فيلم "الخطابة".. غموض يتجسد في شخصية سعودية

  • نقد
  • 07:19 مساءً - 6 سبتمبر 2024
  • 1 صورة



ذات يوم، كنتُ في ورشة عمل مع أصدقاء لدراسة فكرة مسرحية، ومن خلال الحوار والنقاش، تطورت الفكرة الأصلية إلى قصة مختلفة تمامًا. هذه “الغربلة”، كما يُطلق عليها، تحدث كثيرًا في عملية تحويل فكرة الروايات إلى سيناريوهات سينمائية، حتى أن الروائي المصري نجيب محفوظ وصف هذه التجربة بقوله: “أنا شفت قصة تانية غير قصتي التي كتبتها” بعد مشاهدته لفيلم مقتبس من إحدى رواياته. أظن أن شيئًا مشابهًا قد حدث في فيلم “الخطابة”، إذ بدأت الفكرة بشيء، وانتهت إلى شيء آخر تمامًا. تخيل أنك معجب بفتاة في مكان عملك، إعجابًا نبيلًا، وأنك تفكر في التقدم لخطبتها. يخطر ببالك حينها سؤال؛ هل تحتاج في الوقت الحالي إلى خَطّابة لتقوم بدور الوسيط بينك وبينها؟! في التقاليد القديمة، كانت الخَطّابة هي المرأة التي تدخل البيوت المغلقة، ترى إحدى الفتيات “العزباوات” وتجلب لها عريسًا مناسبًا، دون أن يعرف أي منهما الكثير عن الآخر، وظيفتها هي ببساطة توفيق رأسين بالحلال. لكن فيلم “الخطابة” يأخذ هذه الفكرة التقليدية إلى مكان آخر، إنه يروي القصة برؤية مختلفة، رؤية مفعمة بالإثارة النفسية والرعب، نتابع حياة طارق وهو يعيش حياة زوجية نمطية اعتيادية مملة، يعمل موظف في قسم تقنية المعلومات، تعينتْ موظفة جديدة “سلمى” في الشركة، فيجد نفسه مفتونًا بها، يقوده هذا الإعجاب إلى التقرب منها، لكنه فجأة يجد عرضًا إلى منتجع صحراوي غامض تديره خطابة غريبة، هذه الخطابة تعد الرجال بالعثور على العروس المثالية، لكن وراء هذا الوعد يكتشف طارق أسرارًا مظلمة، ولعنة قديمة تدفعه لمواجهة سلسلة من الأحداث المرعبة، وتعود به في النهاية إلى أحضان أسرته الصغيرة. الممثل “حسام الحارثي” يجسد شخصية طارق، ويجعلنا نشعر بعمق الصراعات الداخلية التي يعيشها، بينما تقدم “ريم الحبيب” دور الخطابة بحضور مهيب، يجمع بين الغموض والقوة، هذه الشخصية ليست مجرد وسيطة زواج تقليدية؛ إنها تمثل غموضًا مشحونًا بالأسرار واللعنات. هذا التحول في الشخصية يضيف بُعدًا جديدًا لها، مما يجعلها تتناغم تمامًا مع أجواء التوتر والرعب التي تسود الفيلم. مع تصاعد الأحداث، يواجه طارق اللعنة التي تحيط بالمنتجع، ويصل إلى ذروة المواجهة مع “الخطابة”. هذا المنعطف، يذكرنا طارق بشخصية كريس، الذي جسده دانيال كالويا في فيلم “Get Out”. كلا الفيلمين يعتمد على بيئة معزولة تحيطها لعنة غامضة، مما يخلق توترًا نفسيًا متزايدًا. مشهد وصول طارق إلى المنتجع الصحراوي ولقاء الخطابة، حيث يلاحظ تفاصيل غير طبيعية وسلوكيات مضطربة من حوله، يتوازى بشكل كبير مع مشهد وصول كريس إلى المنزل المنعزل لعائلة حبيبته ولقاء أفراد عائلتها غريبي الأطوار. في كلا المشهدين، تصبح البيئة المحيطة عنصرًا أساسيًا في تعزيز الإحساس بالعزلة والخوف والتردد على عدم الاقدام على تجربة مقلقة، مما يضع المشاهد في حالة من الترقب المستمر. رغم نجاح السيناريو في موازنة المشاهد الصامتة والمكثفة مع الحوار، واستخدام العناصر البصرية لتعزيز الحبكة، إلا أن الفيلم لم يخلُ من بعض الثغرات، فبعض المشاهد كانت بطيئة الإيقاع، مما أثر على تدفق الأحداث. كما أن الشخصيات الثانوية لم تتطور بالقدر الكافي، ما جعل بعضها يبدو سطحيًا وغير مكتمل. على سبيل المثال، شخصية الموظفة “نور الخضراء”، التي لعبت دورًا محوريًا في القصة، افتقرت إلى التفاصيل التي تجعلها تنبض بالحياة أمام المشاهد. التصوير في مدينة العلا التاريخية أضاف بُعدًا بصريًا جماليًا للفيلم، استغل المخرج عبدالمحسن الضبعان جمال المناظر الطبيعية الصحراوية، ليجعلها جزءًا من السرد البصري، مما يعزز شعور طارق بالانعزال والخوف في مكان واسع وفسيح. كما أن استخدام الموسيقى التصويرية والإضاءة بحرفية ساهم في جعل الفيلم تجربة سينمائية غنية بالتفاصيل المؤثرة. في المجمل “الخطابة” وهو فيلم سعودي، من تأليف واخراج عبدالمحسن الضبعان، شاركه التأليف فهد الأسطاء، ومن انتاج تلفاز11 ونتفليكس، لا يثير أي مشاعر إيجابية أو سلبية - في رأيي المتواضع - لكنه يمثل تجربة سينمائية لا بأس بها، تمزج بين الغموض والإثارة النفسية مع لمسة محلية تعكس ثقافة وتقاليد المجتمع. الفيلم يعد خطوة جريئة إلى الأمام في السينما السعودية، مقدمًا لعشاق هذا النوع من الأفلام عملًا يستحق المشاهدة رغم بعض الملاحظات الطفيفة، وشخصية الخطابة والغموض الذي يحيط بها، كذلك تحويل جمال الطبيعة الساحر “العلا” إلى مكان سوداوي، هذه عناصر تجعل “الخطابة” فيلمًا يثير التفكير ويحتمل النقاش.

وصلات



تعليقات