من النضال إلى البحث عن الذات.. تحول نمطية البطل في الأفلام الحديثة

  • مقال
  • 02:51 صباحًا - 12 اغسطس 2024
  • 7 صور



صورة 1 / 7:
صورة 2 / 7:
صورة 3 / 7:
صورة 4 / 7:
صورة 5 / 7:
صورة 6 / 7:
صورة 7 / 7:

يلاحظ الجمهور عند مشاهدة الأفلام الحديثة وجود تحول كبير في مسار القصص والشخصيات، فقد خضعت الشخصية في الأفلام المعاصرة لتغيير في نمطيتها مقارنة بالأفلام السينمائية قبل القرن الواحد والعشرين، ووفقًا لما تم إقراره في علوم الكتابة الروائية بشأن أنماط الشخصية وطرق تقديمها، إذا أدركنا أن أصل الفيلم ينبع من فكرة نص كتابي، يمكننا فهم هذا التحول.

يمكن ملاحظة هذا التحول النمطي من خلال النظر إلى طبيعة البطل أو الشخصية الرئيسية والشخصيات الثانوية التي كانت سائدة في الأفلام عبر تاريخها. في الأفلام الجديدة، لم تعد هناك شخصية رئيسة محورية هي البطل الأعظم الذي ينشغل بتقديم نموذج البطولة من خلال كفاحه ضد القوى الخارجية أو الداخلية. لم يعد البطل هو النموذج الأبرز الذي يحدد قضية وهدف يسعى لتحقيقه.

بدلاً من ذلك، قدمت الأفلام الجديدة نماذج لأبطال ليس لديهم قضايا كبرى أو حتى صغرى، وليس لديهم موقف يسعون لتحقيقه. بل يبحثون عن ذواتهم أو يحاولون فهم السياق الذي وضعوا فيه. لم تعد قضايا التغيير والبحث عن الحرية ومحاربة الاستبداد والقهر والظلم هي المطلب الرئيسي، بل أصبح كل ما يعنيهم هو البحث عن الذات، واكتشاف أنفسهم من خلال هذا العالم، ومحاولة فهمه. هذا استجابة للفلسفات المعاصرة، وخاصة فلسفات ما بعد الحداثة، ونظريات الاقتصاد في تداخلها مع الفيزياء والفلسفة والاجتماع، التي أنتجت التوتر العالمي الذي نعيشه جميعًا. هذا التوتر فرض على الشخصية السينمائية أن تكون مشتبكة مع هذا الواقع، وتبحث عن ذاتها ووجودها وموقفها وموقف من حولها.

على سبيل المثال، يمكن مقارنة فيلم عالمي قديم مثل «سائق التاكسي» (Taxi Driver) (1976)، حيث يسعى البطل لفهم وتغيير المجتمع الذي يشعر بالغربة فيه، بفيلم عالمي حديث مثل «الجوكر» (Joker) (2019)، حيث تبحث الشخصية الرئيسية عن هويتها وتحاول فهم العالم المحيط بها في إطار شخصي ومعقد. أو مقارنة فيلم عالمي قديم مثل «رجل الماراثون» (Marathon Man) (1976)، حيث يسعى البطل لتحقيق العدالة والانتقام ويواجه قوى الشر، بفيلم عالمي حديث مثل «تذكرة إلى الجنة» (Ticket to Paradise) (2022)، حيث تسعى الشخصيتان الرئيسيتان لتحقيق طموحاتهما الشخصية وفهم علاقتهما بالعالم وببعضهما البعض.

في السياق العربي، يمكن مقارنة فيلم قديم مثل «شيء من الخوف» (1969)، حيث يسعى البطل لتحرير قريته من الاستبداد ويواجه قوى الظلم، بفيلم عربي حديث مثل «ستموت في العشرين» (2020)، حيث تبحث الشخصية الرئيسية عن معناها في الحياة في ظل نبوءة بالموت، محاولًا فهم وجوده وموقفه من الحياة والموت. أو مقارنة فيلم قديم مثل «الناصر صلاح الدين» (1963)، حيث يسعى البطل لتحقيق النصر والتحرير ويواجه قوى الاحتلال، بفيلم عربي حديث مثل «كازابلانكا» (2019)، حيث تسعى الشخصية الرئيسية لتحقيق النجاح الشخصي في إطار درامي واجتماعي معقد.

من هنا نلاحظ تغير نمط تقديم الأبطال في الأفلام الجديدة، حيث أصبحت لها صيغة وبناء وطريقة تقديم مختلفة. تحررت القصص السينمائية الجديدة من كلاسيكيات مفهوم الشخصية التي كرست لها القصص السينمائية السابقة. لم يعد الوصف الدقيق جدًا لملامح الشخصية، جسديًا ونفسيًا، ضروريًا، بل أصبحت معنية بتقديم الشخصية كما هي، بعيوبها وفجواتها وثغراتها. يطلب من المتلقي أن يشترك مع المؤلف والمخرج والممثل في ملء هذه الفجوات واستكمال نواقص الشخصية. هذا يفتح الباب أمام تأويلات متعددة لأفعال الشخصية، ويسير بالعمل إلى مسارات مختلفة، شريطة أن يكون الجميع على وعي بذلك، وألا يحدث خلل يؤدي إلى فجوات عشوائية تسقط العمل. كل شيء يكون مقصودًا ولكن بطريقة احترافية في البناء الدرامي.

التحول في الأنماط يعكس تحولًا في التعبير عن شخصيات قلقة من فلسفة موقف واحد من المواقف المتسارعة، ويختلف عن التعبير عن فلسفة تقدم مصير ومنهج حياة.

وصلات



تعليقات