فيلم أمس بعد بكرة.. فكرة تأثير الزمن على حياتنا

  • نقد
  • 08:00 صباحًا - 27 يوليو 2024
  • 1 صورة



السفر عبر الزمن هو مفهوم يعبر عن إمكانية الانتقال بين نقاط زمنية مختلفة، سواء في الماضي أو المستقبل، بشكل يشبه الانتقال بين الأماكن الجغرافية. هذا المفهوم قد تم استكشافه بشكل كبير في الأدب والخيال العلمي، حيث أصبحت فكرة السفر عبر الزمن محورية في العديد من الروايات والأفلام. على الرغم من أن السفر عبر الزمن يبقى في الوقت الحاضر ضمن نطاق الخيال العلمي، إلا أن المفاهيم العلمية مثل النظرية النسبية والثقوب الدودية تضفي عليه بعض الجدية والاحتمالية العلمية. سواء أصبح السفر عبر الزمن ممكناً في المستقبل أم لا، فإنه يظل موضوعاً مثيراً يجذب خيال العلماء والكتاب على حد سواء. “أمس بعد بكرة” واحد من الأفلام السعودية النادرة، فهو فيلم سينمائي يتناول قصة خيالية معقدة تتقاطع فيها الأحداث بين الماضي والحاضر ولم يدخل فيها المستقبل بشكل قاطع، لكنه استطاع أن يخلق نسيجاً درامياً غنياً بالأحداث والتفاصيل. صدر في عام 2023 من إخراج عبدالغني الصائغ وتأليف عمر أشموني. الفيلم طويل (115) دقيقة، من بطولة نايف المطيري، وإسماعيل الحسن، وأحمد صدام، وسمر ششة ولنا قمصاني وعبدالعزيز برناوي. في هذا الفيلم ابدع عبدالغني الصائغ في تقديم رؤية إخراجية مبتكرة، تميزت كاميرته بتحركات رشيقة واستخدم تقريبًا كل زوايا العدسة؛ High Angle, ‏Low Angle, ‏Eye Level, ‏Dutch Angle/Tilted Angle, ‏Worm’s Eye View. حتى زاوية Bird’s Eye View لم تغب في المشاهد، وفي أماكن ضيقة، حقيقة أنه استعرض كل ما لديه من طاقة وصاغها بصياغة جيدة في هذا الفيلم. وفي مشهد تشغيل مقطع فيديو كاميرا كاسيت للأب المتوفي، أضفى حيوية على المسار الدرامي. كان استخراج اللقطات من كاميرا قديمة مقنعًا وكذلك الإضاءة المتباينة كانا فعالين في شد المشاهد وإبراز الحالة الماضوية وموازاتها بفكرة السفر عبر الزمن عند مازن ومعن. وعملية التناسق الجيد في هذه المشاهد ساعد في تعزيز تدفق الأحداث بسلاسة، لولا “استايل” اسماعيل الحسن الذي بطّأ بعض هذه الجوانب. لعبة الزمن في هذا الفيلم موضوع مركزي، فنحن ازاء حكاية فيها شخصيات تقفز بخفة بين الماضي والحاضر، حيث المنزل كمكان، والأسرة كشخصيات، والموت هو شكل من أشكال الإكراه المادي. مكسب كبير يعود فضله إلى عمر أشموني الذي كتب سيناريو قوي يتميز بعمق الحوار وتعقيد الحبكة. تميزت شخصياته بتطورها الدرامي الواضح، مما أضفى تحديًا عند المشاهد لمواصلة متابعة هذا الصراع. كانت الحبكة مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي تكشف تدريجياً عن خيوط القصة المعقدة، مما جعل المشاهد يبقى في متابعة دائمة. في بداية الفيلم تم تسريب قضية من قضايا المرأة وهي؛ زواج الأم (لنا قمصاني) من رجل آخر بعد وفاة الأب، على أساس أنها قضية محورية في الفيلم ومدى تقبل الأبناء فكرة أن يأخذ رجل آخر دور الأب، فيحدث صراع بين مازن (أحمد الصدام) وأخوه معن (اسماعيل الحسن)، بين الرافض كليًا، وبين المتفهم للرغبة. لكن ولأن المسار يتجه اتجاهًا كوميديًا لم تعالج القضية ولم تؤخذ على محمل الجد التام، على أن أغلب قضايا المرأة وجد لها حلولًا، إلا معالجة “زواج الأم” وتقدير الأبناء لهذه الرغبة، حيث لا تزال بين مد وجزر. ثم تنتقل الحكاية سريعًا إلى فكرة أن يجد مازن ومعن بابًا قديمًا في سرداب البيت يعيدهما زمنيًا إلى الماضي، إلى وقت كان والدهما (نايف المطيري) – المتوفى - على قيد الحياة، لكن في محاولاتهما التواصل معه تكشف ظروف زواجهما وكيف كانت حياة الأسرة الصغيرة، ويعلقان في الزمن الماضي، ويتورطان في أحداث ومواقف تحمل في ثناياها كوميديا. هناك أفلام أخذت مسارًا تجريبيًا في هذا المضمار وتطرقت للزمكان بالسفر عبر الزمن كفيلم About Time الذي يروي قصة رجل يكتشف أنه يستطيع السفر عبر الزمن ويحاول تحسين حياته الشخصية والعاطفية. وفيلم Predestination عميل يسافر عبر الزمن لمنع الجرائم الكبرى أن تحدث، بما في ذلك جريمة تفجير قاتلة. لأن هذه الأفلام تستهوي الشباب وتقدم رؤى مختلفة ومبتكرة حول موضوع السفر وتمنح صناع الأفلام وسيلة لاستكشاف الجوانب العميقة للنفس البشرية والتجربة الإنسانية بطرق فريدة ومبدعة. يتيح لنا فيلم “أمس بعد بكرة” فرصة للتأمل في كيفية تأثير الزمن على حياتنا وقراراتنا، كما يفتح الباب أمام العديد من الأسئلة الفلسفية حول المصير والقدر والحرية.



تعليقات