عودة موهبة هائلة .. لا تحتمل

من منا قد ينكر خفوت بريق النجم الأمريكي نيكولاس كيج الذي لطالما استمتعنا بأفلامه في حقبة التسعينات العظيمة، بدءًا من التجربة الكوميدية اللطيفة Guarding Tess، ثم المغامرة الخطيرة داخل حصون الكاتراز رفقة القديس شون كونري في ملحمة The Rock، ثم الرحلة الجوية المفزعة Con Air، والأجواء السيكوباتية في Face Off، أحد أهم الأفلام الأسطورية داخل هوليوود.

وفي مطلع الألفينات تواصلت مسيرة كيج الناجحة من خلال Gone in sixty second والدراما الرومانتيكية Captain Corelli’s Mandolin، وMatchstick Men وNational Treasures بأجزائه وفانتازيا Next وLord Of War وWeather Man … الخ

ولكن بدءًا من 2010 وحتى 2021 لا أتذكر فيلمًا مميزًا لنيكولاس كيج، لم يتوقف كيج عن التمثيل وتقديم الأفلام ولكنها لا تعلق بالذاكرة ولا تنتشر حولها النقاشات بيننا كجمهور عربي، نعم شاهدت فيلم knowing ولكنه لا يرتقي لمستوى أفلام كيج السابقة.

وفي العشرية الثانية من الألفينات قدم نيكولاس حوالي خمسة أفلام لم يرتقي تقييمها عند الجمهور إلى أكثر من 4.5 بحسب زوار موقع IMDB وكمشاهد عربي، يكفيك النظر إلى مواقع الأفلام - شرعية كانت أم غير شرعية - لتشاهد قائمة أهتمامات المشاهد العربي وقد خلت من أفلام كيج.

يأتي عام 2022 ليُقدم كيج على فكرة عبقرية رغم بساطتها وربما بساطتها هذه هو سر عبقريتها ونجاحها، من خلال قصة البحث عن النجم السينمائي نيكولاس كيج، أو كيف يعود كيج كنجم سينمائي؟

The Unbearable Weight of of Massive Talent نعم يظهر كيج بشخصيتة الحقيقية في الفيلم وهو يبحث عن سيناريو يعود من خلاله إلى الأضواء مرة أخرى كنجم لامع ولكن يبتعد عنه المنتجين وكتاب السيناريو لخفوت نجمه ومن ناحية أخرى يثقله هم الواجبات الاسرية، فابنته التي تجاوزت ال16 عام تفتقده وتفتقد وجوده وإهتمامه في ظل انشغاله بالبحث عن عودته.

الصراع يحتدم ما بين الرغبة في العودة بأي ثمن وبين الشعور بالتقصير تجاه أسرته التى غاب عنها طوال سنين كفاحه السينمائي الذي كلفه الإنفصال عن زوجته والتى داخل أحداث الفيلم كانت الماكير الخاص بفيلم Captain Corelli’s Mandolin وهي تفصيلة بالتأكيد ليست حقيقية مائة بالمائة وإن كان بها قدر كبير من المحاكاة للحقيقة، فالزوجة الأولى لكيج في الواقع كانت من أحد أعضاء المنظومة الفنية داخل هوليوود، عندما تزوج كيج من الممثلة الامريكية باتريشيا اركيت.

الحقيقة الوحيدة التي تتشابه مع الواقع بنسبة تكاد تصل لـ 100% في الفيلم هي مكانة نيكولاس كممثل داخل القصة، أما البقية فهي أحداث مبنية أو نسجت من واقع كيج لتخدم الفكرة الاساسية للفيلم " عودة كيج ". ومن خلال الفيلم تم تقديم جرعة ساخرة وعبقرية في آنً واحد في الحديث عن كل الاعمال الفنية المبهرة التي قدمها كيج خاصة في التسعينات، بل إن السيناريو أستطاع أن يوظف لقطات وكادرات فنية خالدة من تلك الأعمال وإعادة إستخدامها مجددًا في سياق الفيلم لينعش ذاكرة المشاهد وليتحول عنوان الفيلم – ضمنيًا - الى " فيلم الفيلم ".

لقطات من Face Off وThe Rock وGuarding Tess وحتى إن لم تسعفهم القصة لإعادة إنتاج لقطات أسطورية من مسيرة كيج السينمائية، فتكفي النكات أو بمعنى أدق " الألش" على لقطات من تلك الافلام في سياق قصة الفيلم.

الفيلم مسلي ومبهج خاصة لمن يفيض شغفهم تجاه عالم الأفلام. فالحديث داخل الفيلم بشكل يكاد يكون متواصل عن الافلام والبطل والتيمة والإيقاع والأجمل أنه حديث يخدم سير الأحداث داخل الفيلم.

قصة الفيلم بإختصار يحاول كيج العودة مجددًا للسينما أولا لأنه لا يملك شغف تجاه أية أعمال أخرى سوى التمثيل، وثانيها أنه مضغوط ماديًا، ولكنه سئم تجاهل المنتجين له بعد خفوت نجمه السينمائي. من ناحية أخرى يحاول مدير أعماله إقناعه بقبول عرض من رجل أعمال إسباني بقيمة مليون دولار مقابل فقط أن يذهب كيج لحضور حفل عيد ميلاده، والذي سيكتشف كيج في الأخير أن هذا الرجل متورط في أعمال إرهابية داخل إقليم كتالونيا الإسباني وأنهم تحت أعين جهاز المخابرات الامريكية، لتبدأ رحلة الممثل/العميل نيكولاس كيج لمساعدة CIA في القبض على رجل الأعمال " خافيير".

رفض كيج الحضور في بادئ الأمر ظنًا منه انه تحول لمجرد راوي حكايات ومسلي لتلك المناسبات، خشي أن يتحول من نجم سينمائي إلى مونولوجيست ينحصر جهده فقط في تسلية الحضور وربما السخرية من نفسه مقابل أموالهم، ولكن رغم أن هذا كان هو غرض خافيير في بادئ الأمر إلا أن كيج يكتشف أن خافيير ليس مجرد ثري لا يعرف كيف يبذر أمواله -الصورة النمطية عن الأثرياء- ولكنه أحد المتيمين بكيج ويحفظ كل أفلامه وسبب دعوته كانت بالأساس رغبته – خافيير – في عودة كيج إلى الساحة من خلال فيلم كان قد كتبه وكان يرى في حفل عيد الميلاد فرصه ليعرض المشروع على كيج!

الصراع الأساسي الذي يقع فيه كيج هو تعارض ما يلمسه كفنان يؤمن ويصدق إحساسه بشكل تام في صلاح ذلك الرجل " خافيير " وما تحاول CIA إثباته لكيج عن خلفية الرجل الإرهابية، صراع موازي لما يدور داخل كيج من تساؤلات، هل يصدق إحساسه بأنه قادر على العودة مجددًا أم تتأكد أراء من حوله بأن نجوميته قد إنتهت للأبد ؟ فهل يصدق إحساس كيج ببراءة وصلاح "خافيير" أم تصدق مزاعم CIA على الرجل ؟ هذا ما ستكتشفه من خلال ساعة واربعون دقيقة رحلة عودة " نيك كيج " إلى السينما مرة أخرى كموهبة هائلة لا تحتمل.

نقد آخر لفيلم The Unbearable Weight of Massive Talent

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
عودة موهبة هائلة .. لا تحتمل احمد رميح احمد رميح 2/2 17 سبتمبر 2023