"الجدة هانم ما زالت تمشي، تبحث عن بيت ابنتها نرجس ناحية يدها الشمال، وشباكها الأخضر المفتوح. تدور مع الأزقة، وتغيب في الحارات، تفتش في وجوه الناس، تلج البيوت المفتوحة وتغادرها. وتدخل الدكاكين على أصحابها، تتفرج، وتلمس فترينات العرض الزجاجية بأصابعها الدقيقة الجافة، وتضحك في عبها. وتدارى اخضرار وجهها الغريب في طرحتها الحريرية السوداء. إذا داهمها الليل تحتمي بالماء. تنام جالسة بجرمها الصغير تحت شجيرات الخروع بأوراقها العريضة المائلة على حافلة النهر الساكن، تغفو، وتقوم على ارتجافه الفجر الفضي عبر الكوبري الحديدي القاتم. تبلل وجهها وتمضغ قبضة من الأعشاب الرطبة وتحبو. تطلع أعلى الشاطئ المنحدر، وتقف هناك تحت الكافورة الكبيرة العالية. الجدة هانم تنظف ثوبها من قش المكان. وترهف أذنيها صوب موكب عربات الكارو القادمة من سكة القناطر وهي تقترب، محملة بالخضر الطازجة. تتابع خبب الخيل التي يقودها الرجال النائمون في ضباب الصباح. تسمع رنين الأجراس النحيلة وعي تتأرجح, تشيعها وهي تخبو وتغيب، واحدة تلو الأخرى عند انحناءة النهر. وتنادى، على أحداً يسمها: "مش رايح البلد يا بني؟"" هذا جزء من رائعة ابراهيم اصلان " عصافير النيل " التى صدرت عام 1999 فى توصيف رائع للمهمشين الذين دأب اصلان على تصوير عالمهم والخوض فيه حتى صار متحدثا رسميا عنهم , تلك الرواية التى استمتعت جدا بقرائتها فى بداية القرن الجديد واصابنى الاحباط وانا اشاهد الفيلم المنقول عنها هذا العام . اثبتت التجربة دائما أن الافلام المنقولة عن روايات تفقد كثيرا من بريق الرواية ولدينا فى الراحل العظيم نجيب محفوظ وافلامه اكبر دليل على هذا حتى تلك التى كتب لها السيناريو بنفسه , هذا لان الرواية تترك لخيال القارىء العنان فيشكل عالمها بنفسه كيفما يحب اما الفيلم فيقيده و يحد خياله قيسقط عنه رداء الخيال وبريقه , وان افلتت بعض الروايات من هذه النظرية لتؤكدها لا لتنفيها – مثل عمارة يعقوبيان مثلا – ولكن لنتغاضى عن تلك النقطة ونتعامل مع عصافير النيل على انه فيلم بغض النظر عن الرواية . حدوتة الفيلم غنية جدا ومليئة بالضحك الذى يسكن حنايا الحزن فمن صيد العصافير عن طريق ماء النيل الى هجرة الفلاحين للارض الزراعية للتمرغ فى تراب الميرى الى تحايل الفقير على ظروفه بكل شكل ممكن للحياة ومواصلة الطريق الى وضع الشباب و هذا التمرد الذى سكن نفوس المهمشين فطاردتهم الحكومة . ذلك السيناريو الذى كتبه مجدى احمد على اسقط و عن عمد الكثير من تلك الاحداث رغم انه نجح فى لمحات قليلة فى توصيل احاسيس عميقة – مثل انخفاض مستوى البيوت مع الزمن مما اوحى بانخفاض حتى مستوى سكان تلك البيوت وزيادة بؤسهم – ولكنه اغفل فى اوقات اخرى قضايا تستحق استعراضها انحناء لمفهوم السينما التجارية . اما عن الاخراج فلم يكن مجدى فى احسن حالاته – مثل فيلم احلام هند و كاميليا – ولم يكن فى اسوء حالاته ايضا - مثل فيلم ضحك و لعب و جد وحب – يعاب عليه فقط بعض الكادرات المبالغ فيها و اللقطات المقصود بها عمقا غير موجود ولكنه اجاد فى مصاحبة عشوائيات المهمشين فلم تنفر العين من اى مشهد فى الفيلم وان يعاب عليه كصاحب للعمل فى النهاية حشر كل هذه المشاهد الجنسية فى الاعلان التجارى الذى اعطى الناس و بعض النقاد صورة خاطئة تماما عن الفيلم . الحوار للرائع ابراهيم اصلان هذا المتمكن من عالمه هذا الاديب الكبير الذى اعطى الحوار بريقا عوض بعض ما فقده السيناريو و ان لم يتمكن من الوصول لمستوى الرواية مدير التصوير رمسيس مرزوق رائعا كعادته , تحية خاصة لطاقم المكياج المبدع خاصة الفنانة دلال عبدالعزيز , راجح داود تقليدى فى موسيقاه على غير العادة , المونتير احمد داود متميز فى حدود المتاح. اما عن نجوم العمل , فحتى الان لم اعرف حيثيات منح جائزة احسن ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى لفتحى عبد الوهاب عن هذا الدور و هو اقل بكثير جدا من ادوار سابقة له – الا اذا كانت الجائزة عن اثبات فحولته الجنسية التى ابرزها مجدى احمد على بفخر – وان يبقى فتحى فى اقل حياته – بعيدا عن التشنج احيانا – احد افضل ممثلى جيله
عبير صبرى دور صغير ذو تأثير افضل من كل ادوارها السابقة منذ العودة وان كان الهجوم الغير منطقى الذى تعرضت له اجبرنى على التعاطف معها . دلال عبد العزيز فى احد اروع ادوارها على الاطلاق , سلاسة وبساطة و روعة فى الاداء صاحبه فيه محمود الجندى على نفس المستوى بشكواه المستمرة لكل مسئولى الدولة . احمد مجدى موهبة تستحق ان تغادر عباءة الوالد فورا خوفا من الاحتراق , منى حسين دور جديد عليها وخروج موفق من عباءة الدور المكرر . يتبقى فى النهاية سؤال تصعب الاجابة عليه فى هذا الفيلم , وهو لماذ نصنع فيلم سينما ؟ للمتعة او لطرح قضية او .. الخ الخ فشل الفيلم فى الاجابة عن السؤال وبقى رغم بعض مفرداته القوية فى النهاية فيلما مملا غادر جمهوره قاعات العرض قبل ان ينتهى , لانه بكل عناصره الثرية وتفاصيله الممتعة تم خلطها بمشاهد جنسية فجة تم اقحامها اقحاما فى السيناريو فاقدت تلك التفاصيل حميميتها ومتعتها و بحثا عن جمهور يحب السينما و اخر يلبى طالب غرائزه تاه الفيلم وسقط فى دوامة الارضاء
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
عصافير النيل , تسقط عندما تحاول ارضاء كل الاطراف | camelia taha | 2/2 | 25 يوليو 2008 |
عصافير النيل , تسقط عندما تحاول ارضاء كل الاطراف | Usama Al Shazly | 4/5 | 8 مايو 2010 |