أنا (فادى) و عادل دخلنا هذا الفيلم ... و دَخـَلنا هذا الفيلم، دخل و إمتلك وجداننا. فلقد جعلنا داوود عبد السيد نمضى واحدة من احلى لحظاتنا السينمائية بتحفته هذه.
و نتيجة لطبيعة الفيلم و إمتلاءه بالرموز العديده، التى قد يختلف أكثر من شخص حولها. قررنا أن يحتوى المقال على رؤية كل منا فى الفيلم و فيما يحمله من معانى. مما يعنى إن المقال يكشف عن بعض تفاصيل الفيلم.
و قد أعذر من انذر ..
اخر افلام داوود عبد السيد (مواطن و مخبر و حرامي) كان سنة 2001 و قبليه (ارض الخوف) كان سنة 1999. و رحلته السينمائية كلها، 25 سنة، قدم خلالها 8 افلام (7 منها من تاليفه). داوود بإختصار هو المخرج و المؤلف اللى ممكن تستناه كتير علشان متأكد إنك حتشوف سينما بجد .... صحيح 10 سنين كتير قوي قوي .... لكن اخيرا جاءنا فيلم لداوود عبد السيد، الروائى الذى خسره الأدب و كسبته أكيد السينما.
و كمان هو يا عادل لا يبحث عن الإستسهال فى اعماله و لا تطغى عليها الروح التجارية، اللى بتخلى العمل ينزل لك بدل ما يرفعك لآفاق تشعرك بمتعة و رقى فن السينما. داوود صانع فيلم بكل معانى الكلمة، و داخل لكى يؤدى رسالة لفن السينما ... له رؤية حيعملها يعنى حيعملها. يهتم بكل تفصيلة صغيرة و كل مشهد من مشاهده ينقل رساله، و بالتالى أغلب أفلامه ما تتشافش مرة واحده ... أنا شخصياً عشقته من أيام (الكيت كات 1991) .
و اللذيذ إن القصة يا فادى بسيطة جداً ... هى عن يحيى (اسر ياسين) الشاب خريج كلية الطب، و اللى يضطر للتوقف عن مارسة المهنه لانه (بيتهته) في الكلام ...
التهتهه دى تفصيلة عبقرية و لها تأملات كثيرة.
ما أحنا حنييجى فى الكلام أهوه، بس تكملة القصه إنه بيروح اسكندرية يشتغل صياد بعد ما قفل هو و اخوه (البيت اللي كبر عليه) ... و بيروح لشقته القديمة اللي بيقابل فيها جيرانه القدامى فرانشيسكا (نبيهه لطفي) و بنتها كارلا (سامية اسعد) ... و في أثناء تجوله في اسكندرية و شوارعها، يقابل نورا (بسمة) و يسمع مزيكا مجهولة المصدر خارجه من شباك إحدى الفيلات ... و تستمر الأحداث.
لأ نسيت كمان يا عادل دور قابيل (محمد لطفي) اللى قابله فى البار، و عرف إنه بيشتغل بودى جارد بس حالف بينه و بين نفسه إنه ما يستخدمش قوته مع أى حد.
و أهم حاجه كمان الرسالة اللى وصلت له فى إزازة لقاها فى البحر، كلامها مكتوب بلغه غير معروفة ... ده غير دور الحج هاشم (صلاح عبد الله) صاحب البيت اللى ساكن فيه ... و اللى عايز يـ ....
لأ كفاية كده بقى يا عادل، نخش فى الرموز ... أصل اللى يدخل الفيلم ده على إنه حدوته يبقى غلطان، ده إنت كمشاهد لك دور هام فى نقل رسالة الفيلم. لأنه مشفر و داوود عبد السيد سايب لنا مهمة فك رموزه.
بص هو أكيد فيه مليون تفسير ... زي مثلا تفسير ان البحر بيمثل (الخالق/الله) كعادة داود عبد السيد الفلسفية ... و الرسالة المجهولة هي رسالة من ربنا ليحيى، اللي فشل في ترجمتها زي ما فيه مننا كتير بيفشلوا في ترجمة الرسائل الالهية ... و البيت الكبير اللي كان عايش فيه و قفله يرمز للجنه اللى سابها ...
أنا بدأت انتبه لفكرة الفيلم فى اللحظة اللى الكاميرا فيها قعدت تستعرض كم الزخارف المعماريه البديعه فى العمارات السكندريه القديمه، حسيت إن داوود عايز ينقلنا لبُعد تانى، فيه إستعراض لجوهر الشخصية المصرية، و كيف أبدعت و إبرزت إهتماماً راقياً بالتفاصيل الجماليه التى تعطى للحياه كل طعم و لون.
و مع توالى الأحداث يا عادل لقيت إن يحيى (آسر) و نورا (بسمه) بيمثلوا الطبقة المتوسطه المثقفه، و اللى (بتهته) فى الحياه الصاخبه الحاليه و بتحاول يبقى لها مكان. كل الطبقات الأعلى بتحاول تستغلها و تعيش عليها، بتحترم و الأهم بتعرف تتعامل مع الثقافات الأجنبية، اللى كانت متداخله بقوه فى تاريخنا المعاصر، و يمثلها فرانشيسكا كتاريخ و كارلا كحاضر بتحاول دائماً الطبقات العليا أن "بتتمسح" فيها.
تقصد بـ "تتمسح" دى كارلا لما ...
أيوه أيوه ... و عجبنى قوى إختيار الرموز الأنثوية فى الجزء ده، لأن وجود "ذكر" على الجانب المصرى او الأجنبى حيضعف المعنى. لأنه حيبقى فيه جو سيطرة و سطوة و ربما إستغلال من طرف على حساب الآخر، كطبيعة العلاقه. بس كده بقى فيه ... تماثل، و بالتالى بنبعد عن المفهوم الحسى للعلاقه.
أما الطبقه المتوسطه بقى فهى بتسعى لرزقها اللى ساعات القدر (البحر) بيقفل أبوابه عنها ... بيحاولوا ياخدوا نصيبهم من خير البلد (السمك) اللى غيرهم (الحج هاشم) بينهش فيه بأسوأ طريقه ممكنه.
بص يا فادى، أنا مش عاوز أخوض في تفسيرات فلسفية، لان الفيلم اصلا ليه مئات التفسيرات و الرسائل المجهولة ... مش عن عدم فهم، و لكن لإختلاف الرؤية من مشاهد للتانى.
طب بس أقول عن محمد لطفى و دوره زى ما انا شايفه.
و بعدين نخش على تقييم الفنانين.
أوكى ... محمد لطفى ده بيمثل الطبقة الفقيرة، هامشية بالنسبة للجميع ... و لكنها محتفظه بلمحة أصاله و مازالت تحاول ان تلتزم بأخلاقيات ولاد البلد. فشهامة قابيل (لاحظ مدى الصياعه فى إختيار الإسم) هى سند يحيى و مُعينه، و حرصه على عدم إساءة إستخدام قوته لمعرفته بخطورة القوه مع (الغشامه) يعكس لمحة تحضر تبثها جيناته المصريه العريقه.
و لكنه للأسف مشوش العقل ... و بالتالى حاله يصعب على الجميع فيما عدا الطبيب المعالج، والذى ينتمى لطبقه تقتات على هؤلاء الغلابه، و لكنه لا يعبره بكلمة حلوه حتى. و هو يحاول، مثل باقى الشخصيات، أن يبحث عن ذاته الحقيقية.
بس لقيت نفسي متفاعل مع الاحداث بشكل غريب قوي ... مشهد واحد حسيته مكرر ... مشهد صلاح عبدالله و اسر في المكتب، و صلاح بيديله التفاحة و البقسماط و عاوزه يختار بينهم. في فيلم ارض الخوف كان فيه نفس المشهد مع احمد زكي ... اعتقد من غير التفاحة كان المعني هيوصل برضه .... و مش عارف دي مجرد صدفة و لا نفس المشهد بيتكرر .
و الفيلم مكتوب عليه للكبار فقط لوجود مشاهد خارجة، بس الغريبة انها مشاهد لا تخدش الحياء مطلقاً ... بس عموماً ابهرني جداً الأستاذ داوود عبد السيد فى الفيلم ده.
الرمز عند داوود فى الفيلم ده أكثر عمقاً من أى مخرج أخر ... لا يصلك مباشراً و صريحاً، بل مثيراً و به لمحة غموض حتى يدفع عقلك إلى التفكير فى معناه.
طب إيه رأيك فى ديكور انسي ابو سيف ؟ أنا مش عارف اقول ايه ... قطعة فنية اضافت كثيراً للفيلم. خصوصا فى تناغم الديكور مع المزيكا و حركة الممثلين !
ولا كاميرا أحمد المرسى، حركة الكاميرا فى مشاهد مواجهة يحيى مع البحر كانت عبقرية. شفت كيف أظهرت، عن طريق إختيار زوايا و درجات وزووم مختلفة، مدى قوة البحر و أيضاً ضعف الإنسان أمامه. أيضاً مشاهد يحيى و نورا فى المركب كانت بانوراما لإسكندرية بكل جمالها و روعتها.
و المزيكا للرائع راجح داود : يالهووووووووي ... مزيكا بجد، و الإختيارات من المزيكا الكلاسيك، زي شوبان، كانت في الجون ..... و جو اسكندرية كله ظهر في المزيكا.
هو الفيلم كله يا عادل عباره عن تابلوه جميل، تفاصيله كلها مرسومة بإحساس فنى عالى. و كل تفصيله كمان بتحمل عمق و معنى مستتر ... سواء كان الشباك اللى كان بيسمع من خلاله الموسيقى، و حتى فى النكته اللى قالتها بسمه فى الحوار، مش مجرد كوميديا ... وراها معنى رائع و راقى جداً.
لأ فيه تفصيله أختلف معاك فيها، و هى المونتاج، مني ربيع، الحقيقة هو اضعف حاجة في الفيلم ... فيه مشاهد اتقطعت و ماحسيتهاش تنتهي كده ابدا، و مشاهد تانية بالعكس، كانت بتنتهي ببطء ..... !!!!
يمكن يكون عندك حق، هو الموضوع ده أنا ما لاحظتوش قوى غير فى مشهدين تلاته ... حسيت فيهم إن الإيقاع مش مظبوط قوى. بس ما عرفتش احط إيدى على السبب لحد ما أنت نبهتنى.
أى خدمه ... نيجى بقى للممثلين، و اللى على فكره كلهم أخدوا شخصياتهم بمنتهى الجديه و درسوها كويس قوى:
نبيهه لطفي (فرانشيسكا) : اسكندرية القديمة ... تمثيل يخبل، رغم انها مش ممثلة، و ده اول دور ليكى (كانت مساعد مخرج فى السبعينات، و إشتركت فى كتابة سيناريو و حوار فيلم واحد (الأخوه الأعداء 1974 ... بتاع يحيى شاهين و نادية لطفى و محيى إسماعيل و الماخوذ عن قصة الأخوة كرامازوف) بس ما أقدرش اصدق ده، دى ممثله بحق ربنا !!!
أحد افضل مشاهد الفيلم كانت مشاهدها مع آسر ... كم من الحنية و الطيبه غير طبيعى مع اللمسة العملية (الأجنبية) فى شخصيتها ... أداء عالى جداً.
سامية اسعد (كارلا) : اول مرة تمثيل بس كالعادة اختيارات داود عبدالسيد لا تخيب ابدا ... اعترف اني عشت قصتك معاكي .. بس كان عندي عشم الدور يكبر عن كده زيادة. إنفعالاتك طبيعيه قوى قوى.
مي كساب (بيسة) : دور صغير بس مع مخرج بحجم داوود، يبقي في صالحك قوي .... يبقي مشهدك مع محمد لطفي الاخير و مشهدك مع الفراشات ... احد اقوي مشاهد الفيلم بلا استثناء.
صلاح عبدالله (الحاج هاشم) : دور صغير بس كالعادة انت زي ما انت، بتعرف تعمل الدور المكتوب مهما كان.
محمد لطفي (قابيل) : الاول حسيت إن الدور عادي قوي ... و مع الوقت فعلا حسيت إن ماحدش يعرف يعمل الدور غيرك ... مشهد الترام مع آسر حسيته الاول عادي، بس مع الحوار أداءك على و غيرت رأيى.
بسمة (نورا) : انت تقريبا في افضل حالاتك الفنية ... الكلام كان مظبوط قوي، ولا فيه انفعال زيادة ولا ناقص. شخصية صعبه و متناقضة، وصلتيهالنا بطريقة السهل الممتنع.
آسر ياسين (يحيى) : اللي اعرفه ان اللي كان هيعمل الدور ده احمد زكي (الله يرحمه)، و الحقيقة انا صعب اقتنع باي حد غيره ... بس اعترف ان آسر كان رهيب فى الدور ده و تمثيله رائع بجد. و لو اخترت افضل ممثلين السنة دى، رغم إن السنة لسه في اولها، هيكون هو بالتأكيد ... تمثيل من النوع اللي تصفق له اول ما التترات تنزل.
بس هات بقى من الآخر ... حتدى الفيلم كام درجة؟
أنا اعترف انى خرجت من الفيلم و ماقدرتش اتكلم نهائياً، و أخدت وقت طويل عقبال ما نجحت في ده ... خرجت من السينما مبسوط و فرحان، مش علشان نهاية الفيلم سعيدة (هي اصلا نهايه مفتوحة جدا، و أرجو إن الناس تركز فيها كويس)، بس علشان جو الفيلم و المزيكا و احساس الشتاء ... و إنى اخيرا شفت فيلم من اللي بيسموها سينما.
بس أنا مش حدى الفيلم درجه زيك، و لكنى حعلنها بكل قوة، و الله على ما أقول شهيد، إن ده أفضل فيلم سينمائى شاهدته فى حياتى، عربى او اجنبى ... أقول هذا بدون ادنى مبالغة و بعد أن إستخرت ذاكرتى و تاكدت من رأيى هذا. و أرى أنه الفيلم المصرى الوحيد الذى يستحق أن يمثلنا فى مهرجان كان و مسابقة الأوسكار ... و بالتأكيد سيحصل على جائزة فى واحد منهما.
و أنا مشتاق بشده لمشاهدته مرة تانيه ... و نفسى إنه يبقى جنبى ساعتها فى الصالة كل صُناع السينما فى مصر ... و خصوصاً خالد يوسف، اللى بحبه و خايف عليه من نفسه ... علشان أقول له و أقول لهم:
بصوا بقى ... هذه هى السينما و إلا فلا.
عادل صليب - فادى رمزى
ملحوظه: هذا الفيلم ليس للتسلية، بل للمتعه ... و الفارق بينهما كبير جداً. و لذلك نرجو من كل من يدخله ان لا يحاول متابعته مثلما يتابع أفلام السوق (أو السوء) الأخرى. فهذه سينما جديده على اعيننا إشتقنا كثيراً لرؤيتها، أو هى نتاج السينما المصرية فى أعلى درجات نضوجها، حتى الآن، بعد ان إستفادت كثيراً من كل تجاريها السابقه.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
رسائل البحر التى لم تصل | Usama Al Shazly | 13/19 | 7 فبراير 2010 |
رسائل (داوود عبد السيد) | فادى جمال | 6/8 | 14 فبراير 2010 |
رسائل البحر ... بين عواصف القدر و أحوال البشر | محمد ياسر بكر | 1/1 | 21 ابريل 2010 |
هذه هى السينما و إلا فلا | فادى رمزى | 3/4 | 23 فبراير 2010 |
رسائل البحر .. عندما تتلخص الحياة في فيلم ! | نور الله محمد عمر | 1/2 | 24 سبتمبر 2010 |
رسالة | نور الشامى | 0/2 | 16 اكتوبر 2010 |
حيرة.. رسائل البحر | Neven Alzuhari | 5/7 | 12 فبراير 2010 |
رسايل البحر..............ماذا تريد أن تقول لنا ؟ | Hossam Abousoliman | 2/3 | 15 فبراير 2010 |
معلهش..داود عبد السيد "اشد" من كدة! | Fady Baha'i Seleem | 1/8 | 12 مارس 2010 |
رسالة داوود عبد السيد | Abdallah elsayed Ghanem | 1/1 | 18 ديسمبر 2020 |
فيلم اكثر من رائع | magdi yousif | 4/4 | 3 اكتوبر 2010 |