كثيرون ، وأنا منهم ، يعتبرون هذين الأخين - جويل وإيثان كوين - أحد أساطير السينما في العقدين الأخيرين ، للدرجة التي يُصبح كل جديد لهم هو حدث سينمائي هام ينبغي الانتباه له ، وفي ظل المعلومات التي توافرت عن عملهم الجديد هذا منذ بدأ صناعته .. وكونه "فيلم ويسترن صريح مُقتبس عن رائعة كلاسيكيّة للأسطورة جون واين" ، فإن الشّغف والترقّب كان قد بلغ مداه على مدى عام كامل ، وبالمشاهدة .. وَضَح جليّاً أن مشكلة هذا العمل الأساسية أن مُخرجيه حاولا الانقلاب على كل ما اعتدناه منهم ، وميزته الأهم أن الكوينز هم الكوينز !!
قصة فتاة ذات خمسة عشر عاماً تُدعى "ماتي روس" ، تقرّر الانتقام من "توم تشيني" الذي قتل والدها وهرب على الحدود ، وفي سبيل ذلك تستأجر مارشالاً عسكرياً سكيراً ذو عينٍ واحدة يُسمّى "روستر كوجبورن" ، ويلتقي بهم لابيف أحد حراس تكساس الذي يبحث عن تشيني منذ سنواتٍ عدة ، ليذهب ثلاثتهم في رحلة بحث تذكرنا بتحفة كلينت إيستوود العظيمة "لا يغتفر" .
هذا العمل .. يحملُ كعادة الكوينز – الذين حصدا جائزة أفضل سيناريو مرّتين – على شخصيّات شديدة الجاذبية ، هايلي ستيفيلد تصنع من ماتي روس أحد أكثر فتيات الشاشة سحراً وقوة منذ وقت طويل .. عنادها الذي لا يلين وحماسها الذي لا يفتر وتصميمها على تحقيق انتقام تراه أبسط حقوقها ، إلى جانب جيف بريدجز ومات ديمون في تَمَكُّن واضح من "كاركترات" مميّزة ، ومع قصة تحمل نواة جيّدة لفيلمٍ عظيم .. فإن الناتج النهائي لعملٍ يحمل اسم الكوينز كان أقل من المتوقّع ، لأنهما استطاعا أن يخلقا بداية تمهيديّة ممتازة وخاتمة بديعة .. ولكن في المنتصف كان هناك عجزاً واضحاً عن خلق (الرحلة) .
الكوينز يفشلان أولاً في جعل هذه الرحلة (ملحميّة) ، فلا توجد خطوة حقيقيّة نتلمسها .. أو موقف لا ننساه .. أو لحظة تبقى في الذاكرة ، الرحلة تبدأ لأنها يجب أن تبدأ وتنتهي سريعاً بصدفة كوينزية نعم ولكن سيّئة الطّهو ! ، وعوضاً عن ذلك فهم أيضاً يفشلان في منحها نفساً "شاعرياً" بين عجوز يتدثّر بالحياة وفتاة لاتزال تحبو فيها .. وهو "نَفَس" لم يجيدوه يوماً ولكن بدا أن انقلابهم على أنفسهم يحتاجه هذه المرة ، ولذلك ففي النهاية نشعر أن الرحلة كانت فارغة ، وهو شيء نابع من تشتّت الكوينز بين تقديم سينماهم شديدة الخصوصيّة .. وبين رغبتهم في الولاء للكلاسيكيّة القديمة وصناعة عمل جديد تبعاً لنفس المواصفات .
ورغم ذلك فإن "الزّمار يظلّ يلعب" ، ويخلق الكوينز في نهاية الفيلم بضع مشاهد للذكرى ، تقوم على قدرتهم على خلق "سينما عظيمة" بأكثر من منطقيّتها أو تماسها مع بقيّة العمل ، حيث يحاول المارشال إنقاذ حياة روس .. يَقتُل حصاناً يَخُور .. ثم يَخُور مثله مانحاً لها الحياة ، وهي لحظات بدت شديدة الشاعرية والصدق بفضل عمل مُدهش من مصّور عظيم كـ"روجير ديكنز" ، وهو ما منحني بنهاية الفيلم شعور بالرّضا رغم النقوصات التي رأيتها فيه .
عَرِفنا في الكوينز على التتابع : العَبَث ، الجموح ، التجريب ، التّطرُّف ، اللّهو ، الحلقات غير المُغلقة في عالم خاص شديد الإحكام ، المَيلُ للكمال السينمائي .. وتحقيقه في بعض الأحيان . وما رأيناه في "True Grit" هو مَيل للانقلاب على كل ذلك ، وصناعة عَمل ينتمي لكُلّ الأسس الكلاسيكيّة ، لذلك وفي عملهم الخامس عشر بدوا ضِد ما تَعوَّدُوه في أربعةِ عشر خلت ، ولكن لأن الكوينز هم الكوينز .. فهذا عمل سينمائي كبير رغم كل عيوبه .
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
الكوينز ضد الكوينز | Mohamed Elmasry | 2/2 | 13 مارس 2011 |