زكي باشا: البلد مش محتاجة مهندسين دي لوقت... البلد محتاجة حرامية. أسماء فريق الممثلين في عناوين بداية الفيلم مقسومة إلى قسمين أو فريقين: الأول برئاسة عادل إمام والثاني برئاسة نور الشريف. تبدو حيلة إخراجية للتخلص من مطب "اسم مين الأول؟"، تخلل تقديم الفريقين مقدمة تاريخية قصيرة يقرؤها يحيى الفخراني بصوته الممزوج بضحكة مكتومة يسرد فيها تبدل الأحوال على مبنى سكني قديم يدعى عمارة يعقوبيان.. تتحسر المقدمة على زمن مضى وتلقي لوما على ثورة يوليو وتعطي انطباعا سيئا عن ضباطها، وعندما تأتي سيرة الانفتاح تخرج الضحكة المكتومة من فم الفخراني على شكل فرح ساخر فيه شماتة.. يمكن التخمين من هذه المقدمة أن الفيلم يؤمن بأن هناك زمنا جميلا، ويبرهن على ذلك بتقديم راهن بائس مثخن بالعيوب التي أصبحت بنى اجتماعية تحرك الناس وتقود علاقاتهم البسيطة والمعقدة، بتقديم فيلم روائي مخلص بأمانة للرواية التي ينقل عنها، فيقدم أحداثها برؤية سينمائية تأخذ الكاميرا فيها دورا يخدم السرد المرئي. يباشر الفيلم/ الرواية بتقديم شخصياته قاطني عمارة يعقوبيان الجدد معتنقي فكر الانفتاح أو ضحاياه أو المستفيدين منه، ويسهب في التقديم كما يجدر برواية حريصة على تشكيل أبطالها بدقة ووضوح، تشق كل شخصية مسارا دراميا منفصلا، يتركها النص تعبر عن نفسها أو تتطور ببطء وتبقى عمارة يعقوبيان حاوية اسمنتية تضم الجميع بمرافقها القديمة، الفصل المقصود لمسار الشخصيات أظهر مقدرة إخراجية عملت على ضبط الجميع كي يبقى المشاهد مهيئا للفصل التالي من القصة التالية. لم تشوش الشخصيات على بعضها ولم تختلط القصص أمام المتابع الذي بقي يقظا ومتحمسا بفضل مخرج أتقن دوره خلف الكاميرا، وأتقن قص الشريط السينمائي ووصله في الأماكن المناسبة، ولكن عندما بدأ الوقت ينفذ أدرك المخرج أنه استهلك كثيرا من الوقت في تحريك الشخصيات التمهيدي، فزاد فجأة في تواتر سرعة الفيلم، وحقن في أوردة الشخصيات مزيدا من الدراما فتنشطت ليصبح لكل شخصية نهاية مفجعة أو مفزعة أو غير معقولة. رغم ثراء الشخصيات واكتناز مضمونها الاجتماعي إلا أن النص ارتضى بالحلول التقليدية وتبنى كل المقولات الشعبية، فالفقر بيئة حاضنة للتدين الذي يقود وبشكل حتمي إلى التطرف إذا ساعدته هيمنة رجال الأمن القساة، وهي نظرية كافية دون براهين ولا تشكل حالة عامة رغم نجاحها النسبي ولكن الدراما تعشق مثل هذه المفارقات فتقدمها بكل سعادة، كما انساق الفيلم وراء توليف سطحي لطريقة ترشيح أعضاء مجلس الشعب، فهؤلاء قد يكون اختيارهم واعتمادهم في نظام ديكتاتوري أعقد من مجرد لقاء بسيط يتم فيه دفع مبلغ كبير، وقد صور الفيلم كهلا غنيا متعطش جنسيا ومدع ديني يحصل بكل سهولة على كرسي في مجلس الشعب بعد عملية بيع وشراء من تلك التي تحدث في دكاكين باعة المفرق.. المشكلة الأكبر في تقديم الفيلم فهما كسيحا للمثلية فهي في نظر المخرج مجرد اعتداء جنسي تم في الطفولة مع شخص فانقلبت الجينات بسحر خفي وتحول الطفل إلى رجل مغرق في المثلية، ولم يكتف الفيلم بهذا التفسير البسيط والبدائي، بل أنهى حياة المثلي بطريقة عنيفة وغير عادلة وكأنه يعتذر للمشاهد عن تقديم شخصية من هذا النوع. شخصية عادل إمام زكي باشا تتسيد جزءا كبيرا من الفيلم وتلاقي عناية خاصة في السيناريو والإخراج، زكي باشا سليل عائلة نبيلة إلا أنه لم يتصرف دائما على هذا الأساس، فيقحم الفيلم مشهدين أو ثلاثة تخدم عادل إمام الممثل الكوميدي ولا تضيف شيئا لزكي باشا وقد ظهر أكبر بكثير من الشخصية التي يؤديها، ويمكن نسيان هذه المشكلات البسيطة لصالح شخصية ملفته يقدم عادل إمام تفاصيلها الروائية بدقة حين ينسى أمر الكوميديا، ويبقى الباشا في ذاكرة المشاهد حتى بعد نهاية الفيلم، فيما أدى نور الشريف دور شخصية تدور في الكثير من الأفلام حتى كادت أن تصبح نمطا وقد أداها بإيمان كامل وإخلاص تام، فتلبس صورة الكهل محدث النعمة المتستر بقشرة دينية تبرر سلوكه المشبوه، ويبدو أن قيمة عادل إمام سمحت لممثل عديم الموهبة كمحمد إمام أن يلعب دورا هاما هو دور الإرهابي الفقير فنزع عنه الكثير من مضمونه الفني، ولكن حضور هند صبري التي تؤدي بتلقائية وحرفية مثيرة للإعجاب ساعدت كل من شاركها مشاهدها بالارتفاع إلى مستواها بمن فيهم عادل إمام نفسه. أفضل فيلم في الألفية الجديدة، أظهر عادل إمام بصورة مختلفة لائقة بتاريخ فني طويل ليس فيه الكثير إلا عدد أفلام كبير واختصاص في الكوميديا، لعب دورا جديداً إلى حد معين، ولكن شخصية زكي باشا تشبه بمعنى ما صورة "الزعيم" البسيط العادي الذي يخرج دائما بانتصار كبير وقد حقق نصره هذه المرة بالفوز بزواج شهي. تطابقت الشخصية المكتوبة في الرواية مع ما يريده الزعيم وطبقه المخرج حرفيا، لينتهي الفيلم بعرس أو زواج وهي ثيمة شكسبيرية ينهي بها جميع كوميدياته، اعتمدها المخرج كصيغة تفاؤلية يبدد بها جو الكآبة الذي خيم على أبطال الرواية جميعا، كان النقل عن الرواية أمينا وعادلا لكنه أظهر تفوقا للفيلم، فمشاهدة عمارة يعقوبيان تفوق متعة قراءة الرواية.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
ضوء في الظلام |
![]() |
12/14 | 25 مايو 2016 |
بالتاكيد ذللك الفيلم يستحق الاوسكار ..بالتاكيد !! |
![]() |
9/10 | 21 مايو 2011 |
زكي باشا: البلد مش محتاجة مهندسين دي لوقت... البلد محتاجة حرامية. |
![]() |
0/0 | 16 فبراير 2025 |