في نهاية السبعينيات والنصف الأول من ثمانينيات القرن 20 سادت موجة من الأفلام الدرامية التي يغلب عليها الطابع الدرامي الجاد .. لم يكن هذا بالغريب أو المفاجيء .. ولكن الظاهرة الغريبة في هذا التوقيت هو اتجاه نجوم الكوميديا الصارخة لهذه النوعية من الأفلام الجادة التي يندر أو يكاد ينعدم فيها المشهد الكوميدي .. فنلاحظ فنان كوميدي صريح مثل سمير غانم يقدم بعض من الأعمال ذات الطابع الإنساني ويظهر موهبة لا بأس بها في الدراما الإنسانية في أفلام مثل حسن بيه الغلبان والرجل الذي عطس ولكن موهبته ككوميديان كانت تغلب عليه .. وفي هذا التوقيت أيضا قدم محمد صبحي بعض الأدوار الجادة محاولا تقديم أوراق اعتماده كممثل شامل وليس كوميديان فقط .. ولكن الملفت بل والمفاجأة أن يقدم نجم الكوميديا الأول عادل إمام الذي اعتاد الجمهور ألا يتوقف عن الضحك طوال وقت مشاهدة أفلامه ومسرحياته في ذلك الوقت .. يظهر بقالب جديد وجاد يكاد يقترب من جدية أحمد زكي في التقمص ونور الشريف في الإنسانيات بل وينافسهما بقوة بأفلام كانت مفاجأة للجمهور بشكل كبير في أكثر من عمل بدأ بنهاية السبعينيات بأفلام جادة منها السياسي ومنها الاجتماعي مثل أفلام احنا بتوع الأتوبيس وقاتل مقتلش حد .. وبدخول الثمانينيات قدم فيلمي المشبوه وحب في الزنزانة مع سعاد حسني والجحيم مع مديحة كامل والإنسان يعيش مرة واحدة مع يسرا وغاوي مشاكل مع نورا وأمهات في المنفى مع ماجدة الخطيب والحريف مع فردوس عبد الحميد وولا من شاف ولا من دري مع إيمان والغول مع نيللي وفريد شوقي والإنس والجن مع يسرا إلخ... وكلها أفلام اعتمد فيها على إظهار موهبته وقدراته التمثيلية القوية بعيدا عن الكوميديا الصريحة التي اعتاد عليها في معظم أفلامه .. وكان التجلي المبهر له في دور فهمي عبد الهادي في رائعة إحسان عبد القدوس حتى لا يطير الدخان .. تجلت موهبة الزعيم وحلقت في سماء الدراما الإنسانية وتوغلت في التركيبة النفسية للإنسان الذي ظلمه المجتمع وخذله الجميع حتى قرر الانتقام ببناء نفسه من الصفر إلى القمة حتى وإن سلك طرقا غير مشروعة في الوقت الذي أيقن فيه أن القلوب النقية والأيدي النظيفة لم يعد لها مكان وسط غابة من الوحوش لن تستطيع العيش بينهم إلا عندما تكون أقوى منهم .. وكان الإخراج المميز للفنان المخرج أحمد يحيى دورا هاما في منظومة النجاح بخلاف الموسيقى التصويرية المعبرة للموسيقار الدكتور جمال سلامه .. عادل إمام في هذا العمل تحديدا أوصل رسالة صريحة لمن كان يشكك في قدراته كممثل شامل وأنه لا يستطيع اللعب بعيدا عن ملاعب الكوميديا فقط .. إلا أن رسالة الزعيم تجاوزت مستوى الرسالة ووصلت لمستوى الصفعة القوية لهذه الآراء .. عندما تشاهد فيلم حتى لا يطير الدخان .. وهو دور أقرب لنوعية أدوار أحمد زكي ثم نور الشريف وإن كان أحدهما لعب شخصية فهمي لن نتوقف كثيرا أمام قوة أدائم المعتاد لهذه الأدوار .. ولكن لن تتخيل أن هذه العبقرية خرجت من ملك الكوميديا الأول إن لم يكن الأخير في الفن المصري .. عادل إمام تجلت موهبته بعيدا عن ملاعبه المفضلة .. مقدما دور العمر في وجهة نظري .. لأن هذا العمل تجاوز مرحلة العمل الناجح المميز فحسب ووصل لمرحلة القمة في الآداء والتقمص لنوع مُركب من الشخصية التي تحولها الظروف من إنسان إلى وحش بآداء هاديء وثابت وانفعالات داخلية أكثر منها ظاهرة .. وقد ختم الزعيم الثمانينيات التي كثف فيها من أدواره الإنسانية بجوار الكوميدية بفيلم المولد وينطبق عليه معظم ما سبق من القول .. حتى لا يطير الدخان .. رائعة تجلت فيها موهبة الزعيم بعيدا عن ملاعبه المفضلة ومثله كمثل فريق كروي يقابل خصما لا يقهر خارج ملعبه فيفوز عليه على ملعبه ووسط جماهيره وبنتيجة تاريخية .. إنه الزعيم بحق.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
حتى لا يطير الدخان .. عندما تتجلى موهبة الزعيم بعيدا عن الكوميديا | محمود محجوب | 15/15 | 13 مارس 2016 |