كذا واحد من أصدقائي مؤخراً لما آجي أسئله عن الفيلم ده يقوللي نفس العبارة (مقدرتش أكمله من كتر الكآبة والحزن اللي فيه).. وده العكس تماماً اللي حسيته في تجربة مُشاهدته: اني عايز اتفرج عليه كل يوم..
كمّ المعاناة اللي قدامك على الشاشة تقطع قلبك (بالفهوم الإيجابي).. المثل اللي بيقول (مش هاتقدّر اللي عندك غير لما تشوف قد ايه غيرك محروم منه) عظيم هنا.. الشعور بالإمتنان والرضا عن الحياة قوي جداً.. انتا قاعد ساعتين ونص بتشوف ناس (مش بتعاني في الحياة بالمفهوم السوي زي "The Pursuit of Happyness" مثلاً) لكنها بتتعذب نفسياً من المعاناة دي.. تخيل انك يأست تماماً من الحياة وعايز تقتل نفسك بس معندكش القوة الكافية، أو الأثقل: معندكش الحق انك تفكر في القرار ده حتى لأنك مملوك تحت سطوة العدو اللي بيعاملك بكل الأفكار اللي بتضرب في مخيلتك من عبارة (عدم الرحمة): لازم هاتعيش شئت أم أبيت، ولازم هاتعاني لأنك (يهودي) وبنضرب بيك الأمثال كمان !
مشكلتي الوحيدة مع الفيلم انه كان عظيم جداً في نصه الأول وجيه في التاني حاجات كتير اتغيرت.. الإيقاع في النص الأول كان رائع.. كان فيه (قصة) بتتحكي عن اليهود وعن الأسرة وعن المعاناة ومحطتش في مخيلتي أبداً انه ممكن يكون (فيلم شخصية) من عنوان الفيلم اللي بيوحي بكده، واللي كان الحقيقة.. النص التاني هوا (فيلم شخصية) جداً.. نفس اللي بيحصل في النص الأول من يمة (القهر الذاتي والإنسحاق المعيشي) لكن بأشكال مختلفة.. مش قصدي اني أقول انها حاجة (وحشة) لكن الأمر مُرهق انك تشوف فيلم ساعتين ونص عن حاجة واحدة بتحصل في الواجهة: معاناة ومعاناة ثم المزيد من المعاناة ! .. النص الأولاني كان عظيم لأن الحكاية نفسها كانت عن المجتمع اليهودي مش عن الشخصية اليهودية.. الفرق الكبير اللي حسيته ده بين النصفين خلاني أشعر بشئ من عدم الإرتياح.. كأني نقلت من فيلم لآخر بإيقاع مختلف.. جايز يكون السبب في ده انه بيسرد قصة (حقيقية) والسيناريت عايز يوثق الأحداث اللي حصلت فعلاً في حياة الشخصية.. أو انه كان مقصود من البداية انه يكون (فيلم شخصية) مش أكتر كـ(فيلم قصة) لكن ده مكنش هايحصل لولا التكثيف على المجتمع اليهودي من خلال (الأسرة) .. مش عارف، المهم اللي حسيته هنا ان العمل كان بإمكانه يكون أقوى في جزئية الهيكل الدرامي للفيم كله..
غير كده كل اللي ممكن أذكره محاسن.. الإحساس نفسه اللي بيديهولك الفيلم إستثنائي وعالي أوي.. كمّ الفقر والبؤس والمعاناة من ناحية.. والضياع والإحباط والرغبة في الخلاص من التانية حاجة مذهلة.. كل ده في قالب عن حياة إنسان (موسيقي/بيانيـست) الفن والشغف باللي بيعمله وتمسكه بيه كأنه مرشده في العالم المجنون ده شئ عجبني أوي ..
-واحد من أقوى المشاهد في الفيلم هوا لما سبيلمان باع البيانو بتاعه عشان يوفر فلوس الترحال لعيلته.. الفنان الموهوب دلوقتي لازم يحفر في الصخر وينكش بمُنكاش عشان يجعل من (الفن) ده (وسيلة للقمة العيش) مش مجرد (هواية) زي ما ممكن يتبصلها.. تخيل دلوقتي انتا لقيت حد من أقربائك في المستشفى وانتا المُنقد والملاذ الوحيد، ولازم تجيبله مبلغ معين في معاد معين من (شغفك) أو (هوسك) بالفن اللي انتا بتحبه ده (بعض النظر عن نوع الفن، رسم/سينما/مزيكا..إلخ).. شئ عظيم.
-مشهد تاني أعتبره أكتر مشهد مؤلم في الفيلم هوا البنت اللي كانت غرقانة في العياط وبتردد جملة واحدة في ساحة تجميع اليهود: (لماذا فعلت هذا ؟).. الفتاة دي أم قتلت إبنها بدون عمد لما كانت عايزه تسكته عشان الجنود الألمان مايقتولهوش لو عرفوا بمكانه !.. حقيقي الموت هنا أهون إنك تعيش موجوع ومكسور الشوكة بالشكل ده، كأنها بتقول للناس من حواليها (حد يقتلني بقى ويرحمني!) عايزه تموّت نفسها لكنها للأسف مضطرة تكمل في الحياة.. حاجة تقطع القلب يعني لما الواحد يفكر شوية بإن الحاجات دي كانت بتحصل فعلياً فـ يوم من الأيام.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
أفضل فيلم اتعمل عن معاناة الإنسان وإنسحاقه المعيشي ؟ | Hossam Waleed | 1/1 | 22 اكتوبر 2017 |