يقترب رأفت الميهى بفيلم \" للحب قصة أخيرة – الذى كتبه وأخرجه – من العالم اليومى شبه الروتينى لحياه طائفة من الناس تسكن جزيرة وسط النيل هى الوراق، وتعيش حياة طقوسية مختلفة عن سكان القاهرة المنفصلين عن الجزيرة بنهر النيل خاصة تلك الطبيعة الراقية التى تنعكس اشعاعات مصابيحها ليلاً على سكان الجزيرة فتكون أشبه بعالم السحر الذى يخطف الأبصار والأفئدة ،ويجذب النفوس فتذهب إلى ذلك العالم عابرة نهر النيل لتتوه فيه أو تلقى مصرعها أو تعود كسيرة الفؤاد عليلة النفس والجسد ،أو تتأقلم مع ذلك العالم لتعيش فيه وتنسى عالم الجزيرة بكل ما فيه من شقاء ومعاناة من جانب وانغلاق على الذات لممارسة الطقوس الخاصة التى فيها الراحة والنفور من كل من يحاول الأقتراب منها أو تحيدها أو النيل منها بالسخرية على سبيل المثال من جانب أخر . فعالم الجزيرة الذى تناوله الميهى ليس عالما خياليا ابتكره ليضفى الإثارة على عمل لكنه عالم واقعى حاول الميهى قدر إمكانه نقله فى ذلك الوقت 1985 بكل أمانة مع التدخل فى معالجة الحوادث بحيث تلائم التصوير السينمائى ولم يتدخل فى مسار الحوادث الواقعية التى كتبها ،لذلك كان الفيلم فى طليعة أفلام الواقعية التسجيلية التى لا تعالج مشاكل وهموم الناس بقدر ما تسجلها ليراها أصحابها وغيرها فيعالجونها بأنفسهم أو يستمتعون برؤيتها مجسدة على الشاشة . والملاحظ أن الميهى رسم صوراً فى منتهى الإنسانية والضعف لسكان الجزيرة قد لا تكون من مغريات صنع الأفلام لأنها لا تحتوى على مواقف حاسمة أو صراعات كبرى ولكنها فى ذات الوقت شديدة الحميمية بالإنسان وواقعه المعيش المتكرر فهو يسلط الضوء على بعض العوالم الداخلية لمجموعة من سكان الجزيرة، ويكشف سلوكياتهم ومشاعرهم التى تخفى على الناظرين تحت ثوب المظهر الخارجى الخادع، فعندما يرى المشاهد عبد العزيز \"عبد الحفيظ التطاوى\" يجده رجلا مهذبا يرتدى ثيابا عتيقة لكنها مهندمة ويتحدث بالحكمة وتحدوه مخايل العقل والاتزان وهو يسأل عن صحة أحد أفراد الجزيرة لكن سرعان ما يتعرف المشاهد على الصورة الداخلية لعبد العزيز من خلال تشابك العلاقة مع طبيب يعيش بالجزيرة حسين \"عبد العزيز مخيون\" فيكتشف المشاهد أن عبد العزيز يخرج يوميا بعد المغرب ليجلس بالقرب من معدية الجزيرة منتظراً ابنا وحيدا له ذهب لعالم القاهرة ولم يعد منذ سنوات، ويعلم أهل الجزيرة كلهم أن هذا الأبن قد مات وأن ذلك قد أثر فى عقل عبد العزيز للاطمئنان على صحة أم سامى زوجة عبد العزيز يجلس الطبيب معها فى حين يذهب زوجهاً لإعداد الشاى فيفاجأ الطبيب بأن أم سامى تعلم بموت أبنها سامى وتخرج للطبيب الجريدة التى تحمل هذا الخبر وتعلمه بأنها خبأت هذه الجريدة عن زوجها حتى لا يصدم ويموت ويظل يعيش على أمل عودة الأبن . وبعد أن يعد الزوج الشاى ويحضر تكون الزوجة قد أعادت الجريدة لمكانها وينتهى الطبيب من الإطمئنان على الزوجة ويصطحب الزوج للخارج وهنا تكون مفاجأة أخرى ،حيث أن عبد العزيز يصارح الطبيب بأنه استمع لحواره مع زوجته وأنه يعلم بأمر الجريدة وأنه عندما قرأها لأول مرة لم يصدق أن الصورة المنشورة بها للقتيل وعندما ذهب للاستفسار وجد الصورة المنشورة للقاتل أى لأبنهما سامى الذى سجن وعلم أنه هرب من السجن لذلك يذهب كل يوم فى أنتظاره وعندما سأله الطبيب لماذا لم يخبر زوجته بذلك ظهر الشعور الإنسانى الحاد المفرط بين الزوج والزوجة الذى يجسد قمة الحب والعطاء المتبادل فالزوج رفض أن يخبر الزوجة حتى لا يعطيها أملاً قد لا يتحقق أبداً وأراد أن تظل فى جهلها وقد ارتاحت من الانتظار والقلق والترقب وظل هو فى هذه الحالات ،فالزوج يرفض أن يعطى زوجته أملاً ثم يخيب ذلك الأمل فيسبب لها ألما شديداً، والزوجة ترفض أن تقطع أمل زوجها الأمر الذى يسبب له ألما شديداً مما يعكس صورة رائعة للحب المتبادل . ويأتى ملمح إنسانى أخر لا يجسد الوحدة بين المسيحيين والمسلمين بالشعارات لكنها بالأعمال والأفعال اليومية حيث أن تلك الوحدة تمارس على أرض الجزيرة التى تحوى امرأة مسيحية مسنة لا أقارب لها وقد كانت هذه المرأة ترعى كل شباب وفتيات الجزيرة وتعاونهم بما استطاعت وتحبهم وتحنو عليهم وهم يقدرون لها ذلك ويحترمونها إحتراما بالغا تلك المرأة دميانة التى ترمز للحكمة والتسامح والإخاء وعندما يحاول أحد صعاليك الجزيرة \"أحمد راتب\" أن يبحث فى غرفة من غرفها عن كنز قد تكون خبأته بحجة أنه سوف يدهن لها هذه الغرفة هنا تأتى زوجته \"عبلة كامل\" التى تعمل فى خدمة منزل رفعت \"يحيى الفخرانى\" لتردعه عن أفعاله وتحذره منها وتهدده بفضحه، فيخرج معها وعندما تذهب دميانة طالبة ذلك الصعلوك ليكمل دهان غرفتها ترفض الزوجة وتطلب منها عدم إدخاله منزلها ولا تفصح عن سبب ذلك ،فتظن دميانة أن الزوجة تغار على زوجها منها فتثور مؤكدة أن شباب وشابات الجزيرة كلهم ابناؤها وتعلن مقاطعتها0 للزوجة مدى الحياة، ثم تموت دميانه وتتم مراسم دفنها الكناسية ويخرج أهالى الجزيرة كلهم فى وداعها مصطحبين جثمانها عبر مراكب النيل للجهة الأخرى ويتم هذا المشهد بصورة رائعة بعبقرية لم تحدث من قبل حيث يجسد الوحدة فى ابهى صورها مع تجسيد طبيعة الحياة التى لا تقف عند حدود المأساة، فالمركب الذى يحمل الجثمان فى مشهد جنائزى يتقابل مع مركب أخر يحمل السعادة والبشر والغناء من خلال زفة عروس وكأن الحياة لا تتوقف عند حد معين . ويحمل طبيب الجزيرة قصة إنسانية أخرى فهو متزوج وله طفلان من زوجته ويعيشون بالقاهرة خارج الجزيرة لكنه أضطر أن يأتى ليكون بجانب أمه العجوز المريضة التى لا تستطيع الحركة وليس لها أحد غير ذلك الأبن فهو يعيش معها تاركا أسرته بالقاهرة التى تأتى كل فترة لزيارته وذلك الأمر ـ أى ترك أسرته ـ سبب له أزمة نفسية جعلته غير قادر على معاشرة زوجته جنسيا وهى تتحمل ذلك حتى يأتى أجل أمه فيتفرغ لأسرته لكن شهوة الطبيب تتحرك بصورة إنسانية فهو ليس ملاكا كما قد تصور بعض شخصيات السينما وإنما هو بشر له مزاياه وعيوبه حيث يشتهى راقصة الموالد فتأتى إليه فى منزله ويمارس معها الجنس فى غرفة أمه التى تموت دون أن تشعر بشئ وتظل الراقصة تعيش مع الطبيب فى منزله .
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
فيلم شاعرية المكان | حربي الخولي | 2/3 | 1 يونيو 2009 |