عندما نقول بين السطور، فهذا يعني الكلمات المستوحاة أو التي يستشعرها القارئ دون أن تكون مكتوبة أو مرئية، بمعنى آخر هي الرسائل غير المباشرة من القراءة، وهذا ما ينطبق بشكل أساسي على مسلسل بين السطور، وهو عمل مقتبس عن نمط كوري، ويقتحم المسلسل عوالم كثيرة أهمها هو إدمان النجاح؛ نجاح الإنسان في عمله، خاصة الذي يأتي على حساب أشياء كثيرة، أو يكون الوصول إليه يتطلب الاستغناء عن أشياء كثيرة أو دهس أشخاص آخرين أو استغلالهم حتى تصل إلى مرحلة غير مسبوقة من التفوق تصيبك بحالة من الغرور أو الاستعلاء، حتى على صاحب العمل، وهي الشخصية التي تلعبها صبا مبارك، والتي بلغ بها تفوقها في مجال عملها إعلامية أن تتحدى مديرها في العمل حتى إذا أدى بها الأمر إلى الإضرار بالقناة التي تعمل بها حتى تصل إلى ما تريد، وقد اختار صناع العمل مجال الإعلام والقنوات الفضائية ليكون أكثر مجال يشهد الحروب والمنافسة التي تضطر إلى دس المكائد أو دهس الزملاء. تبدأ أحداث المسلسل باستلام صبا مبارك جائزة أفضل إعلامية، وهو ما يتطابق مع بداية المسلسل الكوري، وتلعب صبا مبارك شخصية مركبة شديدة الصعوبة، حيث تعتمد على ملامح (وجه البوكر)، بمعنى آخر بدون أي تعبيرات وجه توحي بأي شيء، سواء مشاعر فرح أو حزن، وهذا ما تعلمته من والدتها، بأن تسيطر على عواطفها وألا تنظر إلى الحياة إلا من زاوية واحدة، حتى إذا جاء ذلك على حساب الأمومة أو العلاقات الإنسانية، فهي لا تترك شيئًا يقف عقبة في طريقها حتى بلغت ذروتها عند علمها بخبر وفاة والدتها قبل إذاعة برنامجها بدقائق ثم واصلت برنامجها دون توقف، وعلى الجانب الآخر نجدها في قمة ضعفها فور توديع والدتها في المستشفى، وفي الكثير من المشاهد الإنسانية مع زوجها، ولكن يبدو أن نشأتها وحرمانها من أشياء كثيرة جعل منها شخصية غير سوية بعكس شخصية سلمى أبو ضيف، وهي أيضًا إعلامية قوية طموحة تشعر بالغيرة من صبا مبارك، وتحاول اللحاق بها بكافة الطرق، ولكنها تتوازن نفسيًا بعد التحقيق معها في جريمة قتل نظرًا لنشأتها في أسرة ثرية ولأن والدها شخصية مرموقة، ثم تبدأ في التعاطف مع صبا مبارك بعد طردها من القناة ومرورها بعدة أزمات. ثم بدأ المسلسل يأخذ منحنى آخر من التشويق والإثارة بعد مقتل محمد علاء لاعب الرماية الشهير الذي استضافته صبا مبارك في برنامجها، والذي يتضح أنه حبيبها الأول، ثم تتصاعد الأحداث ودرجات التشويق بعد مرور كل حلقة، حيث تحوم الشبهات نحو كل شخص بعد انتهاء كل حلقة. نجح المخرج وائل فرج في أولى تجاربه الإخراجية في عمل توليفة جيدة تمزج بين ثلاثة أزمنة بين الماضي والحاضر، دون أن تفلت من يديه الخيوط ودون أن يشعر المشاهد بأي تشتت في الأحداث، وساعد على ذلك اللعب بالإضاءة في دمج المشاهد والموسيقى الساحرة لـخالد الكمار التي خلطت بين التشويق والرومانسية بالإضافة إلى توظيف الفنانين واختيار كل منهم في مكانه الصحيح، بينما ركزت الكاتبة مريم نعوم بشكل أكبر على الأبعاد النفسية والجانبية لكل شخصية، والتي جاءت معظمها غير سوية، تجمع بين الخير والشر؛ على سبيل المثال ناردين فرج التي تلعب دور زوجة محمد علاء، والتي ظهرت في الحلقات الأولى في صورة الزوجة المحبة لصديقتها، والتي تعشق زوجها ليتضح في النهاية أنها تحمل بداخلها حقدًا وغيرة من صديقتها منذ الطفولة، وحاولت الإيقاع بها بكافة الطرق، وعلى الجانب الآخر نجد شقيق القتيل محمد علاء الفنان عمر شرقي، والذي هو شخص منحرف يحاول ابتزاز شقيقه طوال الوقت، ليتضح أن هناك جذورًا في التربية من التفرقة في المعاملة بينهما، بل هو يحمل في داخله إنسانًا خيرًا وطيبًا. في النهاية، يعتبر مسلسل بين السطور عملًا مكتمل العناصر لا يؤخذ عليه سوى بعض التطويل والمط وتكرار بعض المشاهد في بعض الحلقات، وبالنسبة للنهاية فقد جاءت موفقة وغير متوقعة، حيث يتضح أن أحمد فهمي الذي يظهر بملامح شديدة الطيبة والبراءة، والذي يحب زوجته إلى درجة جنونية، تجعله يرتكب جريمة قتل ثم يتهرب من فعلته، ومن ثم يصبح على صبا مبارك الاختيار بين حبها ومبادئها، ولكن النهاية جاء بها بعض الثغرات في تنفيذ جريمة القتل، فأين اختفت الكاميرا التي كان يصور بها باسل الزارو؟ وأيضًا كيف يغفل الطبيب الشرعي عن تقرير الجريمة؟ حيث كان لا بد من إثبات إصابة القتيل من رأسه من الخلف، بينما جاء الحادث من الأمام.