فيلم هجان.. حكمة الهجان وجبروت مالك الهجن

  • نقد
  • 11:50 مساءً - 28 يوليو 2024
  • 1 صورة



حسب افادة الفنان إبراهيم الحساوي، فإن الفيلم السينمائي يصنف فيلمًا سعوديًا إذا التزم ببعض الاشتراطات والمعايير ومنها؛ (1) الإنتاج، أن تكون شركة الإنتاج الرئيسية سعودية. (2) المحتوى، أن يتناول الفيلم موضوع يتعلق بالثقافة أو المجتمع السعودي. (3) المواهب، أن يكون طاقم العمل الرئيسي سعودي. (4) التصوير، يفضل أن يكون جزء كبير من الفيلم مصور في السعودية. (5) اللغة، أن يكون الفيلم باللغة العربية أو يكون باللهجة المحلية. وهذا ما كان في الفيلم السعودي “هجان” الذي التزم بهذه الاشتراطات والمعايير، والذي زاد من الفيلم جمالًا أنه أتى متواكبًا مع عام الأبل، الذي أطلقته وزارة الثقافة على عام 2024 تقديرًا للمكانة الفريدة للأبل في قلوب أبناء شبه الجزيرة العربية ووجدانهم، واحتفاءً بالأبل باعتبارها رمزًا ثقافيًا أصيلًا وما لها من خصائص فريدة تستدعي التأمل والتدبر. أشرف على إنتاجه ثلاث جهات، مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” (السعودية) وفيلم كلينك (مصر) وإيماجيناريوم (الأردن). وظفر بجوائز متعددة في مهرجان الأفلام السعودية العاشر، منها جائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم سعودي طويل من لجنة التحكيم، وجائزة أفضل تأليف موسيقي للتونسي أمين بو حافة، وجائزة أفضل ممثل سعودي “عمر العطوي”، وجائزة أفضل ممثلة سعودية “تولين عصام”. الفن لا ينفصل عن التراث، لأنه بناء لنموذج من الحياة الاجتماعية لا ينشأ من فراغ وإنما يستخلص من الماضي، سواء كان ذلك الماضي هو التراث أم المجتمع الذي يعيش فيه، فالتراث في فيلم هجان حاضر بوصفه حدثًا اجتماعيًا ماضيًا مسطرًا في التاريخ بتفاصيله. وكلمة هجان هي مفرد هجانة وهو راكب الأبل في السباقات، والهجن نوع من أنواع الأبل لكنها مخصصة للسباق، أما المالك فهو صاحب الهجن المعدة للسباق. الهجن رياضة عربية أصيلة مارسها العرب في الجاهلية والإسلام، وتوارثها الأجيال على مر العصور والأزمان، وهي تراث عريق وتقدره الأجيال المعاصرة وتضعه في المكانة اللائقة به، وهي مسابقة تثير الحماس والتنافس ويقام لها المهرجانات والاحتفالات الشعبية الكبيرة. ولما في هذه السباقات من منافسة، أحيانًا تكون شرسة، وتصل بها إلى الخلافات بين ملاك الهجن، فيدخلون في صراع ويخرجون إلى آخر، ويتجاذبون بين القوة والقوة المضادة. لكن في قصة “هجان” كان التجاذب بين القوة والضعف، بين الهجان ومالك الهجن، حيث تدور القصة حول الشاب “مطر” الذي يفقد أخاه “غانم” في سباق الهجن بسبب مؤامرة دنيئة. بعد وفاة أخيه يجد “مطر” نفسه مضطرًا للعمل عند “جاسر” الرجل المسؤول عن موت أخيه، لحماية ناقته “حفيرة”. قام بدور هجان “مطر” الفنان الصبي (عمر العطوي) الضعيف البسيط والمسحوق المنفذ للأوامر، الذي يعمل بصمت وإخلاص، ويجد متعته في اتقان عمله باستسلام وخضوع ويحرم نفسه في سبيل إرضاء مالك الهجن “جاسر” الذي يقوم بدوره الفنان (عبدالمحسن النمر) القوي بتهوره وجبروته نحو تحقيق مبتغاه. وهناك من يحقق التوازن كدور “عابد” الذي قام به الفنان إبراهيم الحساوي، ودور زوجة جاسر قامت به الفنانة الشيماء طيب، الذي أعطى بعدًا دراميًا للفيلم. ظلم “جاسر” زرع فسيلة صراع داخلي تكوّن لدى مطر فجعله يكابد ليحافظ على كرامته ويعتني بناقته التي نشأ بينه وبينها علاقة وجدانية عميقة تجسدت في إنقاذ كل واحد منهما للآخر من المخاطر. وما كان سيزيد العمل أكثر جمالًا لو تم الاستعانة بتقنية Live Action & Animation بالطبع ليس على غرار Thelma The Unicorn لكن لعمل شيء من السيطرة المحببة على ذلك الكائن الحيواني. الصراع بين الظلم والعدالة، والحق والباطل، هو سر نجاح الفيلم الذي يسود تلك القصص سواء كانت في الماضي أو في الحاضر. لكن، وكما قال الفنان عادل إمام: “عمر الشر ما ينتصرش” وهذا ما حدث في النهاية حين ينتقل ذلك الصراع الداخلي البريء إلى صراع خارجي حقيقي، فيضطره إلى أن يبذل الهجان “مطر” أقصى ما لديه لإنقاذ حياته وحياة الناقة “حفيرة” فينتصر على قساوة وجبروت مالك الهجن. السر الآخر للنجاح الذي يقدمه فيلم “هجان” غير الإبداع الإخراجي للمخرج (المصري، النمساوي) أبو بكر شوقي الذي ركز على جماليات الصحراء السعودية، والتأليف الذي تشارك فيه، مفرج المجفل (السعودية) وأبو بكر شوقي (مصر) وعمر شامة (الأردن)؛ هو الحكاية، فهي مكتملة العناصر وتحمل بُعد التشويق وهو حجز الزاوية في الأفلام السينمائية، ومالم يكن هو اللبنة الأولى التي ينطلق منها العمل، فإن ما سيعرضه سيبقى محفوفًا بخطر التململ، وغياب المتعة التي هي من عناصر الجذب المهمة في كل عمل إبداعي. الحديث يطول، لكن في المجمل الفيلم كان جديرًا بالجوائز التي حصل عليها، ودون مندوحة أنه سيعزز حضور السينما السعودية على المستوى العالمي.

وصلات



تعليقات