطيع تفسير سلوكه.. تحس أن أمرا مروعا حدث لكن صمت أبيها وتمثيله البدائي المكشوف عليها يجعلانها تخرج عن هدوئها ورقتها وتتهمه بالكذب، وتوسط عمتها لتقنعه أن يأخذها إلى المستشفى، بينما العمة تعرف الحقيقة وتلوم الأب الذي لم يستطع الاقتناع أن الموت الذي يعايشه في عمله طرق بابه.. سلبه زوجته وحرم ابنته من أمها. ليلك، ليس فيلما عن الوباء القاتل أو عن حظر الحركة الذي فرض بشكل موسع في العالم كله، لكن مع ذلك تظهر ظلال كوفيد19 من خلال التفاصيل، الجميع يرتدون الكمامات، الأب عندما يلتقي ابنته لا يلتفت مثلا إلى فستانها أو تسريحة شعرها، لكنه يعدل وضع الكمامة فوق أنفها.. عندما ينفرد الرجل بنفسه مع ذكرياته عن زوجته الراحلة لا يجد إلا كمامتها يقبلها بشفتين خلفهما قلب يعتصره الألم. هذا الفيلم كما أراد صناعه أن يكون: فيلم عن الفقد.. موضوع مؤلم لكنه عاطفيٌ جدا مما تطلب تناولا بصريا شاعريا إلى أبعد الحدود.. تناولا يدفع المشاهد إلى التأمل وتعقب الذاكرة من خلال حنين لأيام الطفولة، لألوان الشتاء التي ينقصها الدفء ولا يعوزها الخيال، ربما لذلك ارتدت البطلة الطفلة فستانا أزرق قصيرا وجعلت شعرها الطويل منسدلا فوق كتفيها، صورة طالما رُسمت بها الفتيات والأميرات في قصص الأطفال، أيضا يسود الفيلم ألوان السكون الباردة الأزرق والسيان والبنيات، قليلة التشبع تبعث في النفس إحساسا بالحزن لا يقل عن ما يثيره الليلك بلونيه البنفسجي ذي الشجن، والأبيض رمز النقاء والصفاء والطفولة البريئة.

وصلات



تعليقات