أطلّ علينا "عملة نادرة"، رمضان هذه السّنة برأس الرّضيع "يوسف" ينبؤنا بانبعاث المسلسل في موسمه الأول، وفي ذلك صورة رمزيّة عن الحياة والخلق والابداع، وهو مسلسل من اخراج "ماندو العدل"، تأليف مدحت العدل و"إنتاج العدل قروب". نيلي كريم تخوض تجربتها الأولى في الدراما الصعيدية تخوض نيلي كريم تجربتها الأولى في الدراما الصعيدية، وتعدّ الدراما الصعيدية في الفترة الأخيرة تيمة ناجحة وقوّة جذب لعدد كبير من المؤلفين نظرا لثراء هذا العالم بكلّ ما يحمله من قضايا. بطولة ثنائية بين نيلي كريم وجمال سليمان تتوزع البطولة في مسلسل "عملة نادرة" بين كل من "نيلي كريم" و"جمال سليمان"، بالإشتراك مع عدد كبير من النجوم ، وهم "مريم الخشت"، "كمال ابو ريّة" ، "جومانا مراد"، وفريدة صيف نصر". وِلادةُ الطِّفل "يوسف" تُحرّك بقية أحداث المسلسل تُحرّك ولادة الرّضيع "يوسف" الوازع المسيطر على دواخل اغلب الشخصيات فالكلّ يسعى لاستغلال هذه المناسبة من اجل الحصول على اهدافه : "الكبير" وهَوَسهُ بمن يُكمل المسيرة من بعده، حتى أنه كتب الخمسين فدانا لابنه بلال بعد أن أنجبت له زوجته "الست نادرة" ذكَرا"، ابنه "مسعود"(أحمد عيد) المهوس هو و زوجته "سميرة" بالميراث، ابو عصايا و رغبته في قطع الطريق عن الكبير في تجارة الاسلحة"، اما نادرة التي ذاقت مرارة الفقد مرارا، فهي تسعى بكل جهدها على الحفاظ على مقرّبيها. وأمام تخبّط الشخصيات في أطماعها، تبقى السيدة نادرة ثابتة حتى وان استأثر الكبير بتسمية ابنها دون استشارتها "الحمد لله على السلامة يا أم يوسف.. حفيدي يوسف.. أنا اللي سميته يوسف" ، أو حتى وان عاملتها حماتها بقسوة "بدل ماتطّمن على الواد، جاي تطمن على مرتك". بل وتزداد جفاءً وقسوة حين يُقتَلُ زوجها ويعرض عليها "الكبير" الزواج من أحد ابنيه فتقبل بالزواج من مسعود نازعةً الوشاح عن أحقاد زوجته. كما تمثل الست نادرة مُحرّك المسلسل وكينونته، كيف لا وهي التي أنجبت طفلاً كانت ولادته بمثابتة "الانفجار العظيم" الذي انبعثت منه بقية الأحداث. عملة نادرة : مسلسلٌ يلامس عديد القضايا الحارقة وعلى رأسها قضايا النساء "مبروك يا كبير... السّت نادرة جابت واد (وَلَد)" وهكذا منذ اللحظات الاولى لأول حلقة ، نكتشف ملامح الذكورية لدى "الاغلبية العليلة " التي تسيطر على المسلسل، ذكوريّة تعود بنا إلى زمن "الموءودة"، فماذا لو كان المولود بنتًا؟ سؤالٌ يجيبنا عنه "الكبير" وهو الجدّ عبد الجبار (جمال سليمان): قائد القبيلة ورمز زعامتها، عندما يردّد فَرِحًا بالمولود الجديد " ماتنساش تذبح... من مِيتَى نِورّثْ أرضنا للبنات؟"..ثم يحدّث إبنه "علاء"(محمد فهيم) ، "عقبال ما ربنا يدّيك واد يا ولدي". ولا يتردّد في مخاطبة ابنه "مسعود" (أحمد عيد) غير عابئ بمشاعره :"أنا كنت عايز مين يكمّل المسيرة بعدي لكن ربنا ما راضيش يكون ليك ولأخوك واد".. ولن ندرك إلا في الحلقة الثالثة أن لمسعود إبنة، غير أن الجدّ لا يريدُ غير حفيد من جنس الذكور يحمل المشعل من بعده، حتى " لا ينقطع نسله"، كما جاء على لسانه، فتشمت فيه العائلة التي تسيطر على الجزء الثاني من عقارات و أراضي "النّجع" وهي عائلة "أبو عصايا" : أخ "الكَبير". "هو دا الوقت اللي نقدر نعدّو فيه اللي نحنا عاوزينو" هكذا يبدأ الحوار بين "أبو عصايا" وابنه وأحد رجاله، و لولهة نعتقدُ اننا أمام شخص يريدُ أن يثأر بالدم، فكثيرا ما تُطرح مثل هذه القضايا في الدراما الصعيدية. ثم نكتشف شيئا فشيئا أننا أمام مخطّط لافتكاك صفقة أسلحة عندما يكون "الكبير" منشغلا" بيوم "العقيقة"، وهي عادةٌ مصرية مأخوذة من السُّنة، حيث تُذبحُ شاتين اذا كان المولود ذكرا، وشاة واحدة إذا كان المولود أنثى، وبهذا يغرق المسلسل من جديد في تعرية الواقع الذي يسوده التمييز و تفضيل الذكور عن الإناث. أما السلاح فهو يمثل " قوّة وهيبة و عَزْوة" كما جاء على لسان "مسعود" قبل أن يقتل أخاه، بسبب الغيرة و طمعًا في الخمسين فدّانا التي كُتبت باسمه. في الحلقتين الرابعة والخامسة، تمضي "نادرة" وقتها في الهروب من مكان الى اخر حتى لا يجبرها "الكبير" على الزواج من "مسعود"، وتحط رحالها لدى عائلة "أبو عصايا"، وتبدا الأحداث في اتخاذ منعرج خطير يصل الى تهديد الكبير بحرق "النّجع" ان لم يجدوا الأرملة وابنها، و يصبح الأمر أكثر تشويقا مع تعالي اصوات المنتفضين ضدّ بطش زعيم القبيلة. قضايا يطرحها المخرج بجرأة ودون أي تجميلٍ، في مشاهد قد تجعلنا نتعاطف مع بعض الشخصيات أحيانًا و نحزنُ لوضعية بعضها الآخر خصوصا حين نرى "إسراء" (مريم الخشت) تقبّل يدي زوجها، جاثية على ركبتيها، تشكره لأنه رفض الزواج من "نادرة" "عزَّزْتْنِي وكبَّرْتني وخليت راسي في السماء"، رغم أن حدس الانثى يخبرها بأنه على علاقة سرية مع غيرها، ولكن ذلك لا يهمّ طالما أن الأمور غير رسمية. الجانب التصويريّ يقوم على التّلاعب بالأَلوان و نُدرة الاماكن تبدو لنا أحداث المسلسل مُلوّنةُ في الماضي حيثُ تأتينا المشاهدُ مزركشة بألوان زاهية، تقابلها مشاهد قاتمة يعمّها السواد في الحاضر،. ويبدو من خلال التلاعب بالألوان أن الماضي في أغلب المشاهد أفضل من الحاضر، خصوصاً عندما يطلّ علينا وجه "الستّ نادرة" التي يبدو عليها الغضب والحزن منذ بداية المسلسل عدى لحظة ولادتها ليوسف وولقطات تذكرها للقاءها مع زوجها بلال، التي بدت فيها مبتسمة سعيدة. من الناحية التصويرية، ارتأى المخرج تصوير اغلب المشاهد في منزل "الكبير" وهو مكان مغلق، رغم اتساعه يضيق باحتشاد ثلاثة اسر داخله، كل منها تعيش صراعاتها داخليا وخارجيا دون إن تعلنَ ذلك ، أما بقية الأماكن فمفتوحة تدور فيها أحداث متسارعة. آداء المُمثّلين : الكثير من نقاط القوّة والقليل من نقاط الضعف بدَى أداء نيلي كريم قوي في الحلقات الأولى خصوصا، في حين قلّ ظهور الشخصية التي تتقمصها في الحلقات الموالية مما قلّل قدرتها الأدائية، أما عن أداء بقية الممثلين ونذكر على سبيل المثال محمد فهيم، فقد فاجأنا بقوة أدائه ، إذ نعيش معه تخبّطه في المشاعر التي تظهر في ملامح وجهه وفي نبرة صوته. إضافة إلى أداء مريم الخشت التي تنقل لنا بكلّ حرفية ما تعيشه الشخصية من أحداث، ومن عاطفية مفرطة قد تجعلنا نتعاطف معها، ويزداد أداؤها تميّزا مع الحلقة الخامسة، خصوصا في مشهد علمها بحملها، ثم مشهد تعنيفها من قِبل زوجها، وصولا الى المشهد الذي يليه حين تهدأ الأجواء بينهما، و تحدّثه عن حبّها له، وقد يعود ذلك الى تجربتها في الدوبلاج الصوتي منذ طفولتها. كما فاجأت عودة أحمد عيد، بعد غياب دام 8 سنوات عن الساحة الفنية، اعجاب الجمهور، وهو المعروف بآدائه للأدور الكوميدية، وقد نشر ماندو العدل مؤخرا تدوينة على صفحته الشخصية بموقع فيس بوك، قائلا "الحمد لله كسبت رهان جديد، أحمد عيد ممثل كبير، يا رب كملها على خير يا ربّ يا كريم". أما "جمال سليمان" فقد أبدى أريحيّةً في أداءه، إذ يبدو واثقا في تمثيله للدور الصعيدي كما عوّدنا في عدّة أعمال أخرى تتبع الدراما الصعيدية. وفي المقابل نُلاحظ ضعف اداء هشام عاشور في دور "عصام"، ضعفٌ نشهده في كل الحلقات الماضية. الموسيقى التصويرية تحاكي أحداث المسلسل أصبحت الموسيقى عامل نجاح أي عمل درامي مع تطور صناعة السينما والدراما التلفزيونية، لتكون بطلا لا تقل أهميته عن بقية أبطال العمل، وقد أبدع عادل حقي في تقديم المسويقى التصويرية لمسلسل "عملة نادرة" لتحاكي أحداث المسلسل في هدوءها وصخبها، متماهية مع مافيها من حزن وثورة ووحشية. أما عن أغنية التتر فهي من كلمات الراحل عبد الرحمان الأبنودي وغناء الكينغ محمد منير.
وبهذه البنية المتماسكة للمسلسل، سيناريو واداءً وقوة اخراج، يكون المسلسل قد لاَمس منذ بدايته أهم قضايا المجتمع المصري عموما والصعيدي بشكل خاص، قضايا طرحها في خمسة حلقات بجرأة كبيرة، وأهمها تجارة السلاح، تعدد الزوجات ، التصارع على الميراث، حقوق المراة والتشدد الدّيني .
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
"عُملة نادرة" : حين تقف الأقلّية البَلِيلة في وجه الأغلبيّة العَلِيلة | سميرة زينة | 1/1 | 30 مارس 2023 |