"Manticore"... عن الجانب المظلم من الإنسان

  • نقد
  • 11:37 صباحًا - 17 نوفمبر 2022
  • 3 صور



"جميعنا نستيقظ كثيرا في قلب الظلام قلقا، ولكن ماذا لو كان الظلام والقلق هما لعنتنا الأبدية؟!". "Manticore" تجربة صادمة للمخرج الإسباني كارلوس فيرموت تغوص في أعماق نفس بشرية تبدو شاذة ومحطمة وخيالية فيما يتوافق مع معاييرنا، ولكنها موجودة في الواقع تجول في شوارعنا وبيتونا وقد تكون أقرب لنا مما نتصور دون أن ندري، تظهر كثيرا من البراءة والسذاجة المبطنة بالشر والسوداوية المروضة.

يتناول العمل قصة خوليان مصمم ألعاب الفيديو والذي تقوده الصدفة لإنقاذ طفل بريء من حريق بالشقة المجاورة، فيطلق هذا الصبي العنان داخل الجانب المظلم لخوليان بهوسه ورغباته الشريرة التي يصعب السيطرة عليها، وفي فصول العمل الغير معلنة يبدأ خوليان تدريجيا في الانهيار ما بين حاجته للشعور بالحياة والاهتمام والحب، ورغباته المدفونة التي قد تخلق مأساة في حياة طفل بمقتبل الحياة.

يظهر خوليان مشتتا عاجزا عن التعبير عن أبسط احتياجاته من التلامس الجسدي بصفته حق غير مكتسب حتى مع الأصدقاء والعلاقات العابرة والفتاة التي يحبها اعتبارا بما يحمله داخله من ظواهر مرفوضة ومن المحرمات، فيهرب من شهواته الملحة بنوبات الهلع وفقدان الوعي، حتى وإن حاول السيطرة عليها طيلة أحداث العمل فهي أكبر وأقوى مما يستطع أي فرد تحمله. يخشى الموت وإن كان ملاذه وحله الوحيد للتخلص من مأساته العاطفية ورغباته المقززة. خوليان الرسام البارع والذي يعجز عن رسم الإنسان في ألعابه بسبب شعور عدم الانتماء، يرسم الوحوش ببراعة متخفيًا خلفها وحاملًا أهدافها المدمرة.

برع العمل في رسم العديد من التناقضات والتعقيدات لشخصيته الرئيسية، والتي تدفعك للتعاطف معها في مطلع القصة، الكره والاشمئزاز في النصف الثاني من العمل، ثم مزيج من الشعورين في المشهد الختامي بالاحترام القليل والرضا لنهاية خوليان المفجعة والمرضية لكافة الأطراف، وهي سلسلة من المشاعر المختلفة التي برع الممثل ناتشو سانشيز في تجسيدها على الشاشة وحمل خلاله واحد من أفضل التجسيدات للعام 2022 حتى وإن كان خلال التجربة الأكثر إزعاجا للعام ذاته، مقتربا بشخصيته كثيرا من حرارة الشمس فانتهى كل شيء بسقوطه للهاوية.

قدم المخرج كارلوس فيرموت تجربة مروعة عن الظلام الكامن في النفس البشرية من صراع الخير والشر داخلها، من خلال شخصية تفتقد مثاليتها تدريجيا عبر إفساد علاقة حبيبين، وتعريض حياة طفل بريء لا حولا له ولا قوة للخطر، فيدفعك سريعا إلى شعور الرعب والقلق والعجز في المشاهد الختامية، وفي اللحظة الأكثر توترا يضع حلا للموقف لا المشكلة، تجربة وإن كانت غير مرغوبة ولا يمكن إقناع أكثر رواد السينما تقبلا للأفكار بمشاهدتها، ولكنها تبقى واقعية ومظلمة للغاية. سلسلة من الأدوات التي أثبتت قدرات مخرجها الأكبر بكثير من كونه مؤلفا للعمل.

"Manticore" عمل جريء يغوص في تابوهات ومحرمات يخشى العالم حتى مناقشتها حتى وإن كانت موجودة حولنا في أعماق العالم السوداوي ودهاليز الديب ويب، تجربة يجب مشاهدتها والابتعاد عنها في آن واحد، لما تحمله من مزيج الآلم والصدمة يظل عالقًا معك لفترة طويلة، وعلى رأس قائمة الأعمال المحظور إعادة مشاهدتها مستقبلا، وإن كان يمكن ترشيحه لأولائك من لا يصدقون.




تعليقات