هل يمكن أن يتحول فيلم كنت تحسبه في الماضي مجرد (فيلم لطيف) ليصبح محملا بقدر من الشجن والحنين للماضي يجعلك توشك على البكاء عند مشاهدته؟؟
منذ أيام قررت مشاهدة فيلم خيري بشارة الشهير (آيس كريم في جليم) وهو أحد الأفلام التي أحبها منذ الصغر ولكني لم أره أبدا عملا خارقا للمألوف أو شديد الإبداع..فيلم غنائي لطيف..ضغطت علي ملف الفيلم وبدأت المشاهدة لتحملني أحداثه إلى الماضي..إلى ذكرياتي التي عشتها والتي لم أعشها..لأحلام الطفولة ولذة معرفة العالم للوهلة الأولى..فوجئت بنفسي أوشك على البكاء في منتصف فيلم من المفترض في تصنيفه أنه (غنائي/كوميدي) ..ولكن الأمر ليس بهذه السهولة..يمكنني مستريح الضمير أن أضيف للتصنيف كلمة (تاريخي)..وتاريخي ليس وصفا للفيلم..بل هو تاريخي أنا..زماني أنا..أحلامي أنا الموؤدة تحت رمال السنين
الفيلم يجمع تقريبا كل رموز الحياة التي أحببتها وحلمت بها..حياة مصر أوائل التسعينات التي ظلمها الجميع ووصفوها بعدم التأثير..وصفوا تاريخي بعدم التأثير..زمني..زمن (عمرو دياب) مغني الطفولة..عمرو دياب الذي يغني لي ولي وحدي لا لنجوميته وعالميته..عمرو دياب صاحب تسريحة الشعر الغريبة التي كنا نراها قمة الموضة..عمرو دياب الذي كنت أدافع عنه بحماس صبياني أمام أبي وأصر على تشغيل شرائطه على كاسيت السيارة..وأسعد كل السعادة عندما يتنازل الرجل الكبير ويبدي إعجابه بأحد أغانيه..عمرو دياب / سيف حلم الطفولة..الشاب الوسيم الذي تعشقه البنات..الشاب صاحب الجاكيت الجلد والموتوسيكل والذي يعيش في كشك ويعشق نمط الحياة الأمريكية..الشاب المخدوع بهذا الحلم وكنا مخدوعين معه.
زمن (سيمون) الجميلة والمثيرة والرقيقة والماجنة والضعيفة والخجولة..القادرة وصاحبة الوش المكشوف..سيمون الرقة والإغواء..سيمون الحواجب العريضة والشعر الهايش والميني جيب الذي لا يحكم المجتمع على من ترتديه بقلة الأدب..سيمون جميلة جميلات الطفولة بتاعت (تا تا تا تا تاكسي) والغمزة محطمة القلوب.
زمن نوادي الفيديو ومزيكا حسام حسني..زمن عم زرياب الشيوعي القديم الذي كان لا يزال موجودا بيننا..زمن حسين الإمام الانفتاحي المستغل الذي لا تقدر على كرهه بل وتجد نفسك متلبسا بحبه رغم شعره الكانيش وقبعة (ال كابوني) على رأسه..زمن القاهرة عندما كانت وطنا لميلاد الأحلام لا لتحطيمها..سهرات رأس السنة وبابا نويل في كل مكان عندما لم يكن الاحتفال برأس السنة حراما..كورنيش الاسكندرية القديم بكبائنه البيضاء وسيف يغني بجوار يافطة شاطئ ستانلي (اللى عليها راجل نايم ومستمتع).
إلى الآن أنا غير قادر على إيجاد الوصف الصحيح لهذه الحالة..حالة نوستالجيا شديدة الاقتحام سببها هذا الفيلم الذي لم يرد صانعوه للحظة أن يؤرخ لأي شئ فاذا بهم يصنعون فيلما يؤرخ لحياتي
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
ايس كريم في جليم..نوستالجيا سينمائية | Ahmed Shawky | 27/28 | 4 يونيو 2009 |