السينما الغنائية.. جدل المصطلح وجدلية التصنيف في السينما

  • مقال
  • 07:12 صباحًا - 23 اغسطس 2024
  • 45 صورة



انفتح باب الجدل على مصراعيه حتى قبل أن يتم نشر هذا الاستفتاء عن أهم مائة فيلم غنائي في السينما المصرية، هذا الاستفتاء الذي تصدى لإدارته ونشر نتائجه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته التاسعة والثلاثين كاستمرار لما بدأه المهرجان في العام السابق من نشر استفتاء حول أهم مائة فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية، وهو استفتاء أثار جدلا أيضا حول فكرة التقييم والترتيب والتفضيل نفسها، وأسماء الأفلام والفنانين، التي تضمنتها القائمة أو التي تجاهلتها، وغير ذلك مما لم يفت في عضد القائمين على المهرجان وعلى رأسهم الناقد السينمائي الأمير أباظة رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما المصريين؛ فلم يتراجعوا عن إنجاز استفتاء جديد هذا العام.

الجدل ظهر منذ بدء العمل من قبل النقاد المشاركين في الاستفتاء أنفسهم، جدل حول المصطلح والتعريف والمفهوم، وجدل حول تميز السينما الغنائية كنوع سينمائي، وجدل حول تمييز أفلام مصرية بعينها على أنها أفلام غنائية، هل يختلف الفيلم الغنائي عن الفيلم الموسيقي؟ وهل يختلف مفهومها في مصر عن هوليوود أو الهند أو أوروبا أو غيرها؟ يذكر الناقد زين العابدين خيري الذي أدار الاستفتاء وحرر وأعد عنه كتاب المهرجان أن الاعتماد على التعاريف المتداولة -عالميًا- للفيلم الموسيقي الغنائي كفيل بنفي صفة الغنائية عن أي فيلم مصري «إن الفيلم الموسيقي هو أحد أنواع الأفلام التي تتشابك فيها أغاني الشخصيات مع السرد، وأحيانا تكون مصحوبة بالرقص. وعادة ما تعمل هذه الأغاني على تطوير الحبكة أو تطوير شخصيات الفيلم». إذًا، رأوا أن ذلك كفيل بنسف الاستفتاء من الأساس، فلجأوا لتعريفات ألين جانبًا، حيث لا يمكن الاعتراف بأن السينما المصرية ليس فيها أفلام غنائية، السينما التي قال عنها الناقد الكبير الراحل سمير فريد إنها «نطقت لكي تغني»، وذهب الناقد الكبير محمود قاسم أبعد من ذلك فيقول: «ليس لدينا فقط نوع واحد من السينما الغنائية في مصر، فالسينما التي نطقت من أجل أن تغني صنعت العديد من الأنواع من الأفلام ارتبط وجودها بأسماء معينة»، أول فيلم مصري ناطق حسب كثير من المصادر كان فيلم أنشودة الفؤاد 1932، وكانت بطولته للمطربة ذائعة الصيت وقتها نادرة والملحن المطرب الرائد زكريا أحمد، واستمر الغناء في كونه أحد أوجه السينما المقبولة جماهيريا والمطلوبة داخل مصر وعلى امتداد الوطن العربي من خلال أفلام عبد الوهاب وأم كلثوم ثم فريد الأطرش وأسمهان وليلى مراد وغيرهم القائمة طويلة ممن لا نقول أثروا السينما فقط بل إن ظهور السينما أثر في غنائهم والموسيقى العربية في القرن العشرين عامة بشكل لا خلاف عليه حيث انتقل الغناء العربي من التطريب إلى التعبير، وليس ذلك ببعيد عن السينما العالمية التي كان أول فيلم ناطق فيها هو فيلم مغني الجاز 1927، أي أن الغناء ارتبط بالسينما الناطقة منذ ظهورها إلى الوجود. يعرف قاسم في كتابه (السينما الغنائية في مصر) الفيلم الغنائي بأنه: «هو بكل بساطة الفيلم الذي به أغنيات أيًا كان الشكل الذي قدمت فيه الأغنية سواء فردية، أو في إطار دويتو (غناء ثنائي) أو استعراضات متباينة الضخامة» لكن ذات الناقد يعود في نفس الكتاب ويفند تعريفه؛ حيث أن كثيرًا من الأفلام التي يمكن أن يطلق عليها غنائية -تبعًا لهذا التعريف- يمكن أن تحذف منها الأغنيات دون أن يؤثر ذلك على السياق، ويضرب مثلا بفيلم (شباب امرأة) لرائد الواقعية الراحل صلاح أبو سيف، عرض هذا الفيلم في مصر بأغنيتين ونشيد جماعي، وعرض في مهرجان كان بدون أغنيات؛ فهل يمكن تصنيفه فيلمًا غنائيًا في مصر وغير ذلك خارجها؟! الكاتب اللبناني المهتم بالتاريخ والموسيقى فيكتور سحاب وضع عدة معايير أيضًا لاعتبار الفيلم غنائيًا وذلك في كتابه (أضواء على السينما الغنائية العربية)، وهي: 1- أن يتجاوز عدد الأغنيات في الفيلم الأربع أو الخمس أغنيات. 2- أن يضم الفيلم بين ممثليه وممثلاته مغنيين ومغنيات محترفين في مجال الغناء. 3- أن تكون ألحان الأغاني في الفيلم مؤلفة من قبل ملحنين محترفين. وهي معايير قد تبدو مقبولة لكن يمكن تفنيدها بسهولة عندما نطرح تساؤلات مثل: 1- هل عدد الأغنيات يعبر عن مدى امتزاجها وتوافقها مع تدفق السرد السينمائي؟ 2- هل ينحصر اعتبار الأغنية (بشكل عام) أغنية على كون من يؤديها محترفًا، وهل -مثلا- علينا أن ننحي جانبا العديد من الأغاني السينمائية (إذا جازت التسمية) العالقة في أذهاننا مثل غناء نجيب الريحاني في فيلم غزل البنات أو غناء أحمد زكي في فيلم كابوريا وغيرها الكثير لأن من قاموا بالغناء ليسوا مغنيين محترفين، وعلى ذلك ننحي أي فيلم عن تصنيفه كفيلم غنائي لأن أبطاله ليس فيهم محترفين للغناء رغم أنه قائم على الغناء المؤدى بواسطة ممثلين آخرين، وهل يكون وجود المغني المحترف في الفيلم مثل المِحرِم بوابة لحضور الفيلم في قائمة الأفلام الغنائية، ولو لم يغن هذا المطرب المحترف أو يشارك أغنية مع الآخرين؟ 3- أما فكرة أن تكون ألحان الأغاني في الفيلم مؤلفة من قبل ملحنين محترفين، فهي فكرة غائمة بعض الشيء، هل من المعتاد أن يكون ملحنو الأغاني في الأفلام الأخرى هواة مثلا لنعتمد هذه الفرضية؟ بعد الرجوع إلى هذه التعريفات القديمة المتاحة للفيلم الغنائي، واستشارة ذوي المعرفة بتاريخ السينما، توصل القائمون على الاستفتاء لمعايير بسيطة وواضحة لتصنيف الفيلم كفيلم غنائي وهي: 1- أن يكون عدد الأغاني في الفيلم ثلاث أغان أو أكثر. 2- أن تكون ضمن السياق الدرامي للفيلم وجزءً من نسيج أحداثه. 3- ليس شرطًا أن يكون مؤدو الأغاني محترفين للغناء. 4- ليس شرطًا أن يكون المغني ضمن الممثلين بالفيلم ولكن يكتفي بالاستعانة بالصوت. تلك المعايير كانت بداية حتمية لإنجاز الاستفتاء والكتاب المرجعي عنه والذي يضم بالإضافة للاستفتاء فصلا عن خصوصية السينما الغنائية المصرية ودراسة عن (تكاملية الفنون.. من المسرح الإغريقي إلى السينما) للدكتورة رانيا يحيى عميدة المعهد العالي للنقد الفني، بالإضافة لمائة مقال عن الأفلام المائة المختارة من قبل نخبة من النقاد السينمائيين، وهو مجهود ضخم في وقت قياسي نشكر القائمين عليه وإن لم تكن المعايير الموضوعة مرضية تماما للكثيرين ونحن منهم، بل وكما أشار الناقد زين العابدين خيري في مقدمة الكتاب أن المعايير لم تكن مرضية لجميع القائمين على الاستفتاء، أي أنهم اتفقوا لكنهم لم يتوافقوا عليها، والمعارضة هنا لها أسبابها المنطقية جدا، فالمعايير تعتمد عدد الأغنيات وهو معيار فضفاض، ماذا لو وجدنا (فيلما/أغنية) بمعنى أن أغنية واحدة تبدأ مع بداية التترات وتنتهي مع الخاتمة؟ وليست تلك فرضية بعيدة عن الواقع رغم أنها شبه منعدمة في أفلامنا المصرية والعربية؛ فهي واقع الكثير من الأفلام الموسيقية الغربية، هل بإمكاننا ألا نعد هذه الأفلام جميعها غنائية بينما يكون علينا اعتبار فيلم شباب امرأة بنسخته المحلية غنائيًا لأنه يشمل أغنيتين ونشيد جماعي كما سبق ذكره؟! أما القياس على كون الأغنية ضمن السياق الدرامي للفيلم وجزءً من نسيج أحداثه، ذلك معيار مردود عليه أيضًا؛ فالمفترض أن ذلك أمر طبيعي، ولا يمكنه أن يكون مميـِّزا لنوع معين من الأفلام لأن الغناء جزء من أدوات صانع الفيلم يمكنه وضع أغنية هنا أو هناك وتضفيرها مع الأحداث، وكثير من التترات كانت أغاني أو مصحوبة بالغناء وربما الاستعراض، والفيلم مثل الحياة العامة قد يشمل مشهدا في مسرح أو ملهى أو حفلا ما ويكون فيه غناء واستعراض ضمن السياق الدرامي دون أن يغير ذلك تصنيفه الفيلمي ويضطرنا أن ننحت مصطلحا ما يميزه. الاستفتاء والكتاب كلاهما، لا يمكننا إنكار أهميتهما؛ لكنهما بعيدًا عن موضوعهما الذي هو الفيلم الغنائي المصري، يلفتان النظر لقضيتين عامتين معضلتين بالنسبة لدارسي السينما ونقادها وجميع المهتمين بالفن السينمائي: قضية المصطلح، وقضية التصنيف.

جدل المصطلح: منذ نشأة السينما التي تعد أحدث الفنون في العالم، عرفناها في الوطن العربي من خلال عروض لوميير أو مصوريه الذين وفدوا إلى بلداننا ضمن رحلات أخرى حول العالم لتسجيل أشرطة سينمائية تبهر المشاهد الغربي، وتبهر أجدادنا أنفسهم الذين رأوا أنفسهم على الشاشة لأول مرة يسعون ويحيون في عالم مواز شبه حقيقي، دون أن تكون لهم معرفة سابقة -إلا في أضيق الحدود- بمراحل تطور هذه التقنية أو الاختراعات التي ظللنا مستهلكين لها، مقتفـين أثر من ابتكروها وطوروها، تارة كمتفـرجين وأخرى كمنتجين (مصورين ومخرجين ومؤديين.. إلخ)، متبِعين غير مبتدعين إلا في نطاق ضيق، وظهرت أزمة المصطلح، تارة نبحث عنه فلا نجد مصطلحًا شافيا وتارة يظهر فيكون مربكـًا ناهيك عن قضية الترجمة وتعدد الترجمات. أزمة المصطلح السينمائي هي إحدى المعضلات التي تواجه دارس السينما على امتداد الوطن العربي، الجميع يحاول تجاوزها دون أن يكون هناك ضابط شامل يسهل المسألة على الأقل، حتى أن الناقد سمير فريد في كتابه مدخل إلى تاريخ السينما العربية رجح استعمال المصطلح الأجنبي كما هو لأن السينما ليست اختراعًا عربيًا على حد قوله، وحتى لا يحدث لبس؛ لأننا عندما نترجم كلمة مكساج مثلا على أنها مزج الصوت لا نكون على مستوى الدقة المطلوب، وعندما نترجم كلمة مكياج على أنها (تزيين) فنحن نخالف المعنى الحقيقي المقصود لأن الماكياج السينمائي قد يكون للتقبيح أو التنكير، ثم ما المعضلة في ذلك -من وجهة نظره- إذ طالما دخلت كلمات عربية إلى العديد من لغات العالم لماذا لا ندخل كلمات من لغات أخرى إلى العربية، وذلك ليس بجديد فقد عرب الأقدمون كلمات دارجة أو مصطلحات علمية وأدبية واستخدموها في كلامهم وكتابتهم دون أن يستنكر الكثيرون ذلك، وهو ما أشار له الدكتور إبراهيم مدكور في كتابه (في اللغة والأدب) حيث يقول: «ولا يبدو على الأوائل أنهم عارضوا هذا الأخذ أو استنكروه، ومن المعربات القديمة الدرهم والدينار، والسندس والإستبرق، وفي «الكتاب» لسيبويه إشارة إلى بعض المعربات، ونص على أنها سابقة على الإسلام وكان العرب يلحقون تارة الألفاظ الأعجمية بأبنية العربية وأوزانها. وتارة أخرى يبقونها كما هي». وفي موضع أخر من نفس الكتاب يؤكد المؤلف أن اللغة عُرف واستعمال يتوارثها الخلف عن السلف، وللعاقبين أن يضيفوا إليها ما يساير الزمن ويلبي حاجات العصر، لكن لذلك ضوابط تنظمه وقواعد يسير على مقتضاها وعمل اللغويين ينحصر -في نظر الدكتور مدكور- في حصر هذه الضوابط ووضع هذه القواعد، وهم فريقان قَيَّاسون (من القياس على القواعد والضوابط)، وحفاظ يؤثرون السماع ويعتدّون بالرواية، وسواء هؤلاء أو أولئك حاولوا تنظيم المصطلحات العربية في مجال السينما كما في المجالات الأخرى، لكن كثيرًا من المصطلحات التي تبتكرها المجامع اللغوية يستهجنها القارئ لأنها غريبة على مسامعه، ومن الصعب فرضها عليه سواء كان متخصصًا يقرأ الأبحاث العلمية أو قارئًا عامًا يقرأ صحيفة أو مجلة. على الطرف المقابل نجد كثيرًا من المصطلحات المتداولة جاءت عن طريق الصحافة، والصحفي يخاطب عموم الناس بلغتهم وعلى قدر فهمهم واستيعابهم، لذلك انتشرت مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان، لكنها انتشرت انتشار النار في الهشيم، نذكر مثلا في العقدين السابقين انتشار تعبير (السينما كليب) على أنه نوع خاص من الأغاني المصورة وذلك لأن بعض الصحف استخدمته للتعبير عن الانتقال من تصوير الأغاني بالفيديو إلى التصوير بكاميرات سينمائية 16مم ثم 35مم والأولى في ذلك الوقت كانت تستخدم لتصوير الإعلانات التليفزيونية والثانية كانت يصور بها الأفلام السينمائية الطويلة، ومع الوقت أصبح حتى المتخصصون يستخدمون مصطلح سينما كليب ويتداولونه على أنه نوع خاص ويتساءلون عن خصائصه المتميزة عن الفيديو كليب، وهو ليس أكثر من تعبير عن أن الشركة المنتجة للأغاني تهتم بمطرب معين وتوظف تقنيات أعلى كلفة في إنتاج أغنية مصورة كانت تعد بشكل أو آخر الدعاية الأكبر لألبوم غنائي. وعلى ذلك كانت الصحافة من أكبر المساهمين في صياغة المصطلحات السينمائية وترويجها منذ نشأتها، ويذكر المؤرخ السينمائي الراحل أحمد الحضري في كتاب تاريخ السينما في مصر (الجزء الأول، طبعة نادي السينما بالقاهرة عام 1989) أن التعبيرات المتداولة في الصحافة المصرية عن السينما (السينماتوغراف، على حد قوله) كانت مأخوذة عن المسرح في أغلب الأوقات لأن المسرح أسبق في الظهور، وفي المجمل رصد الأستاذ الحضري دلائل التخبط في استخدام المصطلحات والتعبيرات مثل التعبير عن السينما أو الفيلم بوصفها: (معرض الصور المتحركة)، أو (رسوم متحركة) والمقصود بها ليس الرسوم المتحركة بالمعنى الذي نقصده اليوم، و(ألعاب من صور متحركة). وعلى سبيل المثال ورد في خبر نشرته جريدة (الأهرام) المصرية في عدد 3 يوليو 1897م. عن عرض سينمائي: "الليلة موعد الألعاب السحرية لفنون السيمائية التي يقوم بها حضرة حسن بك إيراني الشهير في الملعب العباسي كما أعلنا عن ذلك قبلا وقد علمنا أن أكثر أوراق هذه الليلة قد بيعت بحيث أن الازدحام سيكون شديدا للتفرج على تلك الألعاب والفنون التي تروق النواظر وتشوق الخواطر"، ومن الواضح التعبير عن الفيلم بأنه (ألعاب سحرية)، والسينما بأنها (فنون السيمائية) وطبعا ليس لكلمة السيمائية هنا أي علاقة بالسيميائية بمفهومها الحديث كمنهج نقدي لتحليل ودراسة الفنون والآداب، أو بمفهومها الموغل في القدم كعلم يغير طبيعة المادة أو كما يقال يحول التراب إلى ذهب، لكن ربما كان استخدام هذا التعبير مصدرا للفظ الدارج في مصر حيث تدعى السينما (السيما) حتى الآن، أيضًا يسمي الخبر دار العرض (الملعب)، والتذاكر (الأوراق). رغم بعد زمن هذه الأخبار والوصول إلى تعبيرات أكثر شيوعًا في الحديث عن السينما وصناعة الأفلام، لكن التخبط مازال موجودًا لحاجة الصحافة الدائمة إلى تعبيرات جديدة تواكب التطور ليس في مجال السينما فقط لكن أيضًا في مجال الصحافة نفسها التي شهدت طفرات عديدة في وسائلها وأدواتها من صحافة ورقية عتيقة مطبوعة برص الحروف إلى الطباعة بالزنكوغراف إلى صحافة مصورة إلى راديو وتليفزيون ثم صحافة المواقع الرقمية وصحافة الموبايل.. السينما تتطور والصحافة كذلك والمتلقي ذاته تطورت مرجعياته الثقافية واهتماماته وأسلوبه في التلقي، وكل ذلك يؤدي إلى مزيد من الحاجة لمصطلحات مواكبة، ومن ثم الخلط والتخبط الغير متعمد والذي لا بد منه ولا مناص من مجابهته. بُعدٌ آخر لقضية المصطلح السينمائي نتج عن الترجمة، بما أن السينما فن وافد وتقنية غربية غريبة عنا؛ فقد انبرى المترجمون محاولين ترجمة ما أمكن من كتابات الغربيين عنها، وبما أن الترجمة كانت في معظم الأوقات غير معتمدة على خطة موحدة واضحة تعضد الجهود العربية في هذا الشأن؛ نشأ تخبط عميق في ترجمة ونحت وتعريب المصطلحات العربية، فمن جهة لدينا العديد من اللغات التي ترجم عنها وأكثرها الإنجليزية والفرنسية ثم الألمانية، ومن جهة أخرى تعدد المترجمون في مختلف الدول العربية وعلى مدى زمني طويل نسبيًا دون أن يكون بينهم رابط أو تواصل وجدل وقت الترجمة نفسها، فتعددت الترجمات لنفس المسميات، وعلى سبيل المثال يحضرنا مصطلحا (السينما الوثائقية) و(السينما التسجيلية)، فيقال إن الأولى ترجمة الشوام والثانية ترجمة المصريين لمصطلح أو تصنيف سينمائي واحد (بالإنجليزية Documentary film وبالفرنسية Film Documentaire) لكن الترجمتين المختلفتين لفظـًا حدتا البعض للبحث عن اختلافات وتمايزات حولت الكلمتين مع مرور الزمن إلى مصطلحين متباينين، وتجد بعض المراجع تسهب في وصف ومقارنة وتحديد الفروق بين ما اعتبرته نوعين سينمائيين، رغم أن المسألة برمتها ارتباك صنعه تعدد الترجمات. أيضًا، كان للمحترفين في مجالات السينما المتنوعة إسهاماتهم في صياغة مصطلحات أو تحريف نطق أخرى، وهو أمر لا بد منه يفرضه التداول الحي والحوارات اليومية، فمثلا نطلق في مصر على الذراع المتعدد الذي يحمل لاقط الصوت (الميكروفون) لفظ (جراف) منطوقة بالجيم القاهرية، ونتعامل مع الكلمة كتعبير محلي لا نرجعه إطلاقا إلى أصله الإنجليزي الذي هو (Giraffe) بمعنى زرافة ونطقها الصحيح بالجيم المعطشة، ومما سمعته في بعض الاستوديوهات استخدام تعبير (ماستر سينات) كجمع لمصطلح آخر معرب بلفظه وهو (ماستر سين) المأخوذ من أصل إنجليزي، ونستخدمه كثيرًا بشكل عملي دون أن يحاول أحد تغيير لفظه واستبداله بلفظ عربي، وحتى في الكتابات المتداولة نجد البعض، ميلا للإفهام؛ يكتبه هكذا (المشهد الماستر)، ومن هذا نماذج أخرى عديدة للمصطلح الذي ينحته أو يطوره التداول من قبل المحترفين لا يتسع المجال هنا لحصرها. ذلك التخبط في نحت وترجمة وتعريب وتوظيف أو تداول المصطلح السينمائي، دفع بعض المهتمين بالسينما إلى إصدار معاجم سينمائية متخصصة أبرزها (معجم الفن السينمائي) الذي أعده الأستاذان أحمد كامل مرسي ومجدي وهبة، واللذان استغرقا عشر سنوات من البحث حتى صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1973، وسبق ذلك معجم آخر هو (معجم المصطلحات التقنية السينمائية في العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية) والذي أصدرته لجنة السينما في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم في دمشق عام 1965، وكان لهذه المعاجم أثر كبير في خدمة المحترفين والدارسين في مجالات السينما، ثم (معجم المصطلحات السينمائية) الذي أعدته خيرية البشلاوي، وراجعه هاشم النحاس وصدر عام 2005، مع ذلك قضية المصطلح السينمائي مازالت مطروحة لأن المعاجم التي صدرت قبل عقود لم تعد تفي بحاجة مجال اختلف وتطور بشكل متسارع جدًا خلال العقود الماضية وما يزال يشهد طفرات جديدة كل يوم تفرض الحاجة لحضور مواز لمجددي ومترجمي وموحدي المصطلحات، مما يجعل الحل الوحيد في إنشاء مؤسسة عربية يساهم فيها السينمائيون والنقاد واللغويون والمترجمون لمواكبة مستمرة من خلال منصة إلكترونية يتم تحديثها كل لحظة وتغذيتها بالمزيد من المصطلحات والترجمات، ويتم عليها عقد نقاشات مفتوحة من أجل تبادل الخبرات وتوحيد التوجهات بين متحدثي العربية في كل بقاع العالم.

جدلية التصنيف: تصنيف الأفلام أشبه بتقسيم الكتب لتنظيمها على أرفف مكتبة ما، بدون هذا الترتيب سيجد القارئ عنتا كبيرًا عند البحث أو اختيار كتاب لقراءته وكذلك عندما نصنف الأفلام نعتمد طريقـًا يُسَهّل للمشاهد إيجاد عرضه المفضل وضمان عدم تضييع وقته في البحث عما يناسب ذوقه أو حالته النفسية، وهنا نلاحظ أن فكرة التصنيف تشمل أيضًا النمط الفيلمي (genre) مثل فيلم نوار، كوميدي، موسيقي، أكشن، فانتازيا، رعب، ميلودراما، كاوبوي.. إلخ. والأنماط هي تصنيفات تساعد المتلقي في التفسير والتذوق حيث تُعِد وتؤسس توقعات الجمهور وتعينه على ملء فراغات القصة وتتيح له خلفية تتضح أمامها السمات الجمالية للعمل، فعلى سبيل المثال عندما تشاهد فيلم كاوبوي أمريكي ستضع في حسبانك المرحلة التاريخية التي تدور فيها الأحداث، والمكان الذي تقع فيه وطبيعة العلاقة بين الأشخاص والجماعات (الهنود الحمر والوافدين البيض الأوروبيين مثلا أو بين الحاكم أو الشريف والفرسان المتجولين المجرمين الذين يهاجمون قرى المستوطنين التي ماتزال في طور التكوين، وهكذا) كل ذلك لن يكون صانع العمل بحاجة إلى ذكره مرة أخرى، وإذا تركنا ذلك إلى فيلم من نوع الفيلم الموسيقي سنجد أنفسنا نتقبل ببساطة كون الأبطال يغنون ويتحركون حركة راقصة متناغمة مع الموسيقى التي تصاحب كل الأحداث طوال الفيلم، وهذا ما لن نتقبله في فيلم آخر واقعي وربما كان مثيرًا للسخرية أو النقد اللاذع من قبل الجمهور الذي لا يرى مثل تلك الأشياء تحدث في الواقع، أي أن معرفتنا بنوع (نمط) الفيلم جعلته جزءا من سلسلة طويلة من الأفلام السابقة واللاحقة، سلسلة لها حياتها الخاصة التي نعرفها مثلما نعرف حيواتنا الحقيقية، وهي ليست الواقع بذاته، بل عالم له تاريخه الذي قد يلتقي وقد يتعارض مع التاريخ الحقيقي. الفيلم مجرد قصة واحدة ضمن قصصه. كثير من النقاد يضعون التصنيف كأحد أهم مراحل عملهم التي تساعدهم للوصول إلى أحكام عادلة وحاسمة حول العمل الفني، وهو ما وجدناه كما ذكرنا في استفتاء أهم مائة فيلم غنائي في السينما المصرية؛ فقبل أن تقيّم أهمية الفيلم عليك أولا الاتفاق مع الآخرين حول تصنيفه، لكن من جهة أخرى، جهة صانع العمل؛ نجد التصنيف نوعًا من التقييد لغير المقيد، فساحة الإبداع ساحة حرة لا يجب تحديدها داخل أطر تعيق عمل الفنان وتجعله مرتبكا. الفيلم هو فيلم، وأدوات صانعه منفتحة متعددة، وهو ما يفتح المجال لنقاش أوسع حول عمل الناقد وعمل الفنان اللذين يبدوان متناقضين من هذه الناحية، الفنان يؤسس ويبني ويُعَقـّـد، والناقد يفكك ويهدم ويحل هذه العُقـَـد، لكن التصنيفات التي يعكف النقاد على ابتكارها وصياغتها كثيرًا ما تؤثر على عمل الفنانين في أرض الواقع، فيجدون أنفسهم عند تقديم سيناريو لشركة إنتاج مضطرين لتحديد طبيعة العمل الذي يستهدفون إنتاجه من خلال نفس التصنيفات الموضوعة لهم؛ فيكتبون إن الفيلم كوميديٌّ أو غنائيٌّ أو أكشن مثلا، وهو ما قد نعده افتئاتا على عمل مزمع قد يخالف (بعد إنجازه) كل الوسوم المعتادة، أي أن الفيلم الجديد قد يصبح في حد ذاته نوعًا سينمائيًا جديدًا. إذا، الفيلم هو فيلم وكفى، عابر للتصنيفات، يعلو عليها ويأبى أن يرضخ لسلطانها حتى أننا -اليومَ- لا نولي اهتماما للتصنيف الأقدم والأعم الذي يقسم الأفلام بين تسجيلي وروائي، فأصبح من المعتاد تخطي هذا التفريق الذي طالما سلم به صناع السينما واطمأن إليه النقاد، لكن الصناعة نفسها، الفيلم في حد ذاته تجاوزه فظهرت أشكال فيلمية بينية بصياغات متنوعة حفزت الحاجة لإيجاد مصطلحات إضافية تعددت مثل الدكيودراما والدكيوفيكشن، صارت في حد ذاتها محل جدل لنفس السبب الذي ذكرناه، الفن متجدد عصي على الوضع داخل سياجات ثابته، وهو ما يدفعنا للتساؤل: لماذا أصلا نضع التصنيفات ولا نتعامل مع الفيلم -فقط- كفيلم؟! عدة أسباب كانت وراء نشوء وتطور التصنيفات للفيلم منها أسباب متعلقة بتسويق الأفلام، وأخرى تضعها المهرجانات، وثالثة وضعها النقاد ودارسو الفن والصناعة السينمائية ورابعة تتعلق بالتوزيع والرقابة؛ فمثلا لأسباب تسويقية نشأت تصنيفات مثل فيلم الموسم إشارة إلى ذلك العصر الذي كانت السنة تقسم إلى مواسم وهو تقسيم اعتمدته الصحافة وبعض المؤرخين السينمائيين لتحديد الانتماء الزمني أو الحقبي لأي فيلم. وهو تقسيم غير دقيق فيما يبدو فقد وجدنا إشارة تحدد بداية الموسم بأنه يبدأ في سبتمبر وينتهي في أغسطس، وذلك في عدد موسم 1969-1970 من سلسلة (السينما المصرية في موسم) التي دأب على إصدارها سنويا الناقد عبدالمنعم سعد منذ عام 1967، لكنه يعود في العدد الصادر في عام 1976 من نفس السلسلة ليحدد بداية الموسم في شهر يناير ونهايته آخر العام في ديسمبر، ما يعني عدم اعتماد معيار واضح لمفهوم الموسم السينمائي حتى بالنسبة لنفس الناقد، كما انفتح الباب لإطلاق المسوق لقب فيلم الموسم وكل موسم على فيلم معين للإيحاء بأفضليته على الأفلام التي يتوافق عرضها معه في نفس الموسم لحفز الجمهور على شراء تذاكره دون غيره، وهي مبالغة تسويقية لا محل لها من التفسير. أيضًا استخدمت الأنماط الفيلمية لغرض التسويق، مثل الفيلم الكوميدي أو الغنائي أو الاستعراضي أو الأكشن، ومنها نشأت المسميات الدامجة بين نوعين أو أكثر مثل الفيلم (الكوميدي الغنائي الاستعراضي) ... وهكذا. أما المراحل التي مرت بها صناعة السينما وتطورها تكنولوجيا فقد تركت أيضًا أثرها من خلال تصنيفات: الفيلم الصامت، والفيلم الناطق، والفيلم الملون، وفيلم بالألوان الطبيعية، وفيلم التكنيكولور، ونلاحظ أن التصنيفات الثلاثة الأخيرة تصف ثلاث مراحل وثلاث تقنيات مختلفة مر بها الفيلم الذي يطلق عليه إجمالا (فيلم ملون)، ثم ظهرت السينما سكوب التي كانت أشهر أشكال السينما عريضة الشاشة واستخدمت عادة في الأفلام ضخمة الإنتاج خاصة الأفلام التاريخية، والفيلم المجسم أو ال3D، وفيلم الدولبي نسبة إلى التقنية الصوتية، والعديد من التصنيفات الأخرى التي ظهرت واختفت مع ظهور تقنيات أو تحديثات جديدة بعضها نجح وبعضها لم ينجح في الاستمرار أو نجح لفترة محدودة. هناك تصنيفات أخرى استخدمت لأغراض التسويق منها ما اعتمد على بلد الإنتاج مثل الفيلم المصري والفيلم الأمريكي أو الفيلم الهندي، أو المنسوب لجهة الإنتاج مثل أفلام التليفزيون في مصر، ومنها ما ارتبط باسم مخرج ذائع الصيت أو صاحب أسلوب أو نوعية مميزة مثل أفلام يوسف شاهين وأفلام صلاح أبو سيف أو عاطف الطيب أو حسن الإمام، ومنها طبعا الأكثر اعتمادًا في تسويق الأفلام التجارية وهي الأفلام المنسوبة للنجم الذي يقوم بدور البطولة مثل أفلام عادل إمام وغيره. أما المهرجانات السينمائية فقد أسهمت أيضًا في تصنيف الأفلام أو اعتمدت تصنيفات عامة لتسهيل مهام لجان التحكيم منها التقسيم الأكثر شيوعًا إلى فيلم روائي Fiction وتسجيلي Documentary وهو تصنيف كسرته كثير من الأفلام الحديثة التي تجمع بين الصفتين لكنه ما يزال سائدًا، ثم التقسيم حسب الطول إلى فيلم طويل وقصير وهو أمر يختلف بين مهرجان وآخر وإن كانت معظم المهرجانات تعتبر الفيلم القصير ما يقل عن 30 دقيقة، لكن البعض يصلون بوصف القصير إلى 50 دقيقة التي يعتبرها آخرون أفلامًا متوسطة الطول، ثم هناك تصنيف أحدث لما يسمى (الأفلام القصيرة جدًا) والتي أصبح لها مهرجانات ومساحات عرض خاصة. أيضًا ساهمت المهرجانات السينمائية في ظهور تصنيفات تبعًا للمنطقة الجغرافية أو الثقافية مثل الفيلم الآسيوي أو الأفريقي أو العربي، وتبعًا للموضوع هناك فيلم المرأة أو فيلم الطفل أو فيلم التراث، كما أن طبيعة الفيلم مثل سينما المؤلف اعتبرت صنفًا خاصًا، كما أن الوسيط المستخدم في إنتاج الفيلم فتح الباب أمام تصنيفات أخرى مثل فيلم الموبايل أو الفيلم الديجيتال، بالإضافة إلى تصنيف (فيلم المهرجانات) أصبح متداولا للإشارة إلى نوعية خاصة من الأفلام ذات الطبيعة البعيدة عن الأفلام السائدة التي يطلق عليها في المقابل السينما التجارية. النقاد ودارسو السينما أسهموا أيضًا بنشر مسميات وتصنيفات للأفلام احتاجتها دراستهم وتحليلهم، وساروا في ذلك على طريق أرسطو الذي قسم في كتابه (فن الشعر) المسرح إلى تراجيدي وكوميدي وملهاة كوميدية (مسرحية ساتورية)، وأيضًا قسم الشعر إلى ملحمي (قصصي) وغنائي (الذي أطلق عليه العرب خطأ المديح)، ودرامي. فعل أرسطو ذلك بدراسة وتأمل أعمال المسرح اليوناني أمثال تراجيديات يوريبيدس وإيسخيلوس وسوفوكليس وكوميديات أريستوفانيس، وكذلك عكف النقاد ودارسو السينما على اكتشاف مدارس واتجاهات انبعثت مع تطور ورواج السينما وأصبحت وسيلة لتصنيف الأفلام أيضًا مثل: الواقعية الإيطالية والتعبيرية الألمانية وكلاسيكية هوليوود والواقعية الإشتراكية الروسية والرومانتيكية وسينما المؤلف والدوجما، والواقعية المباشرة (وهو مصطلح وصف به الناقد هاشم النحاس أعمال المخرج عاطف الطيب)، وغيرها. الرقابة أيضًا كانت لها تصنيفاتها، والرقابة ظهرت في معظم دول العالم بهدف لجم هذا الجواد الجامح الكامن في الفن السينمائي الوليد، فنجد عالم هوليوود في بداياته والذي ارتبط بزخم فظيع من الشرور والتجاوزات دفع المجتمع إلى إطلاق كود أخلاقي يحجم نزق منتجي الأفلام وتطور الكود الذي كان قواعد عامة لينتج عنه تصنيفات مشفرة للأفلام تسمح بتداولها من خلال أطر خاصة مثل: G وتعني أن الفيلم مناسب للعرض العام بدون أي قيود، PG13 الفيلم صالح لحضور القصر بمصاحبة أحد الوالدين، R محظور لأقل من 17 سنة إلا بمصاحبة أحد الوالدين، NC-17 محظور قطعيًا لمن هم دون 17 عامًا، X تعني أن المحتوى بورنوجرافيًا صريحًا. هكذا نجد أن تصنيف الأفلام أمر حتمي وغير ضروري في نفس الوقت، حتمي عندما يتعلق الأمر بما بعد تخطي الفيلم لمرحلة الكينونة، عندما يصبح لدينا -فعليًا- فيلم نتحدث عنه ونسوّقه وندرسه، أما في مراحل الإنتاج فلا يحبذ أن يلتفت صانع الفيلم لأي صوت سوى صوت إبداعه.

خلاصة: قد نتفق أو نختلف حول نتائج استفتاء مثل الاستفتاء عن أفضل أفلام السينما الغنائية، لكننا لا يسعنا إلا أن نشكر القائمين عليه للفت الأنظار لقضيتين شديدتي الأهمية والحساسية وهما قضية توحيد المصطلحات السينمائية وقضية تصنيف الأفلام، قضيتان يدرك كل دارس للسينما ومدرس لها أهميتهما لرفع التجاوز وتوضيح المقاصد ونشر الثقافة السينمائية دون لبس أو تعمية، لذلك كما أشرنا لا مناص من إنشاء منصة عربية إلكترونية موحدة يوكل إليها مناقشة هذه الأمور والبت فيها وتحديث نفسها يوميًا مع كل طارقٍ فني أو تقني جديد.



تعليقات