فيلم (كولد ماونتن – Cold Mountain) من أين نبدأ، في الحقيقة كلمة السرهي مخرج وكاتب سيناريو الفيلم أنطوني مانجيلا - Anthony Minghella ، فأفلامه كفيلة لوصفه مخرج وكاتب سيناريو بارع، ليس فقط لفوزه بجائزة أوسكار كأفضل مخرج عن فيلم (The English Patient) أو لأنه رُشح لتلك الجائزة ثلاث مرات أخرى منها ككاتب سيناريو عن فيلمي (The Talented Mr. Ripley) و(The English Patient)، ولكن بسبب أن أفلامه كمخرج والتي لم تتعد 9 أعمال تتميز بالعمق التقني وبالفلسفة الفكرية الإبداعية ولا يمكنك بأي شكل من الأشكال أن تأخذها كشيء مسلم به. فإذا تعمقنا في فيلم (Cold Mountain) نجده فيلم مكتمل الأركان كتمثيل متقن وتأليف مبدع وإخراج بارع وموسيقى تصويرية حالمة وماكياج وملابس غاية في التميز وغيرهم.
إذا تناولنا قصة الفيلم كبداية لتفنيدها تجد مشاعر متبانية ومتجانسة أو بمعنى أدق متناقضة. لا تعرف إذا كان الفيلم مثير للفرح بسبب قصة الحب الحالمة أو مثير للحزن من ناحية أن قصة الحب حزينة. ولكن هل هي حقًا حزينة؟ وإذ كانت حزينة لماذا هي كذلك وإذا كانت سعيدة لماذا أيضًا؟ حسنًا، فلنفند القصة من البداية. في حقيقة الأمر، كلما شاهدت فيلم (كولد ماونتن – (Cold Mountain أجد نفسي بشكل ما متناسية نهايته على أمل أن يحدث بعد ذلك أمرًا. وبعد كل مرة أجد أسئلة كثيرة تتجول في عقلي لماذا مات إنمان (جود لو) لماذا عاد لإيدا (نيكول كيدمان) إذا كان سيموت في النهاية؟ لماذا بعد أن انتظرته إيدا لشهور وشهور وسنة تلو الأخرى يموت في النهاية وبعد ليلة واحدة فقط من لم شملهما؟ لكن في النهاية أجد الأجابة واحدة ومقنعة للغاية، إنه القدر.
هل من أفضل أن تصل متأخرًا من ألا تصل أبدًا؟ فيلم كولد ماونتون يرصد قصة عن الحب والقدر ولكن حين يتدخل غباء الجنس البشري وعجرفته لا تكون كفة القدر دومًا في صالحنا. يرصد الفيلم حياة إيدا (نيكول كيدمان) الفتاة الرقيقة التي لا عهد لها بالمشقة على تتعرف علي إنمان (جود لو) وتحبه تندلع الحرب الأهلية ويضطر إنمان لترك كولد ماونتن والسفر للحرب. فيكشف الفيلم كيف يمكن لثلاثة أحرف فقط أن تغير ليس فقط الإنسان بل وجه الأرض كله؟ يمكن لتلك الأحرف أن تبدل القلوب مكان العقول، يمكنها تغيير الملامح والنفوس، لكن يتعمد كل ذلك على طريقة تشكيل الحروف فيمكن أن تكون حرب أو تكون حب. كل هذا بناء على اختيار أن الإنسان فعليه أن يختار ما بين الحب أو الكره فكلاهما لا يمكن أن يجتمعا معًا.
الفيلم ليس فقط عن قصة حب، الفيلم عن شخصان اختارا الحياة بدلًا من الحرب والفيلم عن رحلة المشقة والعذاب من أجل الولادة من جديد، ولكن ليس فقط إيدا وإينمان من سيبعثوا للحياة بل كل من حولهما سيبعثوا من أجل خلق عالم جديد. فبعد أن يقوم أنمان بترك إيدا في كولد ماونتن تبدأ رحلتهما مع العذاب والشوق من جانب ومحاولتهما المضنية من أجل النجاة بروحهما من جانب أخر. فهو يحارب على الجبهة وهي تصارع الجوع والفقر والجشع. تراسل إيدا أنمان وتطلب منه طلب واحد فقط أن يعود إليها، لم تطلب إيدا من إنمان قصور أو وعود أو أي شيء من هذا القبيل، لكنها طلبت منه أن يعود إليها فقط. يترك أنمان الحرب ويذهب في رحلة عودة ولكن عودته تكون أشبه بمعجزة فخلال تلك الرحلة يقابله الموت عشرات المرات وينجو منه بإعجوبة. القصص الفرعية المتداخلة في رحلة العودة والأشخاص الذي يقابلهم إينمان كانت متجانسة مع بعضها البعض حولت الفيلم لملحمة. فتارة يقابل إنمان زوجة ملكومة وحيدة ومعزلة وتارة يهرب من الأسر وكلما نجا من مصيبة يدخل في مصيبة أكبر جعلت الأمر يغدو كأنه في لعبة وكلما تخطا مرحلة يدخل في مرحلة أصعب.
على الجانب الأخر تصادق إيدا فتاة جريئة وشجاعة تُدعى روبي (رينية زيلجر)، تدخل روبي في حياة إيدا لتجعلها تنضج وتعلمها الإصرار. المشاهد التي جمعت إيدا وروبي كان بعضها من أمتع مشاهد الفيلم وكأنها فترة راحة من مشاهد الدم والفزع. تقمست رينية زيلجر لشخصية روبي وجعلتها واقعية ودرامية وممتعة في ذات الوقت وأستحقت عن دورها جائزة الأوسكار بكل تقدير. تنشأ بين إيدا وروبي رابطة قوية فإيدا تعلم روبي الحب والقراءة والجانب المرح من الحياة، وروبي تعلم إيدا الجانب الشاق من الحياة وكيفية التعامل مع الجانب الشاق من الحياة وتخطي الصعاب.
تقرأ إيدا لروبي رواية (مرتفعات ويزرينج) لإيملي برونتي فالرواية عن قصة حب جنونية بين كاثرين وهيثكليف، ومن هنا جاء التناسق الإبداعي في الفيلم ولُمس بشدة حين قرأت إيدا لروبي بعض السطور التي تقولها كاثرين في الرواية عن حبها لهثكليف وشعورها تجاه لينتون الذي يريد الزواج منها، ففي الرواية يسمع هيثكليف الجزء الأول من كلام كاثرين عن أنه سيحط من شأنها بسبب فقره وشكله الرث ويهرب قبل أن يسمع الباقي عن أن حبها له كالحجر الصلب والجذور العميقة في الغابة التي لا يمكن أن يغيريها شيء على الإطلاق وأنه إذا ذال العالم كله وبقى هو ستظل معه وإذا ذهب هو سيغدو العالم قبيح. جاء التجانس حيث أن إنمان مثل هيثكليف، هيثيكليف سافر قبل أن يعرف مدى حب كاثرين له، هيثكليف يشعر بالتأكيد أنها تحبه لكنه لا يعرف قوة هذا الحب ولم يعلم أنه مثل الحجر لن يغيره شيء، إنمان على الخط ذاته شعر بحب إيدا لكنه لا يعلم قوته فهو جُند قبل أن يتيقن من أنه يمثل لها كل شيء جميل وأنه أقرب إليها من نفسها فهو دومًا في تفكيرها وأنه غير حياتها إلى الأبد وأنها ستنتظره إلى الأبد.
يعود إنمان لإيدا ولكن بعد أن ظن كل واحد منهما أنه محطم ومكسور الفؤاد بعد أن فقدت هي الأمل وفقد هو روحه، يطرح الفيلم هنا فكرة إما العيش في الماضي والبكاء على الأطلال أو المضي قدمًا فبكل حال من الأحوال لن يعود الزمن إلى الوراء ولن تندمل الجراح. يقرر إيدا وإنمان الحل الثاني فلديهما بعضهما البعض وهذا يكفيهما. إنمان كان من الممكن أن يموت عشرات المرات لكن قدر حبهما وطلبها منه أن يعود إليها بث فيه العزيمة فجعله يعود من أجل إعادة إحياء إيدا. عاد إنمان من أجل إذابة الجليد الذي وُضع حول قلبها من كثرة الانتظار وفقدانها الأمل، لقد أُضطرت لخلق "أحجار من الجليد حول قلبها"، عاد إنمان من أجل بث الروح فيها من جديد من أجل تعليمها الحياة من جديد من أجل فقط توديعها بأكبر معجزة على الإطلاق (ابنتهما).
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
لعبة القدر والحرب | Doaa Abd El Dayem | 0/0 | 16 مارس 2014 |