"إذا إعتقدت أن العالم الذي تعيش حوله بإمكانه أن يُرغمك علي سلوك طريقاً لا تريده، فأنت مخطئ. أنتَ حُرَّ.. حُرَّ تماماً، يمكنك فعل ما تريده، يمكنك أن تكون أي شخص تريده.. عليك فقط أن يكون لديك الإستعداد والرغبة لفعل ذلك، وأن تسعي وتواصل وتواصل وتواصل..."
هذا هو الواقع، إنها ليست قصة تتحدث عن فتاة خارقة من عالم الكوميكس تمتلك قدرات سحرية وتقوم بمحاربة الأوغاد لتقضي عليهم جميعاً في تتابع سريع مليئاً بالبهلوانيات التي لا تمت صله بالحقيقة!، لا، هذه قصة حقيقية عن فتاة جريمتها الوحيدة التي إرتكبتها هي ندائها بحقها الأساسي في التعليم، وقفت أمام ظلم وإستبداد عالمها، وتمردت ضد الفكر الإرهابي المتطرف في بلدتها والذي كان أن يودي بحياتها مرةً، سلاحها الوحيد هو شجاعتها، وهذه الشجاعة نابعة من ثقتها في الرب وفي ما تقوم به.
الفيلم الوثائقي يعرض القصة الحقيقية للشابة المراهقة "مالالا يوسف زاي"، ويستعرض حياتها الأسرية وأحوال بلدتها ب"باكستان"، التي تعاني من فكر متطرف من قبل جماعة متشددة عن الدين الإسلامي تعرف بإسم "الطالبان"، تُرهب سكان البلدة بأعمالهم الوحشية لنشر أفكارهم و رغباتهم، ويمنعون تعليم الفتيات بأساليبهم الخاصة.
مالالا هي فتاة فريدة من نوعها، فازت بجائزة نوبل للسلام في عمر السابعة عشر -تُعتبر أصغر من فاز بالجائزة- في عام 2014 ، لدعواتها المتواصلة لتعليم الفتيات، ولإشتراكاتها المتعددة في القضايا الهامة التي لا تلقي الإهتمام العالمي اللازم.
ما قامت به يستحق أن يحظي بالإنتباه، لما فيه من شجاعة لاتجدها كثيراً في مثل الظروف التي أُحيطت بها أثناء نشأتها، فقد تعرضت مدرستها وحيِّها للإنفجارات العديدة، الآلاف من طرق الموت البشعة في الطرقات والدروب نتيجةً للفكر المتشدد من الجماعة، ورغبتهم في إمتلاك الكلمة العليا التي تُطَبَّق علي الجميع.
الفتيات تنظر إلي ملالا كقدوة، يحتذي بها أصدقائها وأهالي بلدتها من جهة، وتفخر بها كل من مثَّل نون النسوة من مختلف الثقافات من جهة أخري. لماذا هذا؟ لأنها ترفع من صوت المرأة، تطالب بالتساوي بين الجنسين، تنظر إلي ما تدعو إليه من منظور القرآن وما أمر به، تدعو للقضاء علي الفكر المريض -والآخذ في النمو- الذي لا ينظر إلي المرأة إلا كمثالاً للشهوة.. لذا فنحن لا نتحدث عن قضية شخص أو مدينة، بل هي قضية شائعة تمثل كل مكان يتعرض لمثل تلك الأحداث في بقاع الكوكب.
الفيلم مليئاً بدروس ومواعظ الحياة وما يلزم أن يتواجد في أفرادها وفي النفس البشرية التي تعيش وتتعايش في المجتمعات المختلفة، أياً كانت الديانة أو المعتقدات المُتَّبعة فيها..أيضاً يؤكد فكرة الإيمان بالنفس وبنتيجة ما سوف تقوم به من أفعال طيبة، وبالمعدن الحقيقي للإنسان الذي إذا صَلُحَ أصبح من السهل إتِّباعه للصواب، ووجوب عودة الإنسان من جديد بعد المحنة التي تصيبه، وحتي أقوي من ذي قبل -أقصد هنا في محاولة إغتيالها من قبل الطالبان-.
أيضاً من أساسيات العمل الفني قصته التي تصتبغ بالأمل، وتعزيز الأقوال المتكررة بأن كل شئ ممكن حتي في أصعب وأكثر ظروف الحياة قُتماً وسواداً. قصة الفيلم رغم أنها تعرض قصة فرداً واحداً إلا أنها في إطار ذلك تخاطب -بلُغة واقعية شديدة- كل من يسمعها، وخاصة هؤلاء منهم الذين مروا بظروفاً مشابهة لحال ملالا، لتوضح ما يمكن أن يصير عليه المرء إذا إتبع الحق، وتؤكد علي ما بإمكان الفرد أن يفعله في عالمه.
النموذج الرائع للأب الصالح "والد مالالا" -الذي أعتبره من أجمل ما في قصة الفتاة- يعتبر السبب الرئيسي في نظرة مالالا الإستثنائية إلي عالمها، فهو منذ ولادتها وهو يشجعها ويشركها في أحاديث الأصدقاء عن السياسة وعن مختلف القضايا، يغرس فيها القيم والأمثال التي يجب إتباعها في قادم حياتها منذ نعومة أظافرها، ينتظر تعثرها حتي تحين لحظته فيعطيها ما تشعر به أنها مميزة، وأن بإمكانها فعل ما تريد.. فقال في الفيلم "أنا وإبنتي جسمان مختلفان، وروح واحدة" فعلي هذا الأب أن يؤخَذ كقدوه صالحة و أن يُنظر إلي أفعاله وتقليده.
من سلبيات الفيلم : النصف الثاني من الفيلم شهد بُطيء الإيقاع في طريقة عرض القصة، هذا جعل بعض المشاهد تفقد إثارتها وتميل إلي جانب الركود قليلاً، قبل أن يزيد في نهاية الفيلم. شيئاً آخر تعجبت له كثيراً، وهو عدم تقديم أسباب كافية تجعل فوزها بالنوبل شيئاً يقوم علي "نتيجة لما سبق"، فقيلت الأسباب، وإستُعرضت الأحداث، ولكن تمَّت بطريقة سطحية للغاية جعلت العمل يفقد شيئاً من منطقيته التي كان لابد وأن يكون عليها. من حسنات الفيلم : سرد الحدوتة كان خليطاً بين المشاهد الحقيقية وإستخدام ال Animation، هذا ساعد في سرد بعض التفاصيل التي تصعب عرضها وإيضاحها بطريقة أخري غير تلك.
مالالا الآن أصبحت 18عام، ولكنها حققت أكثر من أياً منا سوف يحقق يوماً، أعتقد أن قصتها البطولية لابد وأن يعلمها الجميع، خصوصاً من المراهقين واليافعين ما بين (13-19) عام.. لأنهم الأكثر إحتياجاً أن يسمعوا مقولة "حدث مُسبقاً" لواحداً من سنهم، فتقول مالالا في الفيلم "لن أحكي لكم قصتي لأنها فريدة، بل لأنها ليست كذلك!"، فواقعية ومدى بساطة حدوتة تلك الفتاة من الأشياء التي تجذب الأذهان إليها.. الفيلم إجمالاً نوعاً ما جيد علي صعيد ال"وثائقي"، و مهم علي صعيد القصة، وسيفيدك كثيراً إذا كنت تريد أن تتعلم من تجارب الأشخاص في الحياة، فهو فيلماً واقعياً يتحدث عن الواقع.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
ملالا: قصة مُلهِمة ومهمّة من الواقع.. | Hossam Waleed | 1/1 | 22 مايو 2016 |