يبدو أننا قد وصلنا إلى زمن أصبح من الواجب المقدس على صناع السينما فيه مط الأفلام و السلاسل الناجحة مطٌاً، و عصرها عصرا إذا تطلب الأمر ذلك، للحصول على أفلام جديدة تدر إيرادات كبيرة، معتمدة على نجاح سابقتها. حسنا، سلسلة هاري بوتر الشهيرة ليست استثناءا هنا.. في فيلمها "وحوش مذهلة و أين تجدها" تعود بنا ج.ك.رولينج الى عوالم السحر و الفانتازيا من جديد، لتعيد إلى محبي هاري بوتر مذاق ذكريات من نوع خاص، و إن بنكهة مختلفة هذه المرة. فللوهلة الأولى، و عند بداية الفيلم و ظهور عنوانه بذلك الخط المميز، و لدى سماعك للموسيقى الأسطورية المميزة لسلسلة أفلام هاري بوتر، قد يتولد لديك انطباع بأنك تشاهد جزءا آخر من أجزاء السلسة الملحمية، لكن مهلا، من الأفضل الا تأخذك الآمال بعيدا، فيبدو أن هذا هو كل ما تشترك فيه السلسلتان.. فرغم جودة الشخصيات على الورق، و إجادة أبطال العمل في تأديتها،و التنفيذ الرائع للمؤثرات البصرية، فإن السلسة السابقة قد وصلت مستوىً من الجودة جعلت أي عمل تالٍ يسقط مع أي مقارنةٍ مالم يصل حد الكمال.. لكن هناك نقاطا من الضعف عديدة اعترت هذا الفيلم كانت تعتبر – يالللغرابة – مصدر قوة في السلسة السابقة. فنجد أحداث الفيلم تجري بوتيرة بطيئة إلى حد لا يوصف، فطوال الدقائق الأولى، يتنقل بنا الفيلم بين مشاهد تجري في أمكنة مختلفة، من اجل التعرف على الشخصيات(البشرية و غير البشرية)، و وضع أرضية صلبة للبناء عليها فيما بعد، تلك عادة مألوفة و مفهومة لدى رولينج، فهي إنجليزية على أية حال، لا بد من التطويل، الكثير منه، لا بد من سبر أغوار كل الشخصيات مهما كانت تافهةً غير مؤثرةٍ على مجريات الفيلم، تلك عادةٌ ألفناها و أحببناها في سلسلة هاري بوتر، لكن لا بد من القول أن الأمر مختلف هذه المرة، ففي عالم بوتر، يمكن للمشاهد ان يستمتع بتلك الوتيرة البطيئة في التنقل بين معالم ذلك العالم الساحر الجديد، ذو الشخصيات المتنوعة الثرية، التي تتنقل في أمكنة غريبة ساحرة، من الأزقة الضيقة المظلمة إلى مدينة لندن العصرية الى مدرسة هوغورتس الساحرة، كل ذلك لا يتوفر هنا و قد ألف المشاهد ذلك العالم، و عندما يجد نفسه بين هذه الشخصيات الاقل ثراءً و عمقا، و التي تعيش في نيويورك بداية القرن العشرين، لا يبقى له بعد عدم وجود عناصر التشويق هذه سوى الملل.. و لهذا عزيزي المشاهد، فخلال الساعة الاولى يمكنك بكل تأكيد ان تترك الفيلم قليلا و تذهب لعمل كوب من القهوة لمقاومة هذا النعاس الذي لا بد أنه قد ألم بك الآن، و لا تقلق فلن يفوتك الكثير.. و مع مرور الدقائق على مضض، و بعد أن كان ينتظر تصاعد وتيرة الاحداث قليلا، يدرك المرء أن عليه أن يضبط أعصابه قليلا، و يتقمص شخصية عجوزٍ انجليزي يشرب شاي العصر في استرخاءٍ و دون تعصب، فيبدو أن الفيلم سوف يحافظ على هذه الوتيرة الهادئة حتى النهاية ( أو ما قبل النهاية بقليل).. البطل الذي يجسد دوره ايدي ريدماين هو شخصية غريبة الأطوار، لديها اهتمامات بتربية الكائنات و الحوش السحرية الغريبة- لكن الرائعة- ، و هو شديد الإهتمام بهذه الكائنات إلى الحد الذي يجعله يتكبد عناء رحلةٍ بحريةٍ من لندن الى نيويورك ليعيد أحد الكائنات الصخمة ذات المنقار الى موطنة الأصلي. لكنه يقع في ورطة عندما ينفلت عقال بعض الكائنات السحرية التي يحملها في حقيبته، فتخرج لتجوِّل في المدينة و تسبب المتاعب هنا و هناك، مما يضطره لقضاء وقته ( و وقت المشاهد) في مطاردتها و القبض عليها لإعادتها إلى الحقيبة. يزخر الفيلم بالمؤثرات البصرية المبهرة بما يتفق مع طبيعة العالم السحري الذي يمثله، و هو في هذا يسلك مسلك السلسلة السابقة بما يحتوية من خدع بصرية منفذة بأسلوب راقٍ مبهرٍ ذي طابع أصيل، تشعر معه و كأنك تعيش مع الشخصيات داخل الفيلم، لا تعتريه البهرجة و الغرابة التي تتصف بها اغلب افلام هوليود. الحبكة ضعيفة و مخيبة للآمال في هذا الجزء، فكل الصراعات التي نراها في الفيلم و التي يديرها مجلس السحرغرضها التكتم على وجود العالم السحري ( و ربما هذا هو الغرض من وجود مجلس السحر نفسه)و عدم معرفة العامة بوجود اشخاص يمتلكون قدرات سحرية، و بالتالي نشوب الحرب المؤكدة المترتبة على تلك المعرفة كما يقول الفيلم، الأمر الذي يجعلك تتسائل عن مدى جدية ذلك الإحتمال، و عن السبب في حتمية الصراع لمجرد وجود نوعين مختلفين من البشر. اما مشهد الذروة في الفيلم فياتي قبل النهاية بدقائق قليلة، من دون ذلك التحضير المعتاد الذي تتصاعد فيه الاحداث من البداية و حتى الذروة ، فهنا تسير الاحداث بتمهل، و دون تصاعد في مستوى الإثارة، حتى تصل الى مشهد المطاردة الأخير، حيث يلهث الجميع خلف كيان شرير، في مطاردةٍ محمومة لا غرض لها سوى الكشف عن شخصية الساحر جريندلوالد، الذي من الواضح انه سيكون الشخصية الشريرة في الأجزاء القادمة من السلسلة، و الذي يجسد دوره الفنان جوني ديب من بين كل نجوم هوليود، فيما أعتبره اعظم سقطات السلسلة، فالنجم الأمريكي ليس مناسبا على الإطلاق للعب هذه النوعية من الأدوار. أما في جانب الشخصيات، فبالنظر الى شخصية لورد فولدمورت، أحد أعظم الشخصيات الشريرة في تاريخ الأدب، و الذي جسده رالف فاينز باقتدار، لا فرصة على الاطلاق لجريندلوالد في الصمود في المقارنة بما يفتقده من الجاذبية و هالة الغموض المحيطة بلورد فولدمورت.. في الحقيقة لا يمتلك هذا الفيلم، جاذبية السلسلة السابقة الملحمية، و بالتأكيد فإن علينا الإنتظار لرؤية الأجزاء الأربعة التالية لنعطي حكما عادلا، و لكن مهلا، ربما تكون المقارنة بين السلسلتين أمر مجحف، ففي النهاية،و إلى جانب الأرباح الهائلة المؤكدة التي ستجنيها السلسلة -بغض النظر عن مستواها الفني- بسبب خضوعها لنظرية القصور الذاتي (كل محبي هاري بوتر سيضطرون لمتابعة السلسلة لما تحتويه من تفاصيل تم التلميح اليها في السلسلة السابقة)،ربما لم ترد رولينح من البداية كتابة سلسلة سحرية ملحمية اخرى موازية او متممة للسلسلة السابقة، و لربما كانت فقط، تريد الحديث عن وحوش رائعة، و أين يمكن العثور عليها..
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
وحوش ج.ك.رولينج المذهلة..رائعة جديدة أم امتداد لمجد قديم؟ | mhmd obaid | 0/0 | 9 يوليو 2017 |